بلدي نيوز - (ميرفت محمد)
باءت اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات السورية مع منصتي موسكو والقاهرة بالفشل، إذ لم يتمكن المجتمعون في الرياض الاثنين الماضي، من اتخاذ قرار بتشكيل وفد موحّد من فصائل المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف المُقررة في تشرين الأول المقبل.
فالاتفاق على برنامج سياسي مشترك، يشير إلى مطلب الشعب السوري بأن لا يكون لبشار الأسد أي دور في السلطة الانتقالية، قوبل بالرفض من قبل ممثلي "منصة موسكو"، التي لم تقبل أي حديث يتعلق بمصير رحيل الأسد، في المحصلة يكشف هذا الاجتماع مدى حرص الكثير من الأطراف الدولية والإقليمية على توحيد المعارضة السورية في كيان واحد، وذلك لتحقيق أهداف عدة يكشفها حديث (بلدي نيوز) مع اثنين من الباحثين في السطور التالية:
(توحيد المعارضة) لتبرير تعطيل حل مسارات الأزمة السياسة
يمكنا في البداية أن نثبت أن مجموعة معطيات اعترت حركية التعاطي الدولي مع المعارضة، فمنذ اللحظات الأولى وهناك دعوات لتوحيد المعارضة في وفد واحد في محاولة من المجتمع الدولي -غير المتحمس- لتغيير معادلة التفاعل السياسي في المنطقة، ورغبة منه لإعادة تعريف الحدث السوري واعتباره نزاعاً سياسياً بين موالاة ومعارضة، عوضاً عن ثورة مجتمع ضد سلطة مستبدة.
ثم انخفض رتم هذا المطلب بعد استعصاء العملية السياسية التي كانت أحد نتائج مباحثات (جنيف 2) لصالح الميدان العسكري، الذي بات يخضع للشرط العسكري بالدرجة الأول، على حساب الفاعلية السياسية، إلى أن حدث الفارق بالتدخل الروسي في سوريا الذي بات يعمل بالتزامن على ثلاثة أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية، يقول الباحث في مركز عمران للدراسات السياسية والاستراتيجية (معن طلّاع) أنه بات مطلب توحد المعارضة بعد التدخل الروسي، والذي أعاد ترتيب المشهد العسكري لصالح النظام وحلفائه مطلباً، لتبرير تعطيل حل مسارات الأزمة السياسة، ورمي للكرة في ملعب المعارضة بشكل عام، ولتهيئة الظروف السياسية لولوج فواعل جديدة ضمن بنية المعارضة، مضيفًا : "الزخم العسكري الذي رافق التدخل الروسي والذي أفرز عن خسارة حلب الشرقية، جعل الروس يستعجلوا الاستثمار السياسي عبر اجتماع فينا، الذي كرس كلاً من الولايات المتحدة والروس كفاعلين رئيسيين في الملف السوري، وقام بتوزيع بعض الأدوار السياسية والأمنية لدول الإقليم، سواء عبر "تكليف" الأردن في العمل على انجاز لوائح وقوائم جديدة للحركات الإرهابية (كنقطة ضغط على فصائل المعارضة)، أو عبر توكيل الرياض لمهمة تشكيل وفد واحد للمعارضة يتسع لكل أطيافها، بمعني تجميع المعارضة في إطار عابر للائتلاف الوطني لقوى المعارضة.
ويوضح (طلّاع) لبلدي نيوز : "رافق ذلك استصدار قرار(254) الذي حدد بشكل أوضح ضرورة لحظ جميع المعارضات، وهنا استغلت موسكو الفرصة، محاولة أن تثمر مجهوداتها السياسية السابقة بخلق منصات جديدة للمعارضة المغرقة بالنعومة، والتي تؤمن بتغيير سياسي وفق مستويات محددة فقط وهو ما عرف باسم منتدى موسكو 1 و2 أو حتى منصة القاهرة".
