فيديل كاسترو وعائلة الأسد - It's Over 9000!

فيديل كاسترو وعائلة الأسد

العربي الجديد-(ترجمة بلدي نيوز)

تحت حكم فيديل كاسترو، النظام الشيوعي الوحيد الموالي للاتّحاد السوفياتي في نصف الكرة الغربي، طوّرت كوبا سمعتها لتصبح دولة أممية، ففي بعض الأحيان قدّمت فكرة "تصدير الثورة" لكوبا تمثيلاً نسبياً كبيراً، حتى لو كانت كوبا بنفسها تحت مشكلات اقتصادية كبيرة أبقت على مستويات المعيشة في البلاد راكدة إلى حدّ كبير. وتدخل القوات الكوبية في أنغولا في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، بمشاركة ما يقرب من 55،000 من القوات الكوبية، ساعد أنغوليا بإلحاق هزيمة رمزية ضد جنوب أفريقيا حينها.
و تمّ الترويج للأمر في ذلك الوقت باعتباره انتصاراً على الانقسام والإيديولوجية العنصرية للفصل العنصري، كما واصل في تعزيز سمعة كوبا بكونها "الحصن المنيع ضد الامبريالية"، ناشرة المُثُلَ الاشتراكية في جميع أنحاء العالم الثالث، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت لتدخلات أخرى عواقب أكثر سلبية.

فقد شهد دعم الحكم القمعي لهيلا مريم منغستو في إثيوبيا خلال أواخر السبعينيات والثمانينيات عواقب مروعة بالنسبة للأثيوبيين لتخرج عن نطاق المجاعة الناجمة عن سوء إدارة النظام للزراعة في البلاد.
فقد تمّ وضع الملايين في وحدات الزراعة الجماعية، و ترددت أصداء عن وقوع عمليات إعدام جماعية للأطفال المتّهمين بأنهم "عملاء للثورة المضادة"، أما بالنسبة لسوريا فلربما كانت قضية أخرى من المسألة:

-التحالف المناهض للإمبريالية:

على الرغم من تقلص الأممية الكوبية بشكل كبير في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور أزمات الاقتصاد المحلية في الثمانينيات، تمتّع كاسترو بعلاقة وثيقة مع عائلة الأسد حتى بعد تنحيه عن منصبه في عام 2006، تحالف لفّقَ من وثائق التفويض والأجندات المعادية للإمبريالية المتبادلة، والتي بدأت ما بين كاسترو ووالد بشار الأسد -حافظ الأب، تحالف كانت فيه كل من هافانا ودمشق - وهما البلدان ذوات الدخل المتوسط المنخفض - تتشاركان بالدعم الخطابي والدبلوماسي والعسكري.

وبعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في عام 1970، بين عامي 1973 و 1975 قام كاسترو في لفتة رمزية منه- بإرسال لواء دبابات كوبي إلى سوريا في أعقاب انتصار إسرائيل في حرب يوم الغفران، حيث كان يتمركز اللواء حينها بشكل استفزازي على موقع عسكري يطل على هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل.

وفي وقت لاحق، وتفصيلاً في أعقاب تدخل جيش نظام الأسد في لبنان منذ عام 1976- وما ترتب على ذلك من 30 سنة من الاحتلال، لم تبد كوبا حينها أي اعتراض علني على تصرفات حليفها، على الرغم من الانتقادات الدولية الواسعة، وما تردد من الحيرة في داخل الأوساط الرسمية الكوبية.

وفي عام 1985 وصف حافظ الأسد التحالف الكوبي-السوري بـ :"الإنتاجي والمفيد لكلا الشعبين في نضالهما المشترك ضد الامبريالية العالمية وحلفائها"، في حين استمرّ تحالف كوبا مع نظام البعث في دمشق ما بعد موت حافظ الأسد وحتى يومنا هذا، فبعد تنحيه عن منصبه في عام 2006 بسبب اعتلال في الأمعاء هدد حياته، التقى كاسترو ببشار الأسد في كوبا عام 2010، كما سبق ذلك زيارة كاسترو لبشار الأسد في عام 2001.

