بلدي نيوز – (نيرمين العمر)
بدت تحركات إيران الأخيرة، تعكس استشعارها لنوايا روسيا بتحجيم نفوذ ميلشياتها المسلحة الموجودة على الساحة السورية، ظهر ذلك بعد مساعي التقارب بين موسكو وأنقرة إثر معركة حلب الشرقية، فلم تأتِ عرقلة تلك الميلشيات للاتفاق إلا بحذر روسي من هذا النفوذ.
ومع اندفاع إيران أكثر نحو التمسك بالميليشيات التي تشكل قوة برية تتحقق لها كل ما تريد من عرقلة أو تيسير، اقتضت تغيرات الأيام الأخيرة على الساحة السورية من روسيا وغيرها من الدول التحرك نحو ضرورة تحجيم نفوذ هذه الميلشيات والدعوة لطردها لتحقيق إنجازات سياسية في الغالب تتعارض مع مصلحة إيران وأهدافها.
نفوذ ميلشيات إيران
زرعت إيران تحت مسميات أبرزها "فيلق القدس"، و"الدفاع الوطني"، و"صقور الساحل"، و"كتائب البعث"، ميليشياتها المسلحة في سوريا لتحقيق حلمها الاستراتيجي بالتوسع في المنطقة ولتعزيز دورها بحكم القوة، إذ أيقنت أن ولاء هذه الميليشيات مضمون أكثر من ولاء الدول الحليفة.
وهي الآن تصر على عدم سحب ميليشيا "حزب الله" والميليشيات العراقية والأفغانية التابعة لـ "الحرس الثوري" من سوريا وغيرها، لأنها ترى في وجودها أمرا حيويا لا يمكن التنازل عنه بحجة "محاربة الإرهاب"، وقد استخدمت هذه الميليشيات في نسف اتفاق حلب بين روسيا وتركيا وعرقلته، من خلال استهداف قرى وبلدات وادي بردى والغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق، وهنا وجدت روسيا ضرورة للتحرك أكثر نحو طرد أو تحجيم هذه الميليشيات لحصد نتائج الإنجازات العسكرية التي حققتها، تقول المحللة السياسية راغدا درغام: "يدرك -تقصد الرئيس الروسي- أن بقاء ميليشيات إيران في سوريا يمنعه من إعلان ذلك الفوز لأنه يحول دون إغلاق الصفحة ميدانياً. حتى محادثات أستانا معلّقة رهن القرار الآتي من المرشد الأعلى في طهران ومن قاسم سليماني في سوريا".
وأكدت ورقة بحثية أعدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشرت في يناير/كانون الثاني الحالي، أن إيران تشكّل عقبة أساسية في وجه الجهد الروسي التركي في سوريا، بدأت بتحفّظها على التحركات الروسية التركية منفردين، بالإضافة إلى أنها أبدت استياءها من روسيا جراء تجاهل الأخيرة طلبها اعتبار بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في محادثات أنقرة (إرهابية)، فضلاً عن خشيتها من وجود تفاهمات روسية-تركية غير معلنة لحل الأزمة السورية.
خطوات روسيا نحو تحجيم الميليشيات
كشفت تفاهمات روسيا مع الأتراك بعد معركة حلب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أنه من السهل تحرك إيران ضد مصلحة روسيا، وهنا أدركت روسيا أهمية موازنة النفوذ الإيراني ومنع إيران من الاستفراد بالقرار العسكري على الأرض السورية.
تحركت روسيا بالفعل، فقبل بضعة أيام أعلنت عن استحداث ميليشيات سورية جديدة، بحجة إعادة بث الروح في جيش النظام، ورغم الإعلان بأن تشكيل هذه المجموعات المسلحة تابعة لنظام الأسد إلا أنها موالية لروسيا التي دعمتها ماليًا، عرف هذا الفيلق العسكري الجديد باسم "الفيلق الخامس اقتحام".
وكان نظام الأسد أعلن عنه رسميًا في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ودعا جميع السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين سن 18 وحتى الـ50 عامًا للانضمام به مغريًا إياهم بعدة امتيازات، منها الحصول على راتب شهري يعادل أربع أضعاف راتب موظفي الدولة، ما يقارب من 200 دولار أميركي (100 ألف ليرة سورية).
ولذلك يرى المنسق العام بين فصائل الثورة السورية، عبد المنعم زين الدين، أن "روسيا لا يعجبها التمدد الإيراني، وقد بدا الخلاف واضحاً خلال عملية إخراج المقاتلين والأهالي من حلب، عندما وافق الروس وعرقلت إيران"، ويضيف زين الدين إن "موسكو تريد إبلاغ طهران، بأنها تسيطر على الأرض في سوريا، عبر قيامها بإخراج الميليشيات الإيرانية التي كان لها سمعة سيئة في دخول المدينة وارتكاب مجازر، وكأن روسيا تضع يدها على المكان الأساسي وهو مطار حلب الدولي، الذي كان من الممكن لنظام الأسد أن يؤهله، ويجعله مستقبِلا للطائرات".
صعوبة طرد الميليشيات الإيرانية
بعد يوم واحد من بدء عملية الانسحاب الروسي، لم يتردد نائب قائد القوات البرية الإيرانية القائد اللواء علي آراستيه بالإعلان عن أن "بلاده تخطط لإرسال قوات خاصة وقناصين إلى العراق وسوريا"، ونقلت صحيفة "إنترفاكس" عن المختص في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إميل حكيم، القول أن "انسحاب روسيا سيدفع الجميع لإعادة النظر في مسؤوليّاتهم، وسيصبّ هذا الانسحاب في مصلحة إيران، وسيساهم في تعزيز موقفها في سوريا وضمان بقاء الأسد في السلطة".
