بلدي نيوز
تشهد المنطقة تطورات متلاحقة تجسدها قفزات فجائية اتجاه القضية السورية العاصفة في الشرق الملتهب منذ تسع سنوات، تجسدها دعوة الرياض لمجموعات من المعارضين السوريين، وما سينتج من تغير قواعد ووسائل المواجهات الناتجة عن تعاظم الانزلاقات الخطيرة في الساحة الإقليمية والدولية، مما يفرض على الجميع إعادة ترتيب المنطقة استعدادا لترجمة واقعية لتوجهات سياسة جديدة ومنها عودة الرياض بقوة إلى الملف السوري بالتعاون مع حليفها التقليدي الولايات المتحدة، معززةً ذلك بالدعوة لاجتماع "الرياض 3".
مقدمة
تستعرض هذه الورقة وصفا موجزا لاجتماع "الرياض 3" الذي انعقد بتاريخ 27/28 كانون الأول/ديسمبر الجاري, والمتعلق ظاهره بإعادة هيكلة شريحة المستقلين بهيئة المفاوضات، نظرا للتحولات السياسية الجديدة وتداعياتها على الثورة السورية, والحرب التي تعصف بالبلاد، والوضع الميداني المتردي كإفراز للقرارات الدولية مع رصد قائمة الحضور, وسياق توقيت عقد الاجتماع محليا وإقليميا، وتتوقف الورقة عند مخرجات اللقاء، وردود الفعل المتباينة، وآفاق أهداف اللقاء قياسا لما يشهده المسرح السوري من تفاعلات، وما يستلزمه من الثورة السورية ترميم تصدعاتها وجسر فجواتها، لا التهافت حول لقاءات تخدم أطراف خارجية مع اقتراب الاستحقاقات الدولية. وفي التفاصيل:
قائمة الحضور والتحولات السياسة
يمكن اتخاذ لقاء "الرياض 3" منطلقا لاستعراض التطورات السياسية في إطار تحولات سياسية تجسدت بانتقاء شخصيات معارضة ذات أبعاد عميقة، وهي: " أحمد شلاش، بديع أبو حلاوة، بسام محمد السلامات، عمر فيصل الجرف، غالية كيالي، فاضل عفا الرفاعي، بشار حاج علي، عبير كمون، بشار سعد الدين، بيان الأطرش، رضوان أبو فخر، تامبي قاسم، تهاني معتوق، ثناء كسر، جمال عسكر، جمعة دبيس، حسام الدين الحزوري، حسام المحمد، حسن جاويش، حسن حج إبراهيم، حسين حمادة، أنور بدر، خلدون الكصيري، خليل إبراهيم فارس، دريد جبور، ديمة قادري، راسم الأتاسي، روعة بشير الحنفي، سليم بشارة، سناء حويجة، صبيحة خليل، طارق الفيحان، عبد الباسط الطويل، عبد الرحيم خليفة، عبد العزيز عجيني، أسامة عاشور، عماد الدين المصبح، أمين أبو حلاوة، عمر بكر الحسيني، مأمون البورسان، محمد أبا زيد، محمد الأحمد، محمد زيدية، محمد فوزي الكراد، محمود عبيد، مزكين يوسف، مصطفى قنطار، أيمن الشيخ، معد محمد مواهب طايع، مفيدة الخطيب، منى أسعد، مهند الكاطع، نبراس الفاضل، ندى الغثيث، هدى أبو حلاوة، عبد الناصر إسماعيل، بسام العيسمي، عبود الأحمد، علاء عمر عريان، هدى المحيثاوي، عند مجلي، أنس حسن عبدو، وفاء علوش، اسماعيل العودة الله، وهاد الحاج يحيى، يسرى الشيخ".
سياق وتوقيت لقاء الرياض3
تحولت سورية إلى ورقة من جملة أوراق الضغط السياسي في إطار الصراع الإقليمي والدولي, ومع التغيرات الاستراتيجية، دعت المملكة العربية السعودية إلى لقاء الرياض ضمن سياقات متعددة، محلية وإقليمية، يمكن إجمالها بالتالي:
ــ على صعيد المسار السوري: "جاء لقاء الرياض 3"ضمن سياقات مترابطة وهي:
* توقف اجتماعات عمل اللجنة الدستورية في جنيف، بسبب مواقف نظام الأسد الرافضة للخوض في الدستور، مقابل موقف المعارضة القاضي بعدم التنازل وعدم الاستسلام، والانفتاح على مناقشة المضامين الدستورية.