وبعد عامين من اندلاع الحرب في سوريا، حذّر كاسترو من التدخل الغربي في سوريا واصفاً بأن إجراءات واشنطن قد تبدأ مرحلة "إبادة جماعية ضد الشعب العربي"، وبالنظر إلى الأمر على أرض الواقع، فقد عمد نظام الأسد في سوريا على القيام بـ"إبادة جماعية" من صنع يديه.

وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة قد توقفت منذ فترة طويلة عن محاولة حساب أعداد الضحايا الذين قتلوا في الحرب السورية، في فبراير/شباط إلا أن المركز السوري للدراسات السياسية قد قدر بأن 470،000 شخص كانوا قد قتلوا، أي ما يعادل 11.5% من سكان البلاد قبل الإبادة.

-كاسترو: مصدر إلهام أيديولوجي في دمشق:

كوبا، مثل كل من إيران وروسيا والصين، الزميلة في القوى "المناهضة للإمبريالية"، حافظت في أقل تقدير على الدعم الخطابي لنظام الأسد، كما أفيد بأنها قامت حتى بإرسال مسؤولين عسكريين إلى سوريا لتقديم الدعم اللوجستي لجهود حرب النظام !

وعلى الرغم من أن كاسترو قد تقاعد على نحو متزايد من الحياة العامة بعد عام 2006، فقد تم التمسك به كمصدر إلهام أيديولوجي من قبل نظام الأسد في الوقت الذي تغمر فيه دماء الحرب جميع أنحاء البلاد.

ومتحدثاً في يوليو/تموز من هذا العام خلال مؤتمر صحفي يدعو لعلاقات ثنائية أقوى مع كوبا، وصف بشار الأسد كاسترو بأنه "رمز للنضال من أجل الاستقلال"، وفي وقت لاحق، خلال عيد ميلاد كاسترو ال 90 في أغسطس/آب، سارع التلفزيون الرسمي السوري للاحتفال بإنجازات الزعيم الكوبي!!

ومن المفارقات الغريبة جداً بل واللّامنطقية، مقارنة المفتي العام لنظام الأسد أحمد بدر الدين التحديات التي تواجه نظام الأسد بتلك التي واجهت كاسترو خلال الثورة في كوبا، قائلاً: "لمدة ست سنوات، كانت فيها سوريا تدفع ذلك الثمن الذي دفعته كوبا منذ 50 عاماً عندما أرادت الولايات المتحدة قصفها بصواريخها، وغزوها واجتياحها، وترويع شعبها، ولكن كوبا ظلت راسخة وقاومت"، مضيفاً في كلمته تلك: "إن كوبا تعتبر بالنسبة للعالم أجمع وللإنسانية جمعاء، المثال الأسمى للحرية، كما أن العالم قد أدرك بأن سوريا تمر الآن بتجارب مماثلة لتلك التي مرت بها الأمة الأمريكية اللاتينية"!

كما نرى اليوم في رحيل الزعيم الكوبي فيديل كاسترو كيف نُعِيَ بواسطة أربعة من أشدّ ديكتاتوريات العصر، الديكتاتور الفنزويلي نيكولاس مادورو خليفة الديكتاتور الأسبق الراحل هوغو تشافيز، وزعيم عائلة المافيا السورية بشار الأسد، ففي حين أن الدولة السورية والكوبية تشتركان بعدد من الاحتياجات المشتركة كدولة، تحالفت كلا الدولتان منذ فترة طويلة على الساحة الدولية، للمضي قدماً في جدول أعمال الحلفاء مثل الصين وروسيا في الأمم المتحدة، بينما أخذ الدكتاتور المحاصر بشار الأسد بعض الوقت المستقطع عن حربه الدموية لإبادة شعبه يوم السبت للثناء على كاسترو واصفاً إياه بـ "الزعيم العملاق الذي قام طوال عقود بقيادة نضال بلاده وشعبه ضد الإمبريالية وهيمنتها بكل كفاءة وقدرة"، و أضاف الديكتاتوري الأسدي بأن "مقاومة الزعيم الكوبي باتت أسطورة ومصدر إلهام لجميع قادة وشعوب العالم"، قبل أن ينهي نعوته قائلاً بأن: "اسم فيدل كاسترو سيبقى محفوراً في أذهان جميع الأجيال، ومصدر إلهام لجميع الشعوب التي تسعى لنيل الاستقلال الحقيقي والتحرر من براثن الاستعمار والهيمنة".

