بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
يناقش هذا الملف الضربة الأميركية التي شنها الجيش الأميركي بأمر من الرئيس دونالد ترامب, واستهدفت مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص المرتبط ببرنامج أسلحة الأسد الكيماوية, والمتصل مباشرة بالمجزرة المروعة التي ارتكبها طيرانه صباح الثلاثاء 4/4/2017م في خان شيخون.
وينطلق الملف من حيثيات المجزرة المروعة التي ارتكبها الطيران الحربي التابع للأسد والتي قصفت بالقنابل الكيماوية بلدة خان شيخون مما أسفر عن استشهاد ما يصل إلى مئة شخص من المدنيين من بينهم عشرات الأطفال، وإصابة حوالي 400 آخرين.
ويتوقف الملف عند ردود الفعل الدولية على جريمة الأسد الكيماوية إلى أن حسمت الولايات المتحدة الجدل الدولي في الساعات الأولى من صباح السابع من نيسان/أبريل، إذ أطلقت الولايات المتحدة تسعة وخمسين صاروخاً من نوع "توماهوك" من مدمّرتين في شرق البحر الأبيض المتوسط على مطار الشعيرات العسكري الذي شكّل نقطة انطلاق طائرات الأسد.
ويعالج الملف تغيير قواعد اللعبة السياسية من خلال الإجماع الدولي بمنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب صكا سياسيا دوليا لمواجهة الإرهاب الثنائي المتمثل بنظام الأسد والإيرانيين وإيقاف التمدد الروسي في المنطقة والذي استخدم "الفيتو" في مجلس الأمن لتمييع قضية كيماوي الأسد, وامتصاص نقمة التوجه الدولي في عقاب الأسد.
ويتوقف الملف عند التداعيات السياسية في الدوي الهائل للصواريخ الأميركية في المنطقة والعالم, وشظاياها السياسية مما أسفر عن تجاذبات دولية حصرت الروس ومحورهم في زوايا ضيقة بعد أن تجمهرت كبريات الدول حول قرار الرئيس ترامب, الإطاحة بالأسد, ويختم الملف آفاق المواجهة المحتملة والخيارات المفتوحة في ظل التوتر الروسي الأميركي.
مجزرة خان شيخون.. تغيير قواعد اللعبة
استكمل المجتمع الدولي الضغط على روسيا من أجل التوقف عن دعم نظام الأسد, وتصدرت ذلك الولايات المتحدة في الرسالة التي حملها تيلرسون وزير خارجية أميركا بدعم وتأييد من وزراء خارجية مجموعة السبع (إيطاليا، كندا، اليابان، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا والولايات المتحدة). الذين انضم إليهم وزراء خارجية تركيا، والسعودية، وقطر، والإمارات، والأردن في سعي واشنطن الحثيث لحشد تأييد واسع النطاق للضغط على موسكو من أجل التخلي عن الأسد.
وبات الرئيس الأمريكي ترامب يملك صكا سياسيا عالميا بمواجهة الإرهاب الثنائي المتمثل بنظام الأسد وملالي طهران اللذين يهددان السلم الدولي, فكانت الضربة الأولى بمثابة صفعة لبوتين أظهرت عجزه عن الرد بالأصالة أو من خلال وكلائه, لأن مغامرته ستعجل من منح الكونغرس لترامب تفويضا بتزويد فصائل الثورة بمضادات جوية تضع روسيا في مأزق شبيه بفترة احتلالها أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي وهذا مالا تتحمله موسكو لما له من نتائج كارثية على إدارة الرئيس بوتين وعموم روسيا المنهكة اقتصاديا.
استيقظت روسيا على وقع الصواريخ الأميركية وفي جعبتها عجز واضح بفشلها في إخضاع الثورة السورية بعد سنة ونصف من الخراب والتدمير, يتزامن ذلك مع فشلها السياسي في آستانة لإيجاد تسوية سياسية تضع حدا للصراع الدامي في سورية.
أمام المشهد الدراماتيكي المتصاعد بات الأسد في المفهوم الأميركي جزءا من الإرهاب الدولي في المنطقة, الذي وصفه الرئيس ترامب بالحيوان والجزار، وهذا يدل على أن الأسد سينال عقابا أميركيا جديا كما أوضح كبار القادة الأميركان بقرب نهاية حكم عائلته, وطالبت واشنطن بخروج "حزب الله" من سورية فورا.