* تعزيز السعودية دورها شرق الفرات بالتعاون مع الولايات المتحدة.
* الأحداث الميدانية التي تعيشها إدلب.
* استعصاء الحريري في منصبه، حيث يتوجب عليه وفق النظام الداخلي لهيئة التفاوض، وبموجب ما تم الاتفاق عليه في الرياض، انتهاء مدة عمل هيئة التفاوض، وكان يجب ظهور أسماء جديدة، لكن الحريري رئيس الهيئة، قرر التمديد بشكل غير قانوني لنفسه، بحجج مختلفة، وغير مبررة، وهذا ما منع الدماء الجديدة من الظهور والعمل.
ــ على الصعيد الإقليمي:
* تطورات حرب اليمن وتشابكاتها، وتعثر "عاصفة الحزم" التي استطالت لسنوات.
* خصخصة المملكة العربية السعودية لأكبر شركة نفط في العالم "أرامكو" وطرح أسهمها على الاكتتاب العام لجذب رؤوس الأموال.
* الأزمة الخليجية وتفاعلاتها وانعكاساتها المحلية والإقليمية والدولية.
* الدور التركي المتصاعد في ليبيا خاصة بعد الاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق والتي عززت موقف تركيا في المنطقة ووفرت لها دوراً مباشراً في لعبة الجغرافية السياسية للطاقة.
مخرجات الرياض3 بين مؤيديه ومعارضيه
انتهت أعمال لقاء الرياض يوم 28كانون الأول/ديسمبر، وحضره ست وستون شخصية سورية، اختاروا ثمانية أعضاء نصفهم نساء ليكونوا هيئة تفاوض، وفاز بالانتخاب من النساء: "هند مجلي، منى أسعد، صبيحة خليل، يسرى الشيخ"، وفاز بالانتخاب من الرجال: "بسام العيسمي، مهند الكاطع، العقيد عبد الباسط الطويل، نبراس الفاضل".
ردود الفعل
تضاءل دور القوى الثورية الوطنية السورية نتيجة عوامل داخلية وأخرى خارجية، وبات دور المعارضة السياسية محدداً بما هو مرسوم لها إقليميا ودوليا، وضمت قائمة المدعوين 70 اسمًا، يتوزعون بين القاهرة والأردن والدول الأوروبية ودول الخليج. وفي ضوء لقاء الرياض3 تباينت ردود الأفعال التي يمكن رصدها بالتالي:
العميد فاتح حسون:
قال العميد فاتح حسون، العضو الحالي في "مؤتمر الرياض 2" عن المستقلين: "وفق الآلية والطريقة التي تجري حاليًا من قبل اللجنة التحضيرية، التي لا نعلم من أوكل إليها هذه المهمة وكيف، فهي خطوة غير موفقة، لأنها تُقصي شخصيات محددة حضرت الرياض 1 والرياض 2"، وتوقع حسون أن تكون هذه الخطوة “سلبية النتائج”، حيث إن "ردة فعل الشخصيات المستقلة المستبعدة ستكون قوية".
وأضاف الحسون: "كان من الأفضل دعوة كل المستقلين الذين تمت دعوتهم سابقًا لاجتماع الرياض 2 وحضروه ولم ينسحبوا منه رسميًا، بالتوافق مع رئيس هيئة التفاوض، والدول المعنية، والأمم المتحدة، من دون إقصاء واختيار لشخصيات محددة في هذا الوقت الذي تعاني منه الثورة السورية تداعيات خلافات الدول المعنية، فيما بينها، ولا سيما أن العملية السياسية تحتاج إلى مرونة باختيار الشخصيات وتجاوز الخلافات بين رعاة العملية".
سمير نشار:
سمير نشار، عضو الائتلاف، والمعارض السوري، وجه انتقاده لاجتماع الرياض3 وتصريحات الحريري معًا، وقال: "عندما يسأل السيد نصر الحريري عن السند القانوني لدعوة المستقلين لاجتماع الرياض، ألا يتبادر إلى ذهنه السؤال عن السند القانوني لمؤتمر الرياض 2 الذي أنتج هيئة التفاوض التي أصبح هو رئيسها؟ وعندما يتساءل عن عدم وجود المستقلين من المناطق المحررة، ألا يذكر أن مندوبي المستقلين من هيئة المفاوضات ليس بينهم عضو من المناطق المحررة؟".