وكذلك كان الأمر بالنسبة للديكتاتور الروسي المنبعث من ركام أنقاض الاتحاد السوفييتي، والذي استولى على السلطة لسنوات طويلة، ولا يبدو بأن لديه أي نية للتقاعد القريب، فقد نعى زعيم المافيا الروسية فلاديمير بوتين الراحل كاسترو مشيراً بأن كاسترو قد بنى وحلفاؤه "كوبا حرة ومستقلة"، كما أضاف على حد زعمه بأن كاسترو "أصبح عضواً مؤثراً في المجتمع الدولي، وبات مثالاً ملهماً للكثير من الدول والشعوب"، قبل أن يضيف في كلمته التي قرأها: " لقد كان فيديل كاسترو صديقاً مخلصاً ويمكن الاعتماد عليه من قبل روسيا، حيث قام بتقديم مساهمة ضخمة في إنشاء وتطوير العلاقات الروسية-الكوبية، لتصبح شراكة استراتيجية وثيقة في جميع المجالات، لقد كان شخصاً قوياً وحكيماً، دائماً ما واجه المستقبل بثقة، وبرهن المثل العليا بالنسبة للسياسي، والمواطن الوطني، كما أصر على المضيّ في الطريق الصحيح، والذي ضحى من أجله طوال حياته".
وكذلك كان الأمر بالنسبة للديكتاتور الشيوعي الصيني -تشي جين بينغ والذي قال في نعوته بأن "الزعيم الكوبي الراحل قام بإسهامات تاريخية خالدة في تطوير الاشتراكية العالمية" قائلاً بأن: "رحيل فيديل كاسترو سيجعل الشعب الصيني يفقد رفيقاً وثيقاً وصديقاً مخلصاً، ستبقى صورته المجيدة وانجازاته العظيمة في التاريخ".
إن إرث كاسترو، كإرث أقوى سياسيي القرن ال20، متعدد الأوجه وسيبقى نزاعاً لسنوات قادمة، بالنسبة للمؤرخين والمحللين لإبراز أمثلة التدخل الأجنبي في كوبا، ولكن كما يتضح من إحياء ذكرى ميلاد القائد الكوبي ال90 في دمشق هذا الصيف، فقد تم بالفعل تخصيص الأمر لأغراض معينة ولدعم وجهات سياسية معينة.
ففي حالة الإيديولوجيّين في دمشق، فإن إرث الزعيم الكوبي يستخدم لتبرير دور النظام في الصراع الذي كان فيه المذنب والمسؤول عن إراقة الغالبية العظمى من الدماء، بدعم من روسيا المنبعثة، في الوقت الذي تقف فيه الولايات المتحدة وحلفائها "الإمبرياليين" متنحّين جانباً، مكتوفي الأيدي إلى حد كبير.

مقالات ذات صلة

"التحقيق الدولية": سوريا مسرح لحروب متداخلة بالوكالة

الإعلام العبري يكشف هوي منفذالغارات على دير الزور

ما الأسباب.. شركات دولية ترفض التعامل مع معامل الأدوية السورية

الشرق الأوسط: إعادة اللاجئين السوريين يجمع ما فرقته السياسة في لبنان

رأس النظام يتسلّم دعوة للمشاركة بالقمة العربية في البحرين

أمريكا تفرض عقوبات على كيانات وأفراد يدعمون الأسد