كل هذه المتغيرات الانقلابية في الإدارة الأميركية تجعل من روسيا تعيد حساباتها في علاقتها مع الديكتاتور الأسد الذي قتل الشعب السوري بمختلف أنواع الأسلحة على مدار سني الثورة, وإلا فإن التصعيد الأميركي في تزايد حتى اقتلاع الأسد, وإخراج الميليشيات الشيعية الإرهابية من سورية.
مجزرة خان شيخون وشظايا صواريخ "توماهوك" السياسية
لم يستغرق الأمر أكثر من ساعة على إلقاء طائرة تابعة لنظام الأسد القنبلة الكيماوية على خان شيخون ليقضي حوالي مئة ضحية خنقا بغاز السارين وأكثر من 400 في مدينة خان شيخون, ليصاب العالم بحالة ذهول من الجريمة التي ارتكبها الأسد (الحيوان) كما وصفه ترامب, لتدخل المنطقة بعدها في تجاذبات سياسية دولية زادت من ارتداداتها الصواريخ التي أطلقت من المدمرتين الأميركيتين "بورتر" و"روس" في شرق المتوسط فجر الجمعة 7 نيسان 2017 مستهدفة مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص.
حملت شظايا الصواريخ علاوة على شدة انفجارها رسائل أميركية للروس وللإيرانيين بأن الرئيس دونالد ترامب لا يكتفي بالأقوال بل يقرنها بالأفعال, بخلاف ما قام به الأسد في مجزرة الكيماوي عام 2013 عندما كان الرئيس باراك أوباما سيد البيت الأبيض.
فأيقظت محور حلفاء نظام الأسد "روسيا وإيران" اللتين هللتا لموقف ترامب من حليفهما قبل الرد الأميركي على مجزرة الكيماوي في خان شيخون ليصدرا بيانا تصعيديا مشتركا للاستهلاك الإعلامي ورفع معنويات الأسد المتهالكة، جاء فيه: "إن العدوان الأميركي على سوريا هو تجاوز خطير واعتداء سافر على سيادة الشعب والدولة السورية وهو تمادٍ كبير للظلم والجور على سوريا وما جرى في خان شيخون فعلٌ مدبر من بعض الدول والمنظمات، لاتخاذه ذريعة لمهاجمة سوريا, وإن أميركا المتغطرسة لم تنتظر إذناً من أحد، ولم تحترم الدول المنضوية تحت قبة الأمم المتحدة، وقبل أن تصدر نتائج التحقيق في قضية خان شيخون، قامت بمهاجمة سوريا, وما قامت به أميركا من عدوان على سوريا هو تجاوز للخطوط الحمراء، فمن الآن وصاعداً سنرد بقوة على أي عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء من قبل أي كان، وأميركا تعلم قدراتنا على الرد جيداً, ورداً على هذا العدوان المجرم، نحن كحلفاء سوريا سنزيد من دعمنا للجيش العربي السوري، والشعب السوري الشقيق بمختلف الطرق".
أولى مدلولات بيان حلفاء الأسد يتمثل بحفظ ماء وجه الروس والإيرانيين الذين اعتادوا على سياسة التخاذل الأوبامي بعد أن دفنتها صواريخ التوماهوك التي صفق لها الأميركيون قبل سواهم في تغير واضح لقوانين اللعبة على الأرض السورية التي تركت آثارا سياسية عميقة على الروس الذين اعتادوا على سياسة التخاذل الأوبامي واستيقظوا من أحلامهم الوردية التي دفنتها صواريخ التوماهوك نتيجة السياسة الحمقاء لأحفاد الفايكنغ وقيصرهم الغارق في بحور الوهم والعظمة الجوفاء لتصيبه شظايا التوماهوك بعد أن استنشق كيماوي عميله الأسد ليحاول مستشاروه امتصاص دوي الصواريخ بالإيحاء بأن البنتاغون أعلمهم مسبقا بالعملية العسكرية.
استدعاء الروس لوزيري خارجية سورية وإيران وما سنسمعه في قادم الأيام لا يتجاوز تكرار سيناريو مجزرة الغوطة عام 2013 عندما ارتعدت أوصال فلاديمير بوتين لمجرد تهديد ووعيد أوباما, فكيف سيتعامل بوتين مع الرئيس الحالي الذي يقول الأميركان إن حركته غير قابلة للتنبؤ؟.
إن الموقف الروسي الذي يحمل تصعيدا روسيا - إيرانيا لا يتجاوز التصعيد الكلامي, والدليل على ذلك أن صواريخ s 400 الروسية لم تعترض صواريخ التوماهوك, مما يعيد للأذهان بيانات موسكو في صيف العام 1982م في الحرب التي شهدها لبنان وخلالها قامت واشنطن وتل أبيب بتدمير طائرات ودفاعات جيش الأسد في سماء وأرض لبنان واكتفت وقتها روسيا بالتنديد, وإيران بوصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر.
