ذا ديلي بيست-(ترجمة بلدي نيوز)
مع ظهور ترامب - بدأ السياسيون وصانعو السياسة الأوروبية يشعرون وكأنهم يشاهدون فيلماً من أفلام الرعب: فالإدارة الاميركية لديها انفصام بالشخصية كـ "الدكتور جيكل والسيد هايد" ، فالشخصية الأولى عقلانية تماماً واجتماعية والأخرى تتمتع بشخصية وحشية غير قادرة على السيطرة على نزواتها .
كل هذا في الوقت الذي يدخل فيه الاتحاد الأوروبي ومصداقية حلف شمال الاطلسي بحالة حرجة مع اكتساب الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل جيرت فيلدرز في هولندا ومارين لوبان في فرنسا لقوة هائلة خلال الانتخابات المقبلة.
وقد وصفت صحيفة لوموند الفرنسية الإدارة الأمريكية بالـ "الحرب الأهلية في القمة" بين العقلانيين والمتطرفين، فنائب الرئيس الأمريكي مايك بنس ووزير الدفاع الجنرال جون ماتيس، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، وجون كيلي وزير الأمن الداخلي، يمثلون الوجه العقلاني للإدارة – حيث ذهبوا جميعاً إلى اوروبا في محاولة لإيجاد سبل لإقناع المسؤولين هناك بان ترامب لا يقصد ما يصرح به مراراً وتكراراً ، فالصوت العاقل في الإدارة يصر على أن الناتو لم يعف عليه الزمن كما يردد ترامب وأن الولايات المتحدة تدعم الاتحاد الأوروبي .
و قد يكونوا قد نجحوا في إقناع أصدقائهم الأقرب الأوروبيين أن التزام الولايات المتحدة كان جدياً كما يبدو في الظاهر، حتى شهدت أوروبا فيديو للرئيس دونالد ترامب ( السيد هايد) يحاول فيه جذب مناصريه في اجتماع حاشد نظم في ولاية فلوريدا يوم السبت، وكان خطاب ترامب نقيضاً للخطاب المنطقي ، ويذكر بشكل قوي بـ "ستيف بانون" والذي يشغل منصب كبير المستشارين وكبير المخططين الاستراتيجيين لإدارة ترامب (المعروف بتوجهه اليميني المحافظ) ، والذي يسعى لتفكيك الاتحاد الأوروبي، والتقليل من قوة حلف شمال الاطلسي بينما يقوم بتمجيد روسيا وتسلطها.
يقول فرانسوا هايسبورغ وهو من قدامى الخبراء في مؤسسة السياسة الأوروبية و ينتمي الآن لمؤسسة رسرش الاستراتيجية: " إن توق ترامب الشديد للحصول على الإعجاب والحب والتقدير قد يجعله حساساً للغاية لأي شخص قد يؤثر عليه " ، ويضيف : "كل حليف للولايات المتحدة عليه الآن الاحتياط من ترامب " .
فمع تناقص الثقة في دعم القوة العظمى الأمريكية، سيتطلع العديد من القادة في أوروبا إلى عقد صفقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي ستضر بمشاركتهم في الحلف الأطلسي.
فأستراليا، على سبيل المثال، والتي هي حليف مهم لأمريكا ، ستميل نحو تملق الصين على حساب المصالح الأمريكية إذا اعتقد الاستراليين بأن واشنطن لم تعد تستطيع دعمهم .
كما ستنهار التحالفات التقليدية، وستظهر روسيا والصين كقوى إقليمية وعالمية أقوى بكثير ، لذلك فليس من الغريب أن يعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمر ميونيخ الامني السنوي يوم السبت، "عن مجيء مرحلة جديدة للنظام العالمي".
وماذا كان الرد الأمريكي؟ جزء من التقليد في مؤتمر ميونيخ خلال النصف الأخير من هذا القرن هو أن يجيب المتحدثون عن الأسئلة بعد أن يقدموا ملاحظاتهم- لكن الوفد الأمريكي رفض القيام بذلك، "فالأمريكيين"، كما وصفتهم صحيفة لوموند "، فضلوا عدم إقحام أنفسهم في وضع غير مريح بحيث لا يعرفون ما يجيبون ."
وفي عالم يتنقل بين أزمات متعددة – فإن الانطباع العام هو ان إدارة ترامب هي كسفينة بلا دفة ، وقد أشار ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى ذلك حين تساءل عن دور الولايات المتحدة في خضم المحاولات للتوصل إلى نوع من التسوية السلمية في سوريا "، حيث قال: "السؤال الكبير هو أين هي الولايات المتحدة من كل هذا؟". وهو سؤال لم يستطع الإجابة عنه !
وقال الرئيس السابق لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي "خافيير سولانا" بان مايك بنس قد تحدث في مؤتمر ميونيخ كما لو كان حديثه موجه لمجموعة من الأطفال: وكأنه يقول "أحبكم أحبكم لكن كلماته كانت من دون أي جوهر".
وقد استشف آخرون في المؤتمر وجود تيار معارض للإدارة الأمريكية ، ففي وقت مبكر وضح السناتور الاميركي جون ماكين الفرق بين رئيس الولايات المتحدة (الذي لم يذكر اسمه ) ومجلس وزراءه الأكثر عقلانية .
كما استنكر ماكين أولئك الذين "يبتعدون عن القيم العالمية ويتجهون نحو علاقات قديمة من الدم، والعرق، والطائفية"، وانتقد "الاستياء المتطرف تجاه المهاجرين، واللاجئين، والأقليات، وخاصة المسلمين."
وأشار بجزع إلى "العجز المتزايد، وحتى عدم الرغبة، في فصل الحقيقة عن الأكاذيب"، وإلى حقيقة أن المزيد والمزيد من المواطنين الأمريكيين قد باتوا يغازلون الاستبداد وكانه المعادل والبديل الأخلاقي".
ولكنه أعطى لبنس، ماتيس، وكيلي بعض التقدير ، حين قال بأنه لا هو ولا هم سيستطيعون "وضع عباءة الزعامة العالمية"، كما رحب بقرار البيت الأبيض والذي أعلن الاثنين عن ترشيح ماكماستر كمستشار الأمن القومي حيث قال: "أعطي الرئيس ترامب الفضل الكبير لهذا القرار، فضلاً عن خياراته لمجلس الأمن القومي فلا يمكن تصور فريق أكثر قدرة مما لدينا في الوقت الراهن ".
وفي مؤتمر ميونيخ، كان ظهور بنس ، كما وصفه أحد الحضور " كشخص يحاول وينجح في إبراز صورة تمثل الاتجاه العام والسائد "
فقد تحدث نائب الرئيس بلهجة تعلمها من خلال عمله كمضيف في البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وأضاف نفس المراقب ، أن بنس استخدم في جمله الفعل والفاعل وهو أمر لم يعد يستخدم الآن "
وأردف: "كان لدي انطباع بأن بنس يحاول أن يبدو كجيري فورد"، مشيراً إلى الرجل الذي أصبح نائب الرئيس ثم الرئيس عندما انهارت حكومة ريتشارد نيكسون عام 1974 !
وكما قال هايسبورغ ، أعطى بنس الانطباع بأنه "إذا حدثت أشياء سيئة بسبب ترامب (السيد هايد) ، سيكون هناك شخص عاقل ( الدكتور جيكل) ليتصرف" !
ويبدو أن هذا أقل ما يمكن أن تأمل به أوروبا على أقل تقدير.