وأضاف نشار: "القصة هي أن السعودية وتركيا كانتا متفقتين عند الدعوة إلى الرياض 2، والآن السعودية وتركيا مختلفتان؛ لأن السعودية من محور المجموعة المصغرة، وتركيا من محور أستانا، والصراع على أشده بين المحورين، إقليميًا ودوليًا، واصطف البعض من السوريين كل خلف محوره بكل بساطة، ولا تحتاج من الحريري إلى كل هذا الاجتهاد، كما تواطؤ سياسيًا مع منصة موسكو والقاهرة للإطاحة بالهيئة العليا للمفاوضات، يبدو الآن أن منصة القاهرة على الأقل متواطئة عليه، وعلى الائتلاف المحسوب على تركيا".
مشعل العدوي: معارض سوري، قال منتقداً: "الرياض ثلاثة، أو هذا الإجراء الترقيعي لهيئة التفاوض، هو خطوة ربما تكون ضرورية، ولكنها حتمًا متأخرة وغير كافية، فهي متأخرة بسبب الضرر الكبير الذي لحق بالسوريين نتيجة قرارات هيئة التفاوض الحاليّة، كقبول الدخول في مفاوضات مع النظام حول الدستور السوري، قافزين بذلك على القرار الأممي 2254 وتسلسل تنفيذه، وقافزين على جوهر القرار، وهو تشكيل هيئة حكم انتقالي شفافة وغير طائفية، بمعنى أن الائتلاف وهيئة التفاوض كانا متآمرين صامتين وموافقين على قرارات ما يُسمى بـ (الدول الضامنة)، وهذا الإجراء غير كاف، ولا يكفي تغيير الأشخاص دون تقديم الدعم اللازم لعمل الهيئة، أي الدعم السياسي والمالي، من دون التدخل بقرارات الهيئة أو الضغط عليها من أجل الموافقة على خطوات لا تخدم مصلحة الشعب السوري".
مؤيدو الرياض 3 وتبريراتهم…
مهند القاطع، معارض وكاتب سوري من محافظة الحسكة، مقيم في الرياض، وأحد المدعوين إلى الاجتماع، يرفض تسمية الاجتماع بـ (الرياض 3) لأنه كما يرى "ليس اجتماعًا لمختلف قوى المعارضة والثورة أو المنصّات السياسية والمحزبة، بل هو اجتماع للمستقلين الثوريين، يهدف إلى البحث في آلية اختيار المرشحين المستقلين لشغل المقاعد المخصصة للمستقلين في هيئة التفاوض".
وأضاف الكاطع: "غير صحيح أن الاجتماع سيضم عناصر من (قسد) أو محسوبة على أي منظومات وميليشيات ساهمت في سفك الدم السوري، فالاجتماع لمستقلين من رحم الثورة، ولا يمكن أن يقبل المشاركون بأن يكون بينهم ممثلون لأي كيانات مشبوهة أو جزء من منظومات إرهابية أو حليفة للنظام، تحت أي مسمى أو شعار". وأوضح " أن المشاركين لم يكونوا جزءًا من الهيئات والكيانات والمنصّات والمجالس السياسية الحالية”.
بشار الحاج علي، وهو دبلوماسي سوري منشق، قال: "كان الاجتماع لبحث آلية تمثيل المستقلين في هيئة التفاوض، والبالغ عددهم ثمانية أعضاء، وهم أحد مكونات الهيئة التي تشكلت من مؤتمر الرياض 2، وكان لكل مكون مرجعيته ما عدا المستقلين، فكانوا يدعون أفرادًا لذلك غالبًا ما كان قراراهم يتشتت بين المكونات الأخرى، وهذا لا يتناسب مع الحجم الحقيقي للمستقلين في الثورة والمعارضة السورية، فهم الشريحة الأكثر عددًا وحضورًا وتأثيرًا، وهم المعوّل عليهم في أن يكونوا الوسط الحامل للمطالب الشعبية المحقة بعيدًا من الأيديولوجيا والتحزب والتيارات، ومن الناحية التنظيمية، يقوم كل مكون من مكوناتها باختيار أعضائه الممثلة له في الهيئة وتغييرهم، وهذا غير متوفر بالنسبة للمستقلين، لعدم وجود المرجعية".
وأكد الحاج علي أيضًا أنه لا يجب تسمية الاجتماع بـ (الرياض 3) لأنه "ليس مؤتمرًا لقوى الثورة والمعارضة، كما يظن البعض"، وأضاف: "أضع أملي في نجاح هذا الاجتماع، ليكون رافدًا في دعم العمل السياسي الوطني، كما نأمل في كل الاجتماعات والمؤتمرات الأخرى، وأرجو أن يعطى حجمه الطبيعي وأهميته الحقيقية، من دون تشويه وتأويل".