ويشدد (طلّاع) لبلدي نيوز على أن مطلب توحيد المعارضة بصيغه الحالية لا يتفق وظيفيًا مع العملية السياسية بقدر ما هو متفق وظيفيًا مع تبرير السياسات الدولية ودفع العملية السياسة تجاه انجاز حل، أي كان هذا الحل عبر تمييع المعارضة السورية والتشكيك في مواقفها، وإظهار قراراتها متناقضة غير قادرة على الفعل، وبالتالي فإن الهدف العام هو تشكيل صوري ومعتل بنيوياً بغية تسهيل "العملية السياسية" وتطبيق أجندة تنسف كل المرجعيات القانونية وتعبث بأولوياتها لصالح شروط تسكين الأزمة، وإنجاز توسعة سياسية بدلاً من انتقال سياسي، ويتابع : "إضافة لما سبق فإن الشكل المحتمل لوفد المعارضة المفاوض الذي هو بالأساس ذو بنية سائلة غير متفقة، فيها من اليمن واليسارـ من المعارضة الصلبة والمعارضة الناعمة، فإنه سينتج حالة من السيولة الزائدة لدرجة عدم ضبط اتجاهاتها وحركيتها العشوائية".
شرعنة "المجرم ديمقراطي"
يعتبر رئيس هيئة الإنقاذ السورية (أسامة الملوحي) أن فشل اجتماع الرياض هو مؤشر ربما يكون ايجابي في حالة الاستعصاء المستمر والذي سببه أن المفاوضين في جنيف المنبثقين عن هيئة التفاوض لا يستطيعون أن يقبلون ببشار الأسد لان محورهم الوحيد هو مغادرته للسلطة.
ويوضح لبلدي نيوز الوضع بقوله: "المسألة ببساطة أن هناك هيئة عليا للمفاوضات انبثقت عن مؤتمر الرياض لسنة 2015 وبعد ذلك المنظومة المعادية للثورة أرادت أن تلغي منصة الرياض الأولى التي تشكلت حول أمر واحد ورئيس هو مغادرة بشار الأسد للسلطة في بداية أي مرحلة انتقالية قادمة".
يقول (الملوحي) أنه كان لابد من تطعيم الهيئة العليا للمفاوضات بمنصات أخرى مصطنعة تمامًا هما منصة القاهرة وموسكو، فمنصة موسكو ترفض بشدة مغادرة الأسد وتريد بقاء نظامه ومنصة القاهرة أقل قليلًا ولكن كلا المنصتين لا تريد مغادرة الأسد للحكم بشكل أو بأخر، ويضيف : "لذلك كان هدف دمج المنصات الثلاث الإبقاء على بشار الأسد من أجل الوصول على فك الاستعصاء الذي حصل في جنيفات السابقة".
ويرجع (الملوحي) الفشل بأن منصة الرياض الأولى (الهيئة العليا للمفاوضات) مازال أعضاءها متمسكين بالمحور الوحيد الذي يعطيهم شرعية والذي جعل الكثير يؤيدون تشكيل وفد جنيف المنبثق من الهيئة العليا للمفاوضات، فتمسك الكثير داخل أروقة الجلسات الذي حصلت في الرياض جعلت المفاوضات تفشل وإذا تكرر منهم ذلك ستفشل مفاوضات أخرى لان المحور وحيد والقضية وحيدة.
ويرجح (الملوحي) فرض تقبل بقاء بشار الأسد على منصة الرياض هو الموافقة على إجراء بانتخابات مبكرة لمجلس الشعب والرئاسة، والقول بأن من يريد منافسة بشار الأسد للرئاسة يترشح أمامه ليثبت بأن ليس هناك شعبية لبشار، الأمر الذي ستجعل الأغلبية من الناس تنتخب بشار الأسد لان أجهزة القمع مازالت قوية وبل هي أقوى من ما كانت عليه قبل الثورة، إضافة إلى أن هناك أيضًا الفزاعة الإيرانية والفتاكة الروسية التي تفتك بشعبنا، ويضيف (الملوحي) : "إذا هذا الخوف والرعب الذي يحل بالناس ستجعلهم ينتخبون بشار الأسد ومن يمثله في مجلس الشعب دون إكراه في عملية الانتخاب، وهذا السيناريو سيطرح من وجهة نظري لان المحاولات ستكون بإقناع الهيئة العليا ومنصة الرياض بإبقاء بشار".
