المفاعيل السياسية للضربة الثلاثية.. ونهاية التفرد الروسي بسوريا - It's Over 9000!

المفاعيل السياسية للضربة الثلاثية.. ونهاية التفرد الروسي بسوريا

بلدي نيوز – (تركي مصطفى)

تصاعد الحديث في أعقاب الضربة التي استهدفت نظام الأسد والتي قام بها التحالف الغربي العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة، عن اعتزام ذلك التحالف اللجوء إلى خيار الحسم العسكري، أمام تعثّر مساعي التسوية السياسية في سورية, والتي لم تتح سوى مزيد من الوقت لنظام الأسد، لارتكاب العديد من المجازر بالغازات السامة المحرمة دوليا تارة, وبالأسلحة التقليدية التي لا تقل فداحة في التدمير والقتل تارة أخرى, كما يتيح الواقع الجاري تعزيز إيران لنفوذ ميليشياتها في غالبية المناطق السورية، فيما يواصل الروس التوسع في مناطق لم تكن خاضعة لهم, مع إصرارهم على فرض واقع معين في سورية يجعلها ورقة ضغط للمساومة على قضايا عالقة بين موسكو وعواصم الغرب. وبما أن الضربات العسكرية الأخيرة ضد عميلها الأسد، لا تستهدف إسقاط نظام حكمه، فلن تعيقها من متابعة نهجها في قتل وتدمير ما تبقى من مناطق خارجة عن سلطة الأسد, الذي بدوره ينظر بعين الاطمئنان إلى تعاظم النزاع الدولي بين موسكو وعواصم الغرب مما يتيح له هو الآخر فرصة استغلال الغرق الدولي في الخلافات العميقة التي يجسدها فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية غربية ضد موسكو، لإطالة عمره بالتمسك بالسلطة, وهو ما يفسر استهدافه بالكيماوي مدينة "دوما" استثمارا لتلك الخلافات, وما لم يضعه في اعتباره أن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط تتمثل في تحجيم موسكو, وإيقاف التمدّد الإيراني في المنطقة, عبرت عنه تلك الرسائل العاجلة بواسطة الصواريخ المجنحة والطائرات العملاقة التي تفيد أن يد الولايات المتحدة فوق أيدي الجميع. لذلك لابد من سوق الأسد إلى الأمم المتحدة الذي ماطل مع حليفيه الروسي والإيراني على مدى سني الثورة في الامتثال للحل السياسي عبر بيان جنيف1، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصراع السوري، ومنها 2118، 2254، وما تلا ذلك من استهتار نظام الأسد بدعم من حليفيه الروسي والإيراني لتصورات الحل السياسي في سورية الذي قدمته مجموعة باريس في أواخر كانون الثاني الماضي, والتي ضمت إلى جانب فرنسا, الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والأردن, والتي أصدرت وثيقة سياسية أطلقت عليها "اللاورقة" والتي تؤسس لآلية التفاوض بين نظام الأسد المراوغ وبين المعارضة السورية, والتي سيكون بنتيجتها إسقاطه وبناء دولة رئاسية برلمانية لا مركزية يتساوى فيها جميع السوريين في الحقوق والواجبات بحسب "اللاورقة" التي تعني ردا طبيعيا على العبث الروسي بالملف السوري, والخروج به من أدراج الأمم المتحدة إلى زواريب آستانة وسوتشي.

خيار عسكري لفرض واقع سياسي

انطلاقا من هذه الخلفية أعلاه تعاملت الدول الغربية بحزم حيال لجوء الأسد للهجوم الكيماوي في دوما, الذي تحاول روسيا طمس معالمه, في محاولة منها ترحيل الاصطدام الكبير بين حلفها وبين التحالف الأميركي الذي يقترب من حافة الهاوية ويؤججه عدة عوامل يأتي في مقدمتها:

أولا: استفراد روسيا بالملف السوري, وتقاسم مناطق النفوذ علنا مع حليفيها التركي والإيراني مع الاحتفاظ بنظام الأسد على رأس السلطة لشرعنة الاحتلال.

