The Washington Post – ترجمة بلدي نيوز
إن التصاعد في المعارك في أنحاء سوريا، يوم الخميس، يشير إلى انهيار واضح المعالم لاتفاق "وقف الأعمال العدائية" والذي كان تحت ضغط متزايد في الأيام الأخيرة بسبب تكثيف الاعتداءات من قبل القوات الحكومية والثوار.
الهدنة الجزئية -والتي دخلت حيز التنفيذ في أواخر شباط/ فبراير- تمثل لحظة نادرة من الاتفاق بشأن الصراع السوري بين اللاعبين الخارجيين الأقوى: روسيا والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن موسكو تدعم الرئيس السوري بشار الأسد وتدعم واشنطن معارضته، فإن هذه القوى قد أقنعت حلفاءها السوريين بالاتفاق على وقف الأعمال العدائية لتعزيز محادثات السلام في جنيف التي استؤنفت يوم الأربعاء.
ولكن موجة القتال الجديدة من المؤكد أن تؤدي لتعقيد هذه المحادثات –والتي هي الآن في جولتها الثانية- وستطيل أمد الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 250.000 ألف شخص وشردت الملايين.
وقال رئيس وفد المعارضة في جنيف، محمد علوش: "كلما رأينا مزيداً من انتهاكات الهدنة، فذلك يدل على أن الأسد لا يريد حلاً سياسيا"، وتصر المعارضة أن الحل السياسي يجب أن يتضمن خروج الأسد من السلطة، ولكن الرئيس السوري وحلفائه يرفضون ذلك بشدة .
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة قد أشارت لاهتمامها بمجموعة العمل الامريكية الروسية برئاسة مشتركة لمراقبة وقف إطلاق النار، وأضاف المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بمناقشة الموضوع علناً: "في محادثاتنا مع المسؤولين الروس، اقترحنا سلسلة من الاجراءات لتهدئة الوضع". ولكنه لم يقدم تفاصيل إضافية.
أما في سوريا، فقد ذكر الثوار أن النظام السوري قام بغارات جوية مكثفة في أماكن متعددة بما في ذلك المنطقة الشمالية الغربية من اللاذقية ووسط محافظة حمص، وفي الوقت ذاته، أعلنت جماعة تنظيم الدولة أنها أسقطت طائرة حربية يوم الخميس في جنوب محافظة السويداء.
وقالت الجماعة في بيان لها على موقع تويتر أن "نظام الدفاع الجوي" قد أسقط طائرة أثناء إقلاعها من قاعدة جوية عسكرية في المنطقة.
وطالبت الجماعات الثورية في سورية منذ فترة طويلة، بزيادة القوة العسكرية والنارية من قبل الغرب، بما في ذلك إمدادهم بصواريخ أرض-جو، لمواجهة التفوق الجوي للحكومة السورية، ولكن المسؤولين الأمريكيين رفضوا توريد الأسلحة، خشية أن تقع في أيدي المتطرفين.
وفي مدينة حلب الشمالية يهدد اعتداء القوات الموالية للأسد بقطع طريق الإمداد الوحيد لقوات المعارضة في المدينة، فالسيطرة على طريق "كاستيلو" سيوجه الضربة القاضية للثوار في حلب، كبرى المدن السورية قبل الحرب، والتمرد الأوسع ضد الأسد.
ووفقا لأمين الحلبي، وهو ناشط إعلامي للمعارضة في المدينة، أن الثوار يقودون القوات الحكومية السورية بعيداً عن طريق "كاستيلو"، فيما تستمر الاشتباكات، وأنهم استطاعوا السيطرة على مواقع كانوا قد فقدوها لفترة وجيزة لصالح نظام الأسد.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع الثوار في حلب، ولم يتضح ما إذا كانت روسيا قد نفذت هذه الغارات.
وفي شهر شباط/فبراير الماضي، شن نظام الأسد هجومه -مدعوماً بالضربات الجوية الروسية والآلاف من رجال الميليشيات الشيعية من إيران ولبنان والعراق، لتطويق حلب- وقام بذلك جزئياً، ولكن إذا تم محاصرة المدينة كاملة الآن، فمن المرجح أن تتعرض المدينة وثوارها لحصار وحشي طويل الأمد.
وما يؤكد تعقد القتال بالقرب من المدينة، هو شن مسلحي تنظيم الدولة اعتداءات كبيرة على الثوار إلى الشمال، واستيلائهم على عدد من القرى القريبة من الحدود مع تركيا.
وفي الأسابيع الأخيرة، قام الثوار بطرد مسلحي التنظيم من المنطقة تحت غطاء من المدفعية التركية والقصف الجوي من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة والتي تقوم بمكافحة التنظيم في سوريا والعراق.
ولا يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف باسم "ISIS" طرفاً في اتفاق وقف إطلاق النار، فالثوار بالإضافة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة –قد واصلوا استهداف المجموعة- بما في ذلك روسيا.
"جراح"، وهو مقاتل من الثوار في المنطقة، طلب عدم ذكر اسمه بالكامل بسبب مخاوف على سلامته، وقد قال: "إن مقاتلي التنظيم قد هاجموا بوقت مبكر من صباح اليوم واقتحموا تلك القرى على حين غرة".
ويبدو أن القتال قد أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلاً في المنطقة، وقال عمال الإغاثة أن مئات، وربما آلاف، الناس من القرى المتضررة يفرون غرباً نحو مدينة "عزاز" التي يسيطر عليها الثوار وإلى مخيمات اللاجئين المؤقتة على الحدود مع تركيا.
وفي بيان قال فرانك مكمانوس، مدير لجنة الإنقاذ الدولية في تركيا، "إننا نشهد وصول الآلاف من الناس إلى الحدود، ويوجد أكثر من ألف أسرة في مخيمات اللاجئين تدعمهم لجنة الإنقاذ الدولية "IRC" في أعزاز والقرى المجاورة.
ويبدو أن هجمات الثوار على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية بالقرب من الحدود الشمالية لسوريا هو جزء من تحرك جديد من جانب تركيا ضد التنظيم، ويقول محللون أن تركيا أيضا تنظر إلى قوات الثوار كمنطقة عازلة ضد القوات الكردية السورية التي استولت على مساحات من الأراضي في المنطقة، وتدعي تركيا أن هناك صلات بين الانفصاليين الأكراد والمقاتلين الأكراد في سوريا.
من جانبهم، أعلن الأكراد السوريون إنشاء منطقة اتحادية في شمال شرق سوريا الشهر الماضي، على الرغم من تحذيرات تركيا والولايات المتحدة، وأثارت هذه القضية مخاوف من تفكك سوريا على أسس عرقية وطائفية، وهو احتمال من شأنه أن يعقد الجهود الرامية لإنهاء القتال.