حسين حمادة، وهو قاضي منشق عن نظام الأسد، وهو من المدعويين لاجتماع الرياض قال: "أعتقد انها تجربة ناجحة وأبارك نتائجها ، وأتمنى ان يتم إحداث هيئة عامة للمستقلين الأحرار لتكون المرجعية لكافة هذه الهيئات وتعطيها ديمومة وشرعية نسبية ومن ثم تنتج هيئاتها القيادية".
فيما ذكرت، مصادر إعلامية سورية معارضة أن هناك تسريبات بأن اجتماع الرياض سيليه انتخابات جديدة شاملة في هيئة التفاوض، وسيسعى فيها السعوديون إلى إيصال رئيس جديد إلى هيئة التفاوض.
أهداف الرياض3
يبدو أن هدف اجتماع الرياض الرئيسي يتلخص في تقليص نفوذ تركيا داخل هيئة التفاوض وسحب ورقة زعامة" الهيئة" من "الائتلاف" لصالح كتل أخرى مثل منصتي "القاهرة وموسكو وكتلة المستقلين" في " الهيئة" خصوصاً أن الائتلاف على تحالف مع ممثلي الفصائل والمستقلين في "الهيئة", وذلك يعني أن الرئيس القادم لـ"الهيئة" هو من هذا التحالف حتماً، أما الآن ومن خلال هذه الخطوة تكون السعودية قد سحبت ثمانية أسماء من التحالف، ما سيرجح كفة الكتل الأخرى.
ومن خلال مخرجات هذا الاجتماع ستمتلك المملكة العربية السعودية ورقة الفصل في ملف اللجنة الدستورية، إذ أن أعضاء " اللجنة الدستورية" هم ضمناً من "هيئة التفاوض" كما أن التصويت دائما سيكون من صالح الكتلة الجديدة، وهو أمر يراه ممثلو الإخوان والأتراك في "الائتلاف" نقطة تحول في مسار السياسة السورية المعارضة، وانتقال إلى عهد تشقق جديد يعطي وفد النظام أولية في المرحلة المقبلة ككتلة متماسكة.
وبحسب مصادر خاصة، تحدثت لمركز "بلدي للأبحاث والدراسات"، فإن "الإدارة الذاتية" و "قوات سوريا الديمقراطية" التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية عمودها الفقري, لم تدع إلى "اجتماع الرياض3"، على عكس الأنباء التي تسربت حول تمهيد سعودي لإدخال ممثلين عن " مجلس سوريا الديمقراطية" بين المستقلين في " هيئة التفاوض" المعارضة، كما أن أكراداً مستقلين، مثل سربست نبي، وإبراهيم الملي، قد تلقوا دعوات إلى المؤتمر، ولكن ليس في إطار إدخال "قسد" في هيئة التفاوض كما روجت بعض وسائل الإعلام. إذ أن هؤلاء المدعويين ليسوا على وفاق مع " الاتحاد الديمقراطي" ولا مع " العمال الكردستاني".
تشير مصادرنا أيضاً إلى أن المرشحين لشغل المناصب الجديدة قد تم انتقاؤهم على أساس معيار واحد؛ "مناهضة الإخوان المسلمين", وعدم الانخراط في السياسات التركية، ويؤكد ذلك استبعاد الخارجية السعودية من الدعوة الجديدة لأعضاء" مؤتمر الرياض2" الذين حضروا حينها بصفة مستقلين، والمعروف عنهم الارتباط بتركيا أو الإقامة فيها.
خاتمة
لا تعوّل قوى المعارضة على إحداث تحول كبير في المشهد السوري في إطار "اجتماع الرياض3", حيث تفرض التطورات الميدانية الجارية في إدلب، و التنافس الإقليمي والدولي على قوى المعارضة تغيير أدواتها واستحداث أخرى تتناسب والتطورات القائمة المتمثلة بالبحث عن خطوة استكمال إعادة هيكلة حقيقية للمعارضة، والتوافق على المبادئ الوطنية الجامعة، مقترنا بفريق سياسي يستثمر التحولات الجارية في المشهد الإقليمي والدولي. ووضع نهاية للحرب السورية، وفق القرارات الدولية المتعلقة بالقضية السورية, والتي بنتيجتها سيفرض حل سياسي يطيح بالأسد. لا أن يكون "اجتماع الرياض 3 " صفقة للاستثمار ضمن محاور استراتيجية في إطار التنافس الإقليمي والدولي.