من جانبه، يقول الخبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "فيليب سميث" المتابع لنشاط الميليشيات إن "إيران تشكل ائتلافًا عسكريًا من عدة ميلشيات متعددة المهام ستكون القوة الضاربة في سوريا ما بعد الحرب وستكون الضامن للوجود الإيراني هناك"، ويضيف "وجود هذه الميليشيات في سوريا ليس أمرًا عسكريًا فقط بل هو نفوذ أيديولوجي لإيران يترابط مع مشاريعها في الدول المجاورة".
من جانبه، يستبعد الباحث في العلوم السياسية "محمد دخوش" تمكن روسيا من إخراج الميليشيات الإيرانية، ويرجع ذلك لكون "النفوذ الإيراني مؤسس في سوريا ومبني على أسس تاريخية وإيديولوجية وعسكرية، كما أن الحضور الإيراني في سوريا يعكسه التواجد المكثف الميليشيات المسلحة الإيرانية وغير الإيرانية التي تدور في فلك طهران على غرار حزب الله، ولا زالت سوريا منطقة نفوذ وتمدد إيراني بالنظر إلى طموحات طهران الإمبراطوري"، وتابع دخوش لـبلدي نيوز "ليس من مصلحة موسكو استعداء طهران، وذلك كون إيران دولة محورية في المنطقة لها كل نقاط القوة".
أما الصحفي السوري فراس ديبة، فيوضح "ليس سهلاً على روسيا طرد الميليشيات الإيرانية لأن روسيا بحاجة لقوات موالية لها على الأرض وهو ما لا يستطيع جيش النظام تأمينه للروس في ظل انهيار جيشه"، وأضاف في حديث لبلدي نيوز "من الخطأ التعويل على خلاف روسي إيراني، لأن الخلاف بالنسبة لنا لا يعدو أكثر من خلاف داخل بيت واحد هو بيت العدو"، معتبرًا أن تعطيل الهدن هو تبادل أدوار بين أفراد عصابة واحدة.
الأسد يتمسك بالميليشيات
"إيران وكل الدول التي تقف إلى جانب الشعب السوري هي شريكة في الإنجازات التي تتحقق ضد الإرهابيين"، هذا ما صرح به رئيس النظام بشار الأسد خلال استقباله رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني "علاء الدين بروجردي"، حسب وكالة "سانا" الرسمية.
فيما يدرك الأسد أنه مهم لكل من روسيا وإيران، ويؤمن أنهما لن يتخليا عنه على الأقل في هذه الفترة إلا أن كفة ثقته ترجح لصالح إيران، وتوضح المحللة السياسية راغدة درغام أنه "قد يكون بشار أكثر ثقة بتمسك طهران به كأساس لمشروعها الإقليمي، وأقل ثقة بروسيا، مع أنها أهم رعاته دولياً. إنما إذا خذلها تخذله، فلدى روسيا خيوط قرارات دولية ليست متوافرة لدى إيران، أحدها يتعلق بما تعدّ له الدول الأوروبية في مجلس الأمن الدولي من خطط للمحاسبة على الانتهاكات في الساحة السورية من جرائم حرب إلى استخدام أسلحة كيماوية".
وتعتبر درغام في حديث لبلدي نيوز أن ما تطلبه روسيا من سحب كامل للقوات الأجنبية، بما يشمل "حزب الله"، مرفوض عملياً وعقائدياً لدى إيران. وهذا التعقيد يضع علاقة التحالف في مرحلة حساسة إنما ليس بالضرورة على طريق الطلاق، حسب المحللة التي تابعت "فالرئاسة الروسية تراهن على الرئاسة الأميركية وسيلةَ تأثير على الجميع، بمن فيهم شريكها الإيراني، نظراً إلى حاجة إيران لروسيا مع الولايات المتحدة في ملف العقوبات والأسلحة النووية".
ويرى المحلل السياسي الإيراني المعارض محمد المذحجي أن روسيا بإمكانها أن تضغط على دمشق، لكن هذا الضغط لا يصل لحد قدرة النظام على طرد الميلشيات الإيرانية، ويتابع المذحجي لبلدي نيوز: "مشكلة روسيا الرئيسية مع النظام السوري وليس الميليشيات الإيرانية بحد ذاتها، وموسكو تستعجل للترتيب حالة تخدم مصالحها في سوريا قبل مجيء ترامب، وهي تعلم أن النظام السوري سيتجه إلى قوى أخرى مثل الصين وفرنسا وأمريكا نفسها، فمعادلة الصراع في جميع أنحاء العالم تغيرت بعد فوز ترامب".
ومع هذا لا يمكن إغفال حقيقة أن إيران حريصة على عدم الاصطدام بمساعي موسكو لحل الأزمة السورية، خاصة مع اقتراب استلام إدارة دونالد ترامب الحكم، وذلك للجم الضغوط الأمريكية على إيران بواسطة روسيا، ناهيك عن أن التقارب التركي الروسي لإنهاء الأزمة السورية الذي يدعمه لحد ما المجتمع الإقليمي والدولي ليس من السهل على إيران مواجهته.