الإيرانيون حلفاء الأسد ارتعدت فرائصهم جراء دوي الصواريخ الأميركية التي وصلتهم على شكل إنذار مباشر بأنها تصل إلى قواعدهم في سورية والعراق واليمن والخليج العربي.
إن ما يجري في حلف الأسد هو تواصل الإيرانيين بضباط الأسد لرفع معنوياتهم, ومبادرة روحاني للاتصال بالروس ليتحدث عن المواجهة والجهوزية العسكرية والاستعداد والانتصار, وهذا يحمل معنى واحدا: استيعاب الصدمة المعنوية عند الهيكل السوري, ومنعه من التهالك, وإشعاره بأن الإيرانيين من خلال تواصلهم مع الروس لن يسمحوا في حال ضربات أخرى تؤثر على عمق النظام.
الفيتو الروسي واللعب في الوقت الضائع
واجهت روسيا بحق النقض "الفيتو " مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لمجلس الأمن للتنديد بالهجوم الكيميائي في بلدة خان شيخون بمحافظة إدلب ومحاسبة المسؤولين عنه، لتكون هذه المرة الثامنة التي تلجأ فيها موسكو إلى الفيتو التي تعتبره محاولات غربية الغاية منها الإطاحة بنظام الأسد.
وصوتت عشر دول لمصلحة مشروع القرار الغربي، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى مصر واليابان والسنغال وأوكرانيا والأوروغواي وأسوج وإيطاليا. وامتنعت عن التصويت كل من الصين وكازاخستان وأثيوبيا. وصوتت روسيا وبوليفيا ضد المشروع الغربي.
وكان أعضاء مجلس الأمن استمعوا قبل ذلك إلى كلمة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سوريا ستيفان دي ميستورا الذي قال: "نحتاج بشكل عاجل إلى توصل الأطراف الرئيسية لتوافق من أجل أن يدعموا وبشكل حاسم عملية التفاوض التي تقودها الأمم المتحدة، وهذا هو الوقت لفعل ذلك بهدف تنفيذ عملية انتقال سياسي منظمة وذات صدقية متفق عليها ولا يمكن الرجوع فيها, وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254", وأضاف "شاهدنا الأهوال الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السوريين الأبرياء في خان شيخون. هذا العمل المثير للغضب صدم ضمير الأسرة الإنسانية بأسرها".
وتحدث المندوب البريطاني الدائم لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت فكشف أن خبراء من المملكة المتحدة تثبتوا من استخدام غاز السارين في هجوم خان شيخون، مضيفاً أن بشار الأسد "يخدع روسيا ويهينها".
فيما قال نظيره الفرنسي فرنسوا دولاتر إن هذا الهجوم الكيميائي وغيره من الفظائع التي ترتكب في سوريا يؤكد أن "لا دور للأسد في مستقبل سوريا".
وفي مناورة سياسية لتضييع الوقت وتمييع القضية المركزية اعتبر نائب المندوب الروسي فلاديمير سافرونكوف أن "الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تخرب عمل مجلس الأمن وترفض حتى إدانة الهجوم على السفارة الروسية بدمشق".
وقالت رئيسة مجلس الأمن للشهر الجاري المندوبة الأميركية نيكي هايلي: "تعتقد الولايات المتحدة اعتقاداً راسخاً أن العملية السياسية يمكن أن تعمل، على رغم الصعاب"، مضيفة: "لا نزال ملتزمين بعملية جنيف. ونحن مستعدون لرمي ثقلنا ومواردنا وراء الديبلوماسية. ونحن مستعدون للمساعدة على إنهاء هذا الصراع". ولكنها استدركت: "التزامنا ليس كافيا. الولايات المتحدة تبحث عن شركاء جادين في استخدام نفوذهم على نظام الأسد وهزيمة داعش. ويتعين على كل بلد أن يقوم بدوره. يجب علينا جميعا أن نلتزم ليس فقط بالكلمات بل أيضاً بالأعمال نحو الهدف ذاته: السلام في سوريا".
