ترامب كبوتين والأسد.. لا يرى من وجود للشعب في سوريا - It's Over 9000!

ترامب كبوتين والأسد.. لا يرى من وجود للشعب في سوريا

سيريا اوزبرفر-(ترجمة بلدي نيوز)

يتم حالياً اغتيالُ مدينة حلب، بإبادة دمويّة بطيئة، وبرعاية من أعلى المستويات: فلاديمير بوتين وباراك أوباما ودونالد ترامب وعلي خامنئي وبنيامين نتانياهو، وعلى مرأى من أعين الجميع، في حين أنّ العرب والأوروبيّون والعالم أجمع يقرّون بالعجز التام والهوان، حيث تقوم الآن كل من روسيا ونظام بشار الأسد والإيرانيون بشقّ طريقهم نحو إنجازهم الكبير.
وعندما بدأ الروس بحملة التدمير المنهجي للمدينة قبل شهرَين، لم يتوقّعوا أبداً ردود الفعل التي أدانت “جريمة حربهم”، فحاولوا أولاً التنكّر بـ “شرعية” محاربة الإرهاب، ومن ثم أوحوا بتقاسم المسؤولية مع الأميركيين أو إلقاء اللوم عليهم لأنهم “لم ينجحوا في فصل المعتدلين عن المتشدّدين” في صفوف مقاتلي المعارضة، وبعدئذ فضّلوا تغيير كامل تكتيكِهم، لا لسبب أخلاقي أو إنساني على الإطلاق، بل لأن الهجوم البرّي لاقتحام دفاعات المعارضة لم ينجح معهم، وخلال الهدنة التي أعلنوها، ومدّدوها مراراً وتكراراً، لم يكونوا يتوقّعون من أولئك المحاصَرين في داخل حلب سوى الاستسلام والمغادرة الفورية، لا الروس ولا حلفاؤهم يقبلون بأن يبقى مدنيّ واحد في المدينة، في حين أنهم لم يقوموا بفتح أي ممرات آمنة بمعايير الأمم المتحدة لإقناع المدنيين بالخروج، ولا سمحوا بإدخال المساعدات الإنسانية إليهم، فلطالما كانوا يبحثون عن مجزرة كبرى، عن إبادة فعلية.
وخلال الهدنات الروسية، طرأ تغيير مهمّ، لقد انتُخب ترامب كرئيس للولايات المتحدة، وابتهجت كل من روسيا ودمشق بينما لم تعلن طهران عن مشاعرها الحقيقية، فما يناسب حليفَيها في سوريا سيناسبها أيضاً، ثم إنها منهمكة بتعميق وجودها في سوريا عبر شراء العقارات واستكمال حصارات التجويع في المناطق المحيطة بدمشق، وأمّا بشأن مشاكلها مع واشنطن بشأن الاتفاق النووي وغيره فهي قادرة على إدارتها سياسياً.
و كان ترامب قد صرّح خلال حملته بأنه مستعدّ للعمل مع بوتين لبناء تعاون بين الدولتين، ولكن ما ظهر بعدئذ لفت إلى أن ما بين الرجلين قنوات اتّصال عميقة أكثر من مجرد كلمات طيّبة، في حين تضمّن الابتهاج بفوز ترامب إسرائيل أيضاً، فلا بد من أن تقارب بوتين ونتنياهو قد فعل فعله في كواليس الرئيس المنتخب وبعض عائلته فضلاً عن يد “اللوبي اليهودي”.
إن ثمّة اتصال وتواصل منطقيان جداً بين جميع هذه العناصر، والتي أنتجت هذه المقاربة “الترامبية” المبكّرة لروسيا بوتين، وعلى رغم أنها لا تتماشى كلّياً مع التوجّهات الأساسية للحزب الجمهوري.
وفي الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، اتصل بوتين بترامب، و كان هذا الاتصال هو الاتصال الرسمي الثاني بينهما، حينها أفاد الكرملين رسمياً بأنهما تحادثا عن “ضرورة توحيد جهودهما في محاربة الإرهاب”، وبحثا في “سبل تسوية الأزمة السورية”، وأما بالنسبة للترجمة الفورية لهذه اللغة الخشبية فهي تقول بأن بوتين أبلغ ترامب بأن معركة حلب ستُستأنف، لم يستأذنه طبعاً، ولكنه شرح تكتيكه الجديد: إن روسيا ستخوضها جوّاً كالعادة، ولكنها ستتوارى إعلامياً وراء نظام الأسد، طالما أن الأخير غارقٌ في سمعته الدموية، وفي اليوم التالي أي الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر بدأت الحملة الجديدة على مدينة حلب، وفي ذلك اليوم قال الأسد في لقائه مع التلفزيون البرتغالي: “إذا ما كان ترامب يرغب بمحاربة الإرهابيين فسنكون حلفاء طبيعيين له مع الروس والإيرانيين”، إن هذا يعكس تصريحات ترامب العديدة التي قال فيها بأن الأسد ليس مشكلته وإنما تنظيم الدولة، وبأنه لن يدعم تسليح المعارضة، وهو الذي كان قد وصف حلب في إحدى المناظرات مع منافسته هيلاري كلينتون، بأنها “كارثة إنسانية، ولكن المدينة كانت قد سقطت في الأساس”.
إن ما يتوقّعه ترامب الآن وما وُعِد به على الأرجح هو أن بوتين و ”حليفه الطبيعي” -الأسد- بالإضافة إلى الإيرانيين ومليشياتهم، سينتهون من عملية حلب قبل مباشرته لعمله في البيت الأبيض في 20/01/2017، وهذا يعني رمزياً وفعلياً بأنّه قد منحهم الضوء الأخضر للإجهاز على المدينة، وأصبح مع أوباما شريكين لبوتين في أبشع مرحلة مرّت بها سوريا في تاريخها الطويل جدّاً!

ولم يعد هنالك معنى لكل الانتقادات والإِدانات التي توجّهها الإدارة الحالية إزاء القصف الحالي، فلا الأمم المتحدة ولا قناة الاتصال الأميركية–الروسية التي يقال بأنها لا تزال فاعلة، ولا اتصالات كيري-لافروف، ولا أي جهة على الإطلاق، لمّحت إلى بحث هدنة “حقيقية” أو وقفٍ شامل لإطلاق النار، وأما عن حصيلة الأيام الأولى فتجاوزت بضع مئات من الضحايا قضى العديد منهم في القصف المركّز على المستشفيات التي لم تعد أي منها في الخدمة، لذا فإن أكثر من ألف جريح لا يجدون من يهتم بهم، في حين أن الكثير منهم أصيبوا بأسلحة محظورة دولياً كالقنابل الفوسفورية أو العنقودية أو قذائف الكلور المعبّأة في البراميل المتفجّرة، وقد لا يختلف مصيرهم عن المئات الذين سقطت الأبنية على رؤوسهم فقُتل مَن قُتل منهم وظلّ الآخرون عالقين تحت الأنقاض فيما فَقَدَ الدفاع المدني “ذوو الخوذ البيضاء” قدرتهم على الإنقاذ بعد استهداف مراكزهم وأفرادهم، وبعدما وُزِّعَت آخر المُؤنِ الغذائية فقد انعدمت آخر سبل العيش، وبات الأسد الآن