Atlantic Council – ترجمة بلدي نيوز
في عام 2015، أعلن الرئيس الأمريكيّ باراك أوباما، في إِطار الخطّة الشاملة للعمل المشترك، والمعروفة أكثر باسم "صفقة إيران"، ادعاءه بأنّ ذلك الاتفاق من شأنه أن يجعلَ إيران "تعملُ بطريقةٍ مسؤولة"، في حين عَقَّبَ مستشار أوباما، بن رودس بأنّ تلك الصفقة ستقوم بإحراز تطورٍ ملحوظٍ في السلوك الإيرانيّ"، كما أدار حملةً إعلاميةً متطورة لتعزيز ذلك الاتفاق مع إيران، عازِلاً الحقائق بأسلوبٍ مُضَلِّلٍ بل وكاذبٍ حتّى، وذلك وفقاً لمقال صحيفة نيويورك تايمز الصادر مؤخّراً. وخِلافاً لادّعاءاتهم تلك، فقد زادت إيران من حِدّةِ عدوانها الإقليمي، لا سيما في سوريّا، من خلال دعمها المُكثَّف لنظام الأسد، ورفضها التعاون مع الولايات المتحدة في التوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا ومحاربة تنظيم "داعش".
وحين وُضِعَت اللمساتُ الأخيرةُ على اتفاق إيران في عام 2015، قام الحرس الثوري الإيراني بنشر خمسة عشر ألف جنديّ في سوريّا، وقام قاسم سليماني، رئيس فيلق الحرس الثوري الإيراني، بعد ذلك بزيارةٍ إلى موسكو بهدف تنسيق التدخّل العسكريّ الروسيّ في سوريا، كما أرسل 2500 جنديّ إضافيّ من الحرس الثوري إلى سوريا، واستمرَّ هذا التّصعيد، في 16 أيّار من عام 2016، عندما أرسلت إيران بوحدات من جيشها النظاميّ من لواء "نوهد 65" والذي يُقَدَّرُ تعداده ب 100-200 من القوّات الخاصة ذوي القبعات الخضر، وكان ذلك أول نشرٍ للقوات الإيرانية منذ الحرب بين إيران والعراق.
علاوةً على ذلك فإنّ الخسارات المتزايدة في صفوف جنودها، تُؤَكِّدُ على زيادة حِدَّةِ تورّطها في سوريا. حيث أنّ الخسائر الإيرانية في الأشهر الستة الماضية كانت تعادل في محصّلتها، خسائر أول عامين كاملين من عمليّاتها في سوريا، كما أنها تكبَّدت بخسائر كبيرة في الأسبوع الماضي، وذلك بعد مقتل ثلاثة عشر مستشارٍ عسكريٍّ من حرسها الثوري، مما يجعل تلك الخسارة، الأكبر لها في يوم واحد.
إن الزيادة الكبيرة في عدد المقاتلين الأجانب في سوريا تعود وبجزء كبير إلى الدعم الإيراني، والذي يتضمن حزب الله اللبناني، حزب الله العراقي، "حركة النجباء" لواء "الزينبيون" الباكستاني، والهزارة الأفغان. ولتشجيع المزيد من المقاتلين الأجانب لدعم قضيّة الأسد، أقرّ البرلمان الإيراني بقانون يمنح الجنسية الإيرانية لأُسَرِ المقاتلين الذين لقوا حتفهم في سوريا، كما قامت إيران بإنتاج أشرطة فيديو وموسيقى تشجّع الأطفال على القتال.
إنّ إيران لا تقوم فقط بإرسال الميليشيّات الأجنبيّة لمساعدة الأسد، بل أيضاً لتعزيز حملتها في التّطهير الطائفيّ في سوريا، فقد استهدفت الميليشيّات الشيعيّة المدعومة من إيران، الأحياءَ السُنِيَة حيث قامت بتطهيرها وتغيير تركيبتها السّكانية في الكثير من المناطق المختلفة من سوريا، كحمص ويبرود وجنوب دمشق، حين قاموا بهدم المناطق المدنيّة، ومحاصرة السُّكان، وطردهم، حيث يُخطّطُ التّمويل الإيرانيّ، لإعادة الإعمارِ بشكل تحلُّ فيه العمليّات الاستيطانية الجديدة، محلّ المناطق المفرغة من أهاليها، والتي تُباع بعد ذلك إلى الميليشيّات الأجنبيّة.
إن حالة مضايا فظيعة بشكل خاص، فعندما فشل نظام الأسد في الاستيلاء على بلدة الزبداني في شهري تموز وآب من عام 2015، تفاوضت إيران على وقف إطلاق النار مع مجموعة الثوّار الإسلاميّة -أحرارُ الشام- والذي أدّى لتطهير طائفيّ لجميع المدنيين في الزبداني، وعبور المدنيين من البلدات الشيعية إلى دمشق.
في حين نَصَّ وقف إطلاق النار المُقتَرَحِ من قِبَلِ إيران، على السماح للمدنيين في البقاء في الزّبداني، وإمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى بلدة مضايا، وبمجرّد مغادرة الثوّار، قام وكيل إيران "حزب الله" بتجميع المدنيّين في الزبداني، وطردهم نحو مضايا، واضعاً أولئك المدنيين تحت الحصار الذي وصفته الأمم المتحدة بـ"المعاناة الأسوأ" منذ بداية الصراع السوري.