آفاق المواجهة والخيارات المفتوحة في ظل التوتر الروسي الأميركي
غيرت مجزرة خان شيخون موازين الصراع في المنطق وكانت رافعة دفع بالرئيس دونالد ترمب المرتبك والمحاصر داخليا, بالإضافة إلى ما أشيع عن علاقاته المريبة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين, واهتزاز صورة أميركا في العالم, هذه الأسباب وسواها دفعته لاتخاذ قراره بالهجوم على مطار الشعيرات العسكري بعدما بدأت وكالات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي تتناقل صوراً مرعبة لعشرات الشهداء من المدنيين السوريين، مؤكدة أنهم قضوا بعد غارة جوية بالأسلحة الكيماوية شنّها نظام الأسد على منطقة خان شيخون, وعلى الفور وجه ترامب الاتهام للأسد وحمله المسؤولية كاملة وقرر توجيه ضربة عسكرية إلى مطار الشعيرات العسكري, وأكد أن الغارة الجوية التي استخدمت فيها أسلحة كيماوية انطلقت منه, وبدا واضحاً تصميم الإدارة الأميركية إلى الإنجاز والفعل، وكسب ثقة الأصدقاء وإجبار الأعداء في الوقت نفسه على خشيته واحترامه في تغيير واضح المعالم لعودة الولايات المتحدة لقيادة نادي الأقوياء بعد العبث الأوبامي المتخاذل, فالعودة الأميركية من بوابة مطار الشعيرات طمأنت دول الخليج العربي وتركيا والأردن التي تشعر بتعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة, وأعادت الثقة بالإدارة الأميركية الجديدة بعد طول اهتزاز وأن ترامب يدرك خطورة النفوذ الإيراني في المنطقة وسيسعى بجدية لإخراج إيران من المنطقة, وإن الاحتماء بروسيا التي عليها تغيير سياساتها المتضاربة مع المصالح الأميركية من خلال تمدد موسكو في المنطقة وبناء علاقات مع إيران ونظام الأسد و"حزب الله" مما قد يجبرها على إعادة حساباتها مع الحلف الجديد وهذا يتوقف على مدى رد الفعل الروسي الذي لا يزال مجرد فقاعات إعلامية مضطربة ومناورات سياسية بهدف امتصاص العودة الأميركية إلى حلبة الصراع, فالبيانات والتصريحات المنطلقة من موسكو قبل وبعد زيارة وزير الخارجية الأميركي تتمحور حول الاتهامات والمسؤولية عن الهجوم الكيماوي الذي شنته طائرات الأسد على مدينة خان شيخون والضربات الأميركية على مطار الشعيرات، وسادت أجواء توتر صارخة مقترنة باتهامات واشنطن لموسكو بعلم المسؤولين الروس بتخطيط نظام الأسد شن هجوم كيماوي على المدينة, وأن كل تصريحاتهم عبارة عن حملة تضليل على طبيعة الهجوم الكيماوي وهو ديدن الروس منذ هجوم الكيماوي على غوطة دمشق في العام 2013م, وفي هذا الإطار جاءت ضربة مطار الشعيرات التي أدت إلى قلب موازين القوى ووضعت حدا لمراهقة بوتين العسكرية في سوريا, ورسمت احتمالات المواجهة وفق خيارات يقف على رأسها اتجاه واشنطن إلى تجاهل الروس في سورية كما في دفعة الصواريخ التي أحرجت بوتين في الداخل وهزت صورته في أعين حلفائه من الإيرانيين ومعهم نظام الأسد وباقي الميليشيات الطائفية, والخيار الثاني, تصعيد موسكو العسكري من خلال تكثيف قصفها للمناطق المحررة وقيامها بتزويد حلفائها بأسلحة متطورة وفتح معارك جديدة على مختلف الجبهات السورية, ولكن الحسابات الروسية تتجنب صداما عسكريا سواء بالأصالة عن نفسها أو عبر وكلائها, فالخزانة الروسية لا تتحمل نفقات باهظة قد تطيح بفريق بوتين على الصعيد الداخلي.
والخيار الثالث هو المناورة السياسية والتضليل الإعلامي لصرف الأنظار عن مجزرة خان شيخون الكيماوية بالهرب إلى فتح ملفات أخرى كأوكرانيا والدرع الصاروخي وغيرها من المشاكل العالقة وهذا لن يعفيها من تورطها وحليفها الأسد في مجزرة الكيماوي مما يرفع وتيرة الصراع بين موسكو والغرب, والخيار الأخير استجابة المغامر بوتين إلى تسوية سياسية في سورية تطيح بالأسد وتخرج إيران منها وهو ما تعمل الولايات المتحدة للتوصل إليه بالضغط على الروس مما يجنب الروس صداما عسكريا ستكون حتما هي الخاسرة فيه.