ثانيا: تجاهل المصالح الأميركية والغربية في شرق سورية من خلال التراشق الإعلامي والتحرش العسكري بين آونة وأخرى.

ثالثا: عدم تلبية الرغبة الإسرائيلية في إبعاد إيران عن الحدود مع فلسطين المحتلة، وفق اتفاق الجنوب مما سيحول المنطقة إلى ساحة صراع إيراني- إسرائيلي للتنافس على سورية.

هنا، يمكن اعتبار الضربة العسكرية ضد مواقع إنتاج وتخزين الأسلحة الكيماوية التابعة لنظام الأسد في 14/نيسان أبريل الجاري، مؤشّراً واضحاً على وضع الغرب خيار الحسم العسكري موضع التنفيذ، بسبب استمرار نظام الأسد بمساندة من الروس والإيرانيين استخدام الأسلحة الكيماوية, لذلك اعتبر الرئيس ترامب أن هذه الضربة إثبات لفشل موسكو في الوفاء بوعدها لمنع "حيوانها" من استخدام الكيماوي. وقد عبرت بريطانيا عن تصميمها على رد فعل دولي على نظام الأسد لمنعه من استخدام السلاح الكيماوي مستقبلاً, ودخلت تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية المواجهة ضد موسكو على خلفية "معركة كيماوية" استهدفت بها موسكو الجاسوس الروسي "سكريبال" في أراضيها, ونقلت هذا الملف إلى مجلس الأمن. وعلى ذات المنوال أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الرد على دمشق "سيكون في الوقت الذي نختاره". وحتى أردوغان حليف الضرورة مع موسكو طالب بوجوب إبعاد الأسد عن السلطة والانتقال إلى مرحلة الحل السياسي.

وكان الجنرال ماتيس هو الأكثر وضوحا في اتهام موسكو بالتواطؤ مع نظام الأسد، ولم يتأخر رئيسه ترمب في توجيه ذات التهمة لبوتين الذي اعتبر ممثله في نيويورك أن هذا يشكل إهانة لبوتين, مما شكل إجماعا غربيا على تحمل موسكو كل الجرائم المرتكبة في سوريا لتعطيلها مجلس الأمن, وهو ما دفع التحالف الثلاثي إلى العمل خارج إطار المنظومة الدولية, وشدد على التزامه إنهاء الحرب في سوريا على أساس جنيف والقرارات الدولية, وأعلن أن هذه الضربة تأتي وفق معادلة تغيير موازين القوى ونزع مخالب بوتين الذي انتهج مع محاليفه استراتيجية القوة لفرض واقع دولي جديد. ولكن صقور الإدارة الأميركية تنبهوا لمخاطر إرث أوباما الذي وضع أقوى دولة عالمية في خانة الانكفاء على الذات والانسحاب التدريجي من القضايا العالمية, وباتت ملامح العودة الأميركية من خلال استخدام القوة المفرطة ضد تحرشات روسية وإيران في شرق الفرات في شباط الماضي, وتكثيف إيران استهدافها للمواقع العسكرية الإيرانية كان آخرها الضربة التي استهدفت مركز قيادة الطائرات المسيرة في مطار التيفور وأدت إلى مقتل عناصر من "الحرس الثوري" الإيراني بينهم ضباط, علاوة على التشدق الروسي وإصراره على التفرد بالتسوية السياسية السورية وتوزيع الغنائم على حلفائه من خلال آستانة وسوتشي. وفي هذا السياق جاءت الضربة الغربية لإيقاف الاستراتيجية الروسية بشقيها العسكري والسياسي في ظل اقتصادها المترهل الذي لا يحتمل المزيد من العقوبات الغربية, كما تشي التعزيزات العسكرية التي تصل تباعاً إلى مياه البحر المتوسط بأن عملية عسكرية كبيرة يجري التحضير لها, وأن الضربة الغربية التي استهدفت مراكز الأسد الكيماوية, تأتي في إطار التحضير التدريجي للضربة الكبرى باستهداف نقاط الارتكاز التي بنى عليها الأسد خطة الهجوم ضد المناطق المحررة, وتفكيك القدرة العسكرية لقوى نظام الأسد باستهداف المطارات وقواعد الدفاع الجوي الذي يشكل تدميرها مدخلا لسوق نظام الأسد إلى جنيف لاستكمال المفاوضات وفرض التسوية السياسية, وقبل كل شيء فإن  هذه القوة موجهة لتحجيم الاستراتيجية الروسية وتقزيم بوتين المغرور.