وتحت الذّراع العسكريّ الإيرانيّ، قام حزب الله بتطويق المدينة بنقاط تفتيش وحقول ألغام، مانعاً بذلك المدنيين من الهرب من ذلك الحصار، ونجح هذا التكتيك في محاصرة وقتل العشرات من المدنيين، من بينهم الكثير من الأطفال.
وكان دخول حزب الله في الصّراع السوري في أيار من عام 2013، واحداً من العوامل الرئيسيّة التي أدّت فيما بعد إلى تفاقم التطرف السُنِّي وتهميش المعارضة المعتدلة، وتحويل الصراع فيما بعد إلى حرب طائفية.
ووفقاً لدراسة أجرتها منظّمة "The Day After" حول "الطائفيّة" في سوريا، ذكر المستطلعون بأنّ حزب الله هو الكيان الأكثر طائفية في سوريا، وذلك بنسبة 87.4 في المئة، مما جعله يحتلّ مرتبة "الطائفيّ جداً"، متقدّماً بذلك حتى على تنظيم "داعش"، ونظام الأسد، وردّاً على تصرفات حزب الله، قام واعظون إقليميّون كالشّيخ يوسف القرضاوي بالدعوة للجهاد في سوريا، ضد الشيعة والعلويين، والّذين وصفهم على حدّ قوله، بأنّهم "أسوأ من اليهود والنصارى".
وبدلاً من الحديث عَلَناً ضدَّ التصرفات الإيرانيّة في سوريا، التزمت الإدارة الأمريكية الهدوء، بل إنها ولحماية صفقتها مع إيران، طمأنت القيادة الإيرانيّة بأنّ تصرفات الولايات المتحدة في سوريا لن تضر بالمصالح الإيرانية، حين قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنّ: الدور الإيرانيّ كان يساهم في مكافحة تنظيم "داعش"، بل إنه حتى طلب الحصول على المساعدة الإيرانيّة للمساعدة في إنهاء الحرب في سوريا.
كما أن الولايات المتحدة قد طمأنت إيران خلال المفاوضات، بأنّ الضربات الجوية الأمريكية في سوريا لن تقوم بإضعاف نظام الأسد، وتَبِعَ ذلك تصريح أوباما بأنه على استعداد للعمل مع إيران لحلّ النزاع السوري. ووفقاً لدراسة أجرتها "استشارت الدفاع" IHS-جينس، فإن الأسد وتنظيم "داعش" يقومان "بتجاهل بعضهم البعض في ساحات المعركة"، بالإضافة إلى أنّ قوات الأسد والقوات الإيرانية وحزب الله، يقاتلون في مناطق لا يكون فيها أي وجود لتنظيم "داعش".
وفي الواقع، كان قد جادل راي تايك و ريول مارك غريشت، بأن إيران تقوم باستخدام بروز تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، في توطيد قوّتها، فقد ازداد التعنُّتُ الإيرانيّ بشكل كبير مؤخّراً فيما يتعلق بمصير الأسد، كما كانت قد رفضت التعاون في مكافحة تنظيم "داعش" منذ توقيع اتفاقها مع أمريكا.
وبعد رفع العقوبات، تضاءلت احتمالية تقديم المسؤولين الإيرانيين لأي تنازلاتٍ في المفاوضات الدبلوماسيّة حول سوريا، فالرئيس الإيراني حسن روحاني، كان قد رفض وبشدّةٍ الدعوات التي تفيد بأنّ على الأسد أن يتنّحى، وذلك خلال زيارته لفرنسا في كانون الثاني، في حين تصرُّ إيران على أن رحيل الأسد خط أحمر، ووصف المرشد الأعلى الإيرانيّ علي خامنئي بتصريح له بأنّ الحرب في سوريا هي "حربٌ مقدسة"، قائلاً بأن فشل الإيرانيين في الدفاع عن الأسد يعني بأنّ "العدو سيقوم بمهاجمة إيران".
كما صرّح كبير مستشاري المرشد الأعلى، علي أكبر ولايتي، في لقاء له مع الأسد في دمشق الأسبوع الماضي بأنّ "إيران ستقوم بحشد كل الموارد لمحاربة الإرهابيين في سوريا، وذلك بغضِّ النّظر عن التصنيف "المثير للسُّخرية" عن هؤلاء الإرهابيين، (كمعتدلين أو متطرفين) .
وقد حصد أوباما سابقاً على التأييد لصفقته مع إيران، وذلك نظراً لجزمهِ بأنّ إيران ستقوم بتعديل سلوكها، ولكن تم إثباتُ بأن ذلك مجرد ادعاء كاذب، لذلك فإن تغيير السلوك الإيراني يتطلّب من أوباما أوّلاً:
الاعتراف بأنّ الصّفقة مع إيران مكَّنَتها من إبراز سلوكها العدوانيّ في سوريا ثم يتوجّبُ عليه الشروع بالنظر لتنفيذ سياسات عقابية، تتضمن خطوات كإعادة فرض عقوبات على إيران بسبب دعمها للإرهاب وانتهاكاتها المتكرّرة في سوريا لحقوق الإنسان، كما اقترحا سابقاً عضوا مجلس الشيوخ ماركو روبيو ومارك كيرك.
بالإضافة إلى منع الإيرانيين من السفر إلى الولايات المتحدة، وتجميد أصول المسؤولين الحكوميين الإيرانيين المتورطين في المشاركة بارتكاب جرائم حرب في سوريا، في حين أن القيام بخلاف هذا، ليس سوى سماح بل وحتى تشجيع أمريكيّ لإيران على مواصلة دعمها لسياسات نظام الأسد الوحشية ضد الشعب السوري.