ذي ديلي بيست: المصير الغامض للأب باولو؟ - It's Over 9000!

ذي ديلي بيست: المصير الغامض للأب باولو؟

The Daily Beast  - ترجمة بلدي نيوز

في آخر مرة رأت فيها "هند عبود قبوات" مرشدها الأب "باولو دالوليو" على قيد الحياة، قالت بأنها قد شعرت بغصة في قلبها ، فالكاهن الإيطالي الذي استقر في سورية منذ 30 عاماً جعل من هذا البلد بيتاً له وبنى سمعة دينية له بين المسيحيين والمسلمين.

كان الوداع في مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول، عندما نسي الأب باولو الطقس الروحي الذي يتبعه كلما سافر وهو: الدعاء، فقد كان من عادة الأب باولو أن يضع الصليب على رأس هند وذقنها وبعد ذلك يطلب من الرب إرشادهم في نضالاتهم اليومية ، لكن ربما كان على عجلة لكي تستطيع هند اللحاق برحلتها المتجهة  إلى مسقط رأسها في تورونتو، ولكن طقوس الصلاة  لم يتذكرها هذه المرة.

هند، وهي مسيحية أرثوذكسية، ذكرت البطل الرمادي ذو اللحية اليسوعية الذي دافع عن الشعب السوري بدعاء الوداع، والتزم الأب باولو بكل بمحبة_ وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، فلم يمض وقت طويل حتى تم اختطاف الأب باولو من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، بينما كان يسير في شوارع عاصمة الخلافة في الرقة، ووفقاً لهند، كان قد دخل إلى سورية بطريقة غير شرعية بعد أن طرد من قبل بشار الأسد، في محاولة للتفاوض على إطلاق سراح الصحفيين الأسرى، وكان مقتنعا أنه يمكنه إقناع الجهاديين بذلك.

تقول هند "كان هذا في عام 2013، لم نكن نعرف من هم ، ولكن قلت للأب باولو: "لا تفعل ذلك وجهاً لوجه"، وقال: "لا، لا، إذا لم أعد بعد ثلاثة أيام، ولم تسمعي مني، سيكون قد حدث لي شيء سيء".

وأضافت هند: "كان يقول لي دائماً: هند لا يمكننا الاكتفاء بالجلوس وإعطاء المحاضرات، يجب أن نتحدث للشعب، هذا بالضبط ما يريده وما فعله النبي عيسى، فهو لم يجلس في منزله"، وهذا فعلاً ما فعله، فقد قضى الجزء الأكبر من حياته (30) عاماً يعمل على ذك، فقام بمفرده بتحويل دير "مار موسى الحبشي"، ويعني اسمه "القديس موسى الحبشي" في النبك، وهي بلدة تبعد 50 ميلاً إلى الشمال من دمشق، من موقع قفر للسريان الكاثوليك إلى مركز ثقافي بين الأديان مشهور دولياً، وقد اجتاز رواق هذا الدير الكثير من الناس من كل الطوائف، والأديان ومن جميع الجنسيات.

وخلال شهر رمضان 2011، سافرت هند لدير مار موسى، وشهدت شخصياً وجود الإسماعيليين، وهم فرع من الإسلام الشيعي، والذين كانوا قد وقفوا مع حركة الاحتجاج المناهضة للأسد، وكذلك المسيحيون ، مختبئين من المخابرات السورية أو الشرطة السرية، وهم أسوأ الجناة وحشيةً في الحكومة السورية.

وكانت الثورة السورية لا تزال في مراحلها الأولى، وتكونت من المتظاهرين ضد الأسد والمنشقين عن جيشه، وحين بدأ المعارضون بالرد على قمع الأسد ووحشيته، خشي الأب باولو من تطرف الثورة في نهاية المطاف وتهديد هدفها ومشروعها النبيل الذي اندلعت لأجله وهو "الكفاح من أجل الحرية"، على حد تعبيره في وقت لاحق، حيث قال أنها بذلك ستتحول إلى حرب أهلية، وهذا من شأنه خلق مساحة لجميع أنواع التطرف والجرائم ضد الإنسانية والكوارث، لذلك كان يحث دائماً على وضع حد للعنف.

وتقول هند: "أتذكر أننا تحدثنا عن الهدنة"، وذلك باستخدام الكلمة العربية لـ "الهدوء"، والتي تعني وقف الأعمال العدائية، كان ذلك ليلة الأحد، في اليوم الثاني من اختراق هدنة كان من المفترض أن تستمر لأسبوعين، ودبرت من قبل الولايات المتحدة وروسيا، والتي لا يتوقع أحد أن تنجح في إيقاف سفك الدماء المستمر في سورية،  "ثم صلينا، كل واحد منا صلى لشيء مختلف، صليت لوقف العنف والقتل"، وقال الأب باولو: "سأصلي لأبنائنا وبناتنا الذين هم في السجون"، وكان يقصد معتقلات النظام.

وليس هناك الكثير من الأساقفة المسيحيين ممن وقفوا علناً مع ضحايا الأسد ومع الثورة، ولكن الأب باولو فعل ذلك، وسبب ذلك الحرج للكثير من المؤسسات الدينية الأخرى، والتي في أحسن الأحوال، كانت تبتهل لاستعادة "السلام" في حين لم تضع أي لوم على صانع الحرب الأصلي وهو الأسد.

وعندما قتل المخرج باسل شحادة في حمص عام 2012، ألقي القبض على المشيعين له في كنيسة القديس "كيرلس" في دمشق، من قبل عناصر المخابرات المنتشرة في كل مكان، ورفضت قيادة  كنيسة الروم الكاثوليك الاحتجاج على الاعتداء على الأرض المقدسة الخاصة بها.

