أراب ويكلي- (ترجمة بلدي نيوز)
استمر الصراع في سوريا لما يقرب من ست سنوات، وفي بعض الأحيان تميّز الصراع بالجمود العنيف، والذي لم نعد نشهدُه الآن في الوقت الذي يقوم فيه النظام وحلفاؤه بغزو واجتياح شرق حلب، كما أنهم يتقدمون في أماكن أخرى من البلاد، وبالإضافة إلى هذا الاندفاع المفاجئ بالاستيلاء على الأراضي، هناك الوضع في شرق البلاد حيث تنظيم "الدولة" الإرهابي بات في الموصل يخسر شارعاً تلو الآخر، ويواجه احتمال عمليات اجتياح عاصمته التي نصّب نفسه عليها - الرقة.
إن موسكو تقف وراء نظام بشار الأسد في دمشق، ويبدو بأن الرئيس الأمريكي الجديد أصبح يقف وراء موسكو، في الوقت الذي بات "الربيع العربي" وكأنه ذكرى بعيدة من عصر مضى ولقطاتٌ قديمةٌ للمتظاهرين السلميين في سوريا باتت تحلّ محلها مشهد بعد مشهد من الركام والدمار لأكثر المدن عَرَاقةً وتراثاً.
وعلى الرغم من دعوة الأسد إلى التنحي والتي تكررّت حد الغثيان من قبل واشنطن ولندن وباريس وغيرِهم لسنوات، يبدو الآن بأنّه بات قادرا فجأة على استعادة السيطرة على ما يكفي من العمود الفقري للبلاد لإعلان نصره على الشعب السوري ورغبته في تقرير مصيره، وعلى كل مواثيق الإنسانية والحقوق والحريات.
لذا، فإذا ما كانت 2016 سنة ما هو غير متوقّع، فما الذي سيعنِيه إعلان الأسد عن انتصاره؟
أستطيع القول بأنه إذا ما استطاع الديكتاتوري السّادي في سوريا من إعادة تعريف وحشية حربه، ومن ثم إعلانه عن نَصره المزيّف، فإن أي انتصار في هذا السياق ينبغي التحقق من أمره، على حد تعبير المسلسل الإنجليزي الشهير "لعبة العروش": فإن الأسد يبدو مستعدّاً لـ "حرقِ سوريا بالكامل إذا ما استطاع لأجل أن يكون مَلِكاً على الرماد"، إن الانتصار الاسمِيّ للنظام سيكون انتصاراً أجوفاً في الواقع وبسيطاً للدلالة على فصل جديد من الصعوبات المختلفة والتحديات التي سيواجهها هذا البلد العريق في المستقبل.
إن أول ما يجب تذكّره هو حجم الضرر الذي ألحقه الأسد بالبلاد وشعبها، فقد أعلن البنك الدولي بأن تكلفة إعادة إعمار سوريا ستتجاوز الـ 180 مليار $ ويقدّر الخبراء بأن الأمر قد يستغرق سوريا 20 عاماً لاسترداد ما كانت عليه قبل عام 2011.
وفي حين أن الروس سعداء لعرض معداتهم العسكرية في سوريا، وهو ما عزز مبيعاتهم العسكرية إلى أكثر من 7 بلايين دولار، فإن استمرار انخفاض سعر برميل النفط عالمياً والعقوبات الواسعة على روسيا ستعني بأنه من غير المرجح أن يقوموا بنسختهم الخاصة من خطة مارشال لمرحلة ما بعد الحرب في سوريا.
وهذا ما لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حريصاً على إعادة مستويات المساعدة السوفياتية لسوريا في خمسينيات القرن الماضي، إذ قدرت الخطة بأن روسيا مسؤولة عن 90 منشأة صناعية ومنشآت البنى التحتية، وثلث قدرة توليد الطاقة الكهربائية في سوريا، بالإضافة إلى ثلث المنشآت المنتجة للنفط، والتوسع بمقدار ثلاثة أضعاف للأراضي المروية، والمساعدة في بناء سد الفرات الهائل.
ويجدر الذكر بأن التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار في سوريا ستواجه صعوبة أكبر على إثر العقوبات الأوسع التي ستواجه نظام الأسد واحتمالية عدم الاستقرار لفترة طويلة وإن كانت من نوع مختلف من حدّة وتيرة العنف، فقد تم تمديد عقوبات الاتحاد الأوروبي على النظام السوري وداعميه في نوفمبر، باستهداف 18 مسؤولاً سورياً، بما في ذلك حاكم البنك السوريّ المركزي دريد درغام ووزير المالية مأمون حمدان، واللذان كانا ممنوعين من السفر إلى أوروبا بالإضافة إلى تجميد أرصدتهم المالية، في حين قام الاتحاد الأوروبي بالفعل بحظر توريد النفط والأسلحة على النظام السوري وفرض حظر على التعاملات مع البنك المركزي للبلاد، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك 234 شخصاً و 69 شركة ومؤسسة تتبع للنظام السوري تعرضت لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً، أقرّ المُشرّعون في الولايات المتحدة مشروع قانون من شأنه فرض عقوبات على النظام السوري ومؤيديه، بما في ذلك كل من روسيا وإيران، بتهمة ارتكابهم لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في البلاد، وإذا ما تم التوقيع على مشروع القانون من قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فسيُطبّقُ على أي شخص يقدم الطائرات لشركات الطيران التجارية في سوريا، أو مزاولة الأعمال مع قطاعات النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية التي يسيطر عليها النظام السوري أو يقوم بدعم صناعة الطاقة في البلاد.
ومن شأن هذه العقوبات أن تكون صعبة الإبطال، ورغم أن القوى الغربية قد ابتعدت بعض الشيء عن الخطاب بشأن تغيير النظام في دمشق، فمن غير المرجح لها أن تدعم الأسد إن بقي في السلطة، في الواقع ومع كل التحالفات والانسجامات الخطابية فإن احتمال زيارة الأسد لدونالد ترامب في البيت الأبيض سيبدو أمراً بعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً.
إن التكلفة الهائلة لسوريا من الحرب التي طال أمدها تتعدى حدود الاقتصاد، بقياس عدد القتلى، وعشرات الآلاف من الذين باتوا يحملون إصابات دائمة -مرئية وغير مرئية- تبتعد بعيداً عن حجم وقدرة الحكومة، والتي قد تتحد مع فرض عقوبات صارمة لإعادة نسخة العراق في التسعينيات.
وبالإضافة إلى كل هذا دعونا لا ننسى العديد من المشاكل القائمة من قبل أن تعصف الثورة الشعبية بالبلاد في الفترة التي سبقت الانتفاضة الشعبية، من سوء الإدارة المدنية، وتراجع القطاع الزراعي وتفاقم الرشوة والفساد والمحسوبيات، وبطالة الشباب المرتفعة والبيروقراطية المتعثرة والفساد، كل ذلك سيعرقل من تركة الصراع بالنسبة للأسد.
إن احتمال الابتعاد عن الحاضر الكئيب لا يعني بالضرورة مستقبلاً أكثر إشراقاً، يجب أن نكون واضحين بأن التركة المباشرة والواضحة للصراع السوري هي الغياب الكامل للفائزين، وبدلاً من ذلك فهي سقوط حرّ نحو الهاوية، وفي النهاية وإذا ما بقي الأسد غير مُطاحاً به، فإنه سيتحمل عراقيل ومسؤوليّات وأعباء أن يكون.... ملكاً على خراب .