بلدي نيوز – إسطنبول (غيث الأحمد)
شكل التراجع الأمريكي عن قصف نظام الأسد في آب/أغسطس 2013 بعد تجاوزه الخطوط الحمراء باستخدام السلاح الكيماوي، نقطة تحول كبيرة في الصراع السوري إلى صالح بشار وداعميه، حيث اكتفى وقتها البيت الأبيض بقبول تسليم الأسد لمخزونه الكيماوي نتيجة تفاهمات مع روسيا.
واستمر بعد ذلك مسلسل الانكماش الأمريكي في الملف السوري، مما ترك فراغاً استثمرته موسكو الحليف الأول للنظام، وخصوصاً إبان التدخل العسكري الروسي في سوريا، وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن إجهاض إدارة أوباما مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي كان يهدف إلى فرض عقوبات على نظام الأسد، كما طالب المبعوث الأمريكي مايكل راتني قبل ذلك فصائل المعارضة بوقف محاربة قوات الأسد والتحول لقتال "جبهة النصرة" بعد الانفصال عنها، وذلك من أجل إتمام الاتفاق بين كيري ولافروف، وهذا ما جعل المعارضة تشعر بـ"الطعنة في الظهر".
وانتهى الحال بعد ذلك إلى ترك بوتين وحده يدير الملف السوري، وهذا بالتزامن مع دخول الإدارة الأمريكية في حالة شلل بسبب الانتخابات الرئاسية، واتضح ذلك خلال جولات التفاوض الثلاث في جنيف وما تبعها من مشاورات بين كيري ولافروف، حيث عجزت واشنطن والدول الأوروبية عن إدخال علبة حليب واحدة إلى المحاصرين في مدينة حلب.
ولكن مع كل ذلك التنازل لم يفلح أوباما وحلفائه الأوروبيين بإرضاء بوتين من خلال الحصول على قلب الشرق الأوسط، حيث أن الأزمة في سوريا لم تنته وخاصة في مدينة حلب التي شغلت تفكير العالم منذ 15 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نتيجة التصعيد العسكري الروسي عليها، والذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى القول أمام مجلس الأمن إن "الأمر اسوأ من مسلخ"، لافتاً إلى أن "أشخاص فقدوا أعضاءهم" و"معاناة رهيبة مستمرة لدى الأطفال".
موسكو التي دخلت إلى سوريا عبر جيش منظم ومنضبط، لا تريد الحفاظ على قواعدها العسكرية على المياه الدافئة فقط، وإنما تسعى للمساومة سياسياً على هذا الملف مع ملفات أخرى، وهذا ما بات واضحاً للجميع، وهو ما يجعل مشروعها قابل للتفاوض مع الأطراف الإقليمية والدولية، خلافاً للمشروع الإيراني الرامي إلى التوسع في الشرق الأوسط والخليج العربي من خلال دعمها للميليشيات الطائفية في سوريا واليمن والعراق ولبنان، فلا يمكن لأي دولة أن تقوم بالتعاون مع تلك الميليشيات أو حتى إعطائها الشرعية، حيث أن حزب الله اللبناني المتواجد على الساحة اللبنانية منذ أكثر من 20 عاماً مازال "سلطة أمر واقع" ولن يحصل على "الشرعية" مهما طال به الزمان أو قصر، على الرغم من الإمكانيات العسكرية التي يملكها.
وهنا يحاول المتضررين من الأزمة السورية خفض "الثمن" الذي يريده بوتين وزملائه، مقابل إنهاء الصراع في سوريا -وهم مقتنعين تماماً بضرورة ذلك- عبر الضغط الدبلوماسي الدولي على موسكو، وقد شهدت الأيام الماضية فشل روسيا في الحفاظ على مقعدها في مجلس حقوق الإنسان، إضافة إلى اتهامها في ارتكاب جرائم حرب في الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وهو جزء من الضغط الممارس عليها، تبعها إعلان روسيا انسحابها من الحكمة الجنائية الدولية وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة، بسبب "خيبة الآمال المعقودة عليها"، حسب ما صرحت به الخارجية الروسية.
إن حرب روسيا الأساسية ليست في سوريا، وإنما هي في كل ما يتعلق بالحصول على امتيازات في (الطاقة - معابر الطاقة - معابر التجارة العالمية)، والتي تستطيع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية تقديم ذلك، وإلا فإن موسكو سوف تعود لتفعيل الأزمة في سوريا حتى لو تم السيطرة على كامل مدينة حلب، وسوف تعود للمطالبة بـ "الثمن"، فمن سيدفع الفاتورة إلى جانب الشعب السوري المنهك؟