المألوف في نهج الأسد القاتل

تؤكّد شواهد التاريخ السياسي العسكري في حقبة الأسد الابن، قبل أكثر من عقد من عمر الثورة السورية، وأربعة عقود قبلها في ظل حكم الأسد الأب، أنّ خيار الحسم العسكري كان الفيصل لتعزيز قبضة آل الأسد على السلطة في سورية، أو تواطئهم مع قوى إقليمية أو دولية لتمكينهم من استردادها, ودائما يعمدون إلى هذا الخيار بواسطة القمع المفرط ضد أي معارضة لسلطتهم, وإن تطلب الأمر خوضهم حروبا عنيفة خاطفة، كما فعل الأسد الأب في أحداث الثمانينات، أو طويلة أكثر عنفا كما يفعل الأسد الابن, وفي كلا الحالتين يترافق ذلك مع حالات نهبٍ ومصادرة للحقوق بالقوة الغاشمة، سواء كان منافسهم على السلطة من طائفتهم "العلوية" كما فعلوا باللواء محمد عمران, ومن قبله صلاح جديد من ذات الطائفة, أو من خارجها (باقي الشعب السوري), وذلك ما تعيش سورية تفاصيل أحداثه في الوقت الراهن. ومن أبرز الوقائع المؤكدة على هذا المنهج، الثورات الشعبية أو محاولات الانقلابات العسكرية كما في انتفاضة الثمانينات, وما سبقها وتلاها من ثورة شعبية في العام 2011 التي كادت أن تطيح بنظام الأسد القائم لولا التدخلات الخارجية ومساندة غالبية عواصم القرار العالمي له، وهنا أدرك الأسد أن الظفر بالسلطة هو حليف من يقدم خيار القوة على خيار السلام. 

والمتتبع لما قام به نظام الأسد على مدار سني الثورة، يدرك بأن المناطق السورية التي أعلنت ثورتها ضده استباحت فيها ميليشيات الشبيحة وتلك التابعة لإيران كلّ محرم, من مالٍ، وعرض، ودم،  بأوامر من رأس النظام مكافأة لهم، واعتماد هذا الأسلوب لتمكين سلطة المتغلب ووأد الثورة في مهدها، ولجأ الأسد إلى استخدام أسلحته الكيماوية بشكل واسع شمل معظم المناطق الثائرة, وبشكل مركز استهدف بغاز السارين غوطة دمشق في العام 2013م, وكرر ذلك في خان شيخون في العام 2017م , وأخيرا في دوما هذا العام، ورغم كل هذه الفظائع لم ينجح الأسد في سحق الثورة السورية، فكان مسعى السلام الذي رعته الأمم المتحدة منذ العام 2012م، ليس سوى إقرار بسلطة الأسد المتمسك بالسلطة بالقوة العسكرية تؤازره روسيا الساعية بشكل مستمر لاسترداد سلطته, ونسف أي مسعى سياسي قدمته الأطراف الإقليمية أو الدولية, واعتبرت ما يجري في سورية من أحداث شأناً داخلياً، كون الشعب الثائر وكل فصائل المعارضة المسلحة "قوى إرهابية" يجب التخلص منها بإقصائها من المشهد، وفرض السيطرة عليها بالقوة المسلحة, لذلك ضربت كل مبادرات السلام في جنيف, وحتى المبادرات التي رعتها سواء في آستانة أو سوتشي، بعد الالتفاف عليها طويلاً. وكان التقدم العسكري حليف الروس ونظام الأسد والإيرانيين الذين أحسنوا تقدير الموقف من الحسم تقديراً دقيقاً، وأوصدت الأبواب أمام أيّ مسعىً للسلام، ونسفت ما سمي "وثائق جنيف" التي أقرها مجلس الأمن الدولي لتسجل الحرب السورية شهادةً دامغة على أنّ تجربة الحسم العسكري في تثبيت السلطة المستولى عليها، هي العرف والقانون في نهج الحلف الثلاثي الروسي والإيراني ونظام الأسد، وهذا ما جعل الثنائي القاتل في موسكو وطهران يدفعان نظام الأسد لاستخدام غاز السارين في دوما,  إيمانا منهما في أن من  يفوز بالسلطة هو من يملك القوة، ويديرها بكافة الوسائل التي تمكنه من طي أقوى الوثائق السياسية الداعية إلى تسوية سلمية لإنهاء الصراع المسلح.