لذلك دعا الأب باولو إلى أن ينطلق تأبين شحادة من دير مار موسى، ولهذه الجريمة، أصدرت حكومة دمشق بحقه طرداً من البلاد، بتذكرة خروج دون عودة، وقد شفع له أنه لم يكن سوري المولد بل إيطالي ، وإلا لكان قتل مثل الكثير من السوريين بتهمة الهرطقة ضد التواطئ الراسخ بين الأوامر المقدسة للكنيسة ومخابرات النظام.

وأدرك الأب باولو منذ وقت مبكر على عكس معظم الصحفيين وصناع السياسة الغربيين، أن الأسد لم يكن خصم الجهاديين بل المؤمن الرئيسي لنشاطاتهم، وهو موضوع تناوله بشكل حاد من منفاه، حيث كان النظام قد خلق أسطورة بأن أي منافس لحكمه الشمولي هو حتماً إرهابي من تنظيم القاعدة، حتى لو كانوا مجرد أطفال وتلاميذ مدرسة طلوا الجدران بشعارات ضده، أو فتيان بعمر 13 عاماً يجلبون الماء للمتظاهرين في درعا.

وعزز الأسد هذه الأسطورة عن طريق إطلاق سراح الإرهابيين والمتطرفين في سجونه (ولكن ليس السجناء السياسيين الذين كان الأب باولو يسعى لتحريرهم) وشن النظام السوري مذابح طائفية بشكل صريح ضد السنة في سورية.

كما لم ينخدع الأب باولو بادعاءات الأسد، بأنه حامي الأقليات، حيث أشار إلى تدمير الجيش السوري بالهاون للكنائس القديمة في حمص والتهجير القسري لـ 150.000 ألف مسيحي من المدينة، وتساءل في صحيفة النيويورك تايمز بعد طرده من سورية "كيف يمكننا البقاء صامتين؟".

وأضاف: "نحن نتضامن مع القمع، ليس فقط لأننا لا نشجبه، بل لأننا ننفي وجوده من الأصل في سورية!".

كما عرف عنه انتقاده للراهبة الشريرة "أغنيس مريم"، والتي قامت من دير"قارة" بمهاجمة المعارضة بصفتها كعميلة للمخابرات السورية، وقد قال الأب باولوا للموقع الألماني"قنطرة": "إن الأخت أغنيس دقيقة جداً في كلامها، وهنا أود ان أكرر وأؤكد بأن هذا ليس إلا مثال ذكي عن الكذب والتلاعب والذي هو عمل النظام السوري"، وأضاف: "لقد ذكرت أنها رئيسة حركة غير موجودة بالبلاد وتدعى "Musalaha أو "المصالحة"، وهذه مشكلة خطيرة لأنها تفسر الأحداث بكل انتقائي وتعتقد أن الثورة هي إرهاب".

وكان هذا قبل خمسة أشهر من اكتساب هذه الراهبة سمعة عالمية سيئة لدورها في تشجيع نظريات المؤامرة المتناقضة حول دور الثوار في الهجمات الكيمائية على الغوطة الشرقية، وحين ادعت أنها تريد مساعدة المحاصرين في "معضمية الشام"، فيما كانت المساعدات تصادر من قبل قوات الأمن السورية، وقبل كل هذا كانت الراهبة متورطة أيضاً بقتل الصحفي الفرنسي "جيل جاكيه".

وأضافت هند "لقد كان الكهنة الآخرون يشعرون بالغيرة من الأب باولو، بسبب شعبيته مع الفقراء، ولأن الكثير منهم متورط بالفساد والتورط مع المخابرات السورية، ولذلك أرادت الأسقفية حماية نفسها".

اليوم لا يزال مصير الكاهن موضوع شائعات دورية وادعاءات لا أساس لها، ففي بعض الأحيان يذكر أنه على قيد الحياة وبصحة جيدة، وتحتفظ به منظمة جهادية في العالم في واحدة من سجونها، لأنه حتى أبو بكر البغدادي يخشى من قتل مسيحي محبوب من قبل معظم السوريين.

 وأحياناً يقال أن الأب باولو في عداد الأموات، وجسده محفوظ ضمن مستودع لحفظ الموتى لعناصر النظام وجنوده القتلى، ولكن الأمل أنه ما زال على قيد الحياة، يتنفس في مكان ما، الأمر الذي كان يكفي لإقناع البابا فرانسيس للمطالبة بإطلاق سراحه في خطبة الفاتيكان في تموز الماضي.

وأردفت هند: "إن كان ميتاً فهو ميت، وإن كان حياً فسوف يعود، ولكن علينا أن نتبع مبادئه ونحب الآخرين وأن نبني الجسور معهم ونصنع السلام والمصالحة، فهذه كانت كلمته المفضلة".

إن نظام الأسد يريد منا أن نكره الشعب المسلم، ويريدون للمسلمين أن يكرهوننا، ولكن الأب باولو علمنا أننا يجب أن نفعل كل شيء للحفاظ على الوطن معاً".

مقالات ذات صلة

شركة“روساتوم آر دي إس” (Rusatom RDS) الروسية ستبدأ توريد معدات غسيل الكلى إلى سوريا

"التحقيق الدولية": سوريا مسرح لحروب متداخلة بالوكالة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

ما الأسباب.. شركات دولية ترفض التعامل مع معامل الأدوية السورية

الشرق الأوسط: إعادة اللاجئين السوريين يجمع ما فرقته السياسة في لبنان

رأس النظام يتسلّم دعوة للمشاركة بالقمة العربية في البحرين