ويوضح (الملوحي) وستضغط أجهزة أخرى من اجل إقناع معظم مفوضي الرياض ببقاء الأسد، معقبًا : "هذا ما سيشتغل عليه في الأسابيع القادمة لإقناعهم بهذا السيناريو الوحيد الذي ممكن أن يخدع بعض الذين تعبوا في هذه الثورة، ويشرعن بقاء بشار الأسد بانتخابات ديمقراطية حتى يصبح هذا المجرم ديمقراطي".
هل ستنجح محاولات توحيد المعارضة
يؤكد الباحث في مركز عمران للدراسات السياسية والاستراتيجية (معن طلّاع) على أن محاولات توحيد المعارضة لن تنجح لعدم التقاء الأجندة الدولية مع أجندة الجناح الصلب في المعارضة، وعلى رأسها قضايا مهمة مثل مصير رأس النظام وكيفية التعاطي القانوني والدستوري مع مرحلة ما قبل الانتقال أو تعريف العملية السياسية هل هي عملية انتقال سياسي أم توسعة سياسة.
لكن فيما يتعلق بما حدث في اجتماع الرياض، فحسب (طلّاع) لا يمكن الجزم بأن هذه المحاولة التي باءت بالفشل في توحيد المعارضة ستكون حركة نهائية بل وفي المراحل القادمة، يتوقع أن يساهم الضغط والدفع الدولي والإقليمي في مكان في إنتاج صيغة توحد هذه المعارضة، ويضيف (طلّاع) : "لكنه قفز وهروب على بنيتها السائلة وعدم قدرتها على الفاعلية، وسيسهم في مكان ما بتشتيت العملية السياسة وعدم بلورتها، وبالتالي نحن أمام حالة جدًا معقدة لن تفيد العملية السياسة بقدر ما ستميعها وتجرها باتجاه حل سياسي شكلي غير قادر على الصمود".
ويعتقد (طلّاع) أن الروس خاصة بعد الاستثمار البالغ الأهمية الذي حققوه في الملف السوري باتوا يفكرون أكثر "باستراتيجية خروج سياسي" من الملف السوري فعملوا من جهة على انجاز توافقات أمنية مع الدول الفاعلة وتفاهمات سياسية أمنية مع الفواعل المحلية، ويحاولون تثبيت تيارات جديدة في الجسد السياسي للمعارضة، هذه التيارات التي تقف مع الروس والنظام وإيرانيين في بعض القضايا.
وفيما يتعلق بالتوافق السعودي الروسي، يرى (طلّاع) أنه توافق قلق غير مستقر ترتبط درجة رسوخه أو تغيره حسب مدى اهتمام الراعي الأمريكي أو مدى انعزاله عن هذه الملفات.
ويوضح (طلّاع) أن الروس وحتى الدول الإقليمية الفاعلة باتوا يغزلون سياساتهم تجاه الملف السوري وفق قاعدة "مراعاة الشروط الأمنية"، وإن تعارض ذلك وكان على حساب الشروط السياسة وهذا يفهم من هذا جانب مهم في السياسة الخارجية لتلك الدول التي ترى ضرورة إنهاء هذا الملف بأي شكل من الأشكال بحكم تداعياته الأمنية المتدحرجة، ويختم القول : "كل هذه الترتيبات التي تبدو ترتيبات مرحلة ما قبل الاتفاق لا تزال غير مستقرة وقد يساهم ظهور متغير ما ( كعادة الملف السوري) في ارتكاس هذا الترتيب السياسي والأمني وبعثرته والعودة إلى "معادلات ضبط الفوضى".