التوجه الدولي الجديد.. سورية بلا "الأسد"

حتى الآن، ما يزال كلا الطرفين، التحالف الغربي الصلب (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا)، والحلف الروسي الهش (روسيا وإيران وتركيا) يستمسكان بخيار القوة، لكن مؤشرات الحسم الاستراتيجي تتجمّع بيد دول التحالف الغربي، وهذا ما يشير إلى جدية توجه الغرب لإحياء مسار جنيف وتطبيق ما جاء في "وثيقة اللاورقة" المتفق عليها في فرنسا في كانون الثاني/ يناير الماضي, ولكن هذا التوجه مرهون بظروف التحالف الغربي على مستوى إنتاج إدارة ذكية لاستراتيجية معلنة تهدف إلى إبعاد إيران وميليشياتها من المشهد السوري, ودعوة نظام الأسد قسرا إلى البدء بمحادثات جنيف, وتفكيك التحالف الظرفي الروسي- التركي, الذي ظهر في الآونة الأخيرة أقرب بمصالحه للتحالف الغربي من تماهيه مع موسكو, وهذا ما عبر عنه الرئيس الفرنسي ماكرون في قوله: "إن الضربة أدت إلى إبعاد تركيا عن روسيا"، وفعلا أعلنت تركيا بكل صراحة, تأييدها الضربة العسكرية الثلاثية، الأمر الذي أثار استياء موسكو وطهران، وأوحى بهشاشة التفاهمات بين شركاء أستانة، وقد تصاعدت نتائج الضربة الغربية أكثر بعد أن أعطت انطباعا بفشل ثلاثي أستانة في تجاوز دول التحالف الغربي في القضية السورية، التي تصر على إحياء المسار السياسي بالتركيز على أن لا دور للأسد في مستقبل سورية, الأمر الذي كان له وقع الزلزال على الكرملين الذي كان يأمل تبدل السياسة الدولية لمصلحته من خلال المراوغة والتخاتل السياسي لإطالة أمد الحرب مع سعيه إلى وضع المنطقة في أفق جديد يكون فيه حلفه مع الإيرانيين والأتراك في أحسن حال, غير أن التحولات السياسية تنذر بانهيار الحلف الروسي بعد الإصرار الإسرائيلي على إبعاد إيران من سورية, والحديث عن دعوة قوات عربية إلى المنطقة الشرقية, ومحاولة تفكيك الحلف الروسي بالتركيز على تركيا مما يسهل عملية الانقضاض الغربي على الأسد بالقوة العسكرية أو رضوخ روسيا لإبعاده عن السلطة بأي شكل من الأشكال، وبالتالي تبدو جميع الأوراق تتجمع بيد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة التي تعمل على إيقاف كل مسارات الاستراتيجية الروسية القائمة أساسا على قوة صنعتها من جماجم الأطفال السوريين، لتظهر أمام العالم بسلوك لا أخلاقي يستثمره التحالف الغربي لبتر سيقانها الهشة وعلى رأسها نظام الأسد المتهالك.

مقالات ذات صلة

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

من عائلة واحدة.. وفاة طفل وإصابة ستة آخرين بانفجار مخلفات الحرب في درعا

تعيين مرهف أبو قصرة وزيرا للدفاع في الحكومة السورية الجديدة

//