بلدي نيوز - (حذيفة حلاوة)
يعود ملف الجنوب السوري إلى الهدوء مجدداً بعد تمكن قوات النظام وإيران وروسيا من السيطرة بشكل شبه كامل على مناطق جنوب سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة، بعد أقل من شهر ونصف من المعارك المشتعلة.
وخضع الوضع العسكري في الجنوب السوري لعدة حسابات دولية وداخلية كان أبرزها التفاهمات بين روسيا ونظام الأسد وإيران من طرف، والولايات المتحدة الأمريكية والأردن و"إسرائيل" من طرف، بهدف ضمان مصالح كل الأطراف، نظرا لتشابك الملف في الجنوب، واختلاط المصالح بين الدول المجاورة، ومن جانب أخر تفرق فصائل المعارضة بشكل كبير، والتي كانت تفتقر لقيادة عسكرية موحدة، بالإضافة لوجود تنظيم داعش.
حيث بدأت قوات النظام في الخامس عشر من شهر حزيران حملة عسكرية تعتبر الأضخم والأوسع والأكثر شراسة منذ بداية الثورة السورية، على مناطق سيطرة المعارضة في ريف درعا من محور ريف درعا الشمالي الشرقي، بدعم جوي من الطيران الروسي، تمكنت بعد 12 يوم من السيطرة على بصر الحرير وبالتالي قطع الاتصال الجغرافي بين ريف درعا الشرقي ومنطقة اللجاة، أسفر عن محاصرة منطقة اللجاة التي وقعت على اتفاقيات مصالحات وتسوية فيما بعد.
ومع سقوط بلدة بصر الحرير ومنطقة اللجاه بالكامل، بدأت قوات النظام والميليشيات المساندة له بتوجيه دفة المعارك باتجاه العمق الآمن لمناطق ريف درعا الشرقي، في مدن الحراك والمسيفرة وصولا لصيدا، وامتداد القصف الجوي ليشمل مدينتي داعل ونوى بريف درعا الغربي بعد عشرين يوم من بدء العمليات العسكرية، مما تسبب بموجات نزوح غير مسبوقة خلال أيام لم تشهدها المحافظة من قبل.
ووفق مصادر؛ فتم توثيق نزوح 300 ألف مدني خلال أقل من عشرة أيام، مما شكل ضغطا كبيرا على الفصائل العسكرية والتي بدأ وجودها بالتراجع مع تقدم قوات النظام في الريف الشرقي، وعزوف العديد من العناصر عن القتال.
وبعد سقوط بصر الحرير بيومين، تمكنت قوات النظام من الوصول إلى أطراف مدينة الحراك بعد السيطرة على بلدة مليحة العطش وناحية، حيث بدأت الأحداث تنحو باتجاهات جديدة مع محاولة روسيا الضغط على الحاضنة الشعبية للتوقيع على المصالحات من جهة، والعمل على الترويج للمفاوضات بين روسيا والفصائل، كانت في مجملها عملية استسلام للفصائل وخروج الغير راغبين بالتسوية إلى إدلب.
حاولت روسيا الحصول على المنطقة بالمصالحات فاتحة الباب أمام طائراتها الحربية لتدمير كل مدينة ترفض شروطها خلال المفاوضات، مما تسبب بانقسامات حادة داخل وفد المفاوضات التابع للمعارضة، أسفر عن استسلام بعض المناطق فيما كانت لا تزال أخرى تقاوم، مما تتسبب بمحاصرة بعضها وتحولها إلى لقمة سائغة أمام النظام وروسيا وإجبارها على التوقيع على اتفاقيات التسوية.
في وقت لاحق، تمكنت قوات النظام وروسيا من إحكام سيطرتها على ريف درعا الشرقي بالكامل، والوصول لمعبر نصيب بعد أقل من 20 يوماً على بدء الحملة العسكرية في السابع من الشهر الحالي، تبعها بعدة أيام خروج أولى قوافل التهجير إلى إدلب. وانتهاء ملف معبر نصيب ومدينة درعا بشكل كامل، والتحول نحو الريف الغربي
وبعد انتهاء ملف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في الجنوب السوري تحولت روسيا ونظام الأسد إلى مواجهة مباشرة مع تنظيم داعش في الريف الغربي، والذي تمكن من تكبيد قوات النظام والميليشيات المساندة له أكثر من 200 قتيل خلال يومين، بينهم قياديون في ميليشيات النمر، حيث لم يستمر صموده طويلا مع انهيار قواته، وتراجعها إلى مناطق سيطرتها ما قبل شهر شباط عام 2017، في ظل استمرار القصف الجوي والصاروخي على المنطقة.
واللافت للانتباه تحول أعداد كبيرة من مقاتلي الفصائل التي كانت في صفوف المعارضة إلى القتال في صفوف جيش النظام ضد تنظيم داعش، ليصبحوا قوات رديفة بعد أيام فقط من توقف الحملة العسكرية على مدنهم وبلداتهم، والتي خلفت أكثر من 300 شهيداً من قبل روسيا والأسد.
مع انتهاء ملف الجنوب، يمكن التنويه إلى نواحي أهمها التأكيد على مشاركة الميليشيات الموالية لإيران في معارك الجنوب كرأس حربة بالرغم من عشرات التحذيرات من قبل الولايات المتحدة و"إسرائيل" والأردن بعدم اقتراب تلك الميليشيات من حدودها، مما يؤكد وجود اتفاق دولي بإنهاء ملف المعارضة جنوب سوريا، ووجود اتفاقيات وعلم مسبق بين بعض فصائل المعارضة والأردن على عدم اتخاذ خيار المواجهة، والعمل على الحل عبر المفاوضات التي لم تتمكن فصائل المعارضة خلالها من تحقيق أي هدف لهم، خاصة مع تأمين خروج عدد منهم برفقة عائلاتهم إلى الأردن، في الوقت الذي لم يسمح فيه بمرور لاجئ واحد ممن هربوا من قصف قوات النظام.
كما تؤكد الوقائع عدم إمكانية فصائل الجنوب لمواجهة الحملة العسكرية لقوات النظام وروسيا، أمام القصف الغير مسبوق، واعتماد الفصائل على ضمانات الولايات المتحدة والأردن بخصوص اتفاق خفض التصعيد، حيث لم تتحرك الولايات المتحدة لتنفيذ التزاماتها بحماية الاتفاق.
إبلاغ الفصائل باتخاذ التدابير المناسبة أمام الحملة منفردة، حيث منعت الولايات المتحدة الفصائل من شن عملية عسكرية في درعا نصرة للغوطة الشرقية، والتي كانت الفرصة الأنسب لحماية المنطقة مما تعرضت له.
وأما النتيجة الأهم ما كانت تعمل عليه "غرفة الموك" لسنوات في حلحلة فصائل الجنوب السوري، وجعلها أعداد وهمية، على رأسها قيادات ذات تبعية عمياء كانت على استعداد تام لتسليم ما كلف حوران الآلاف من الشهداء لتحريرها من حكم الأسد، ومستعدة لنسيان حق المعتقلين دون أي مقاومة، راحلة إلى داخل الأراضي الأردنية هي وعائلاتها تاركة ورائها مئات الآلاف أمام آلة الأسد وميليشيات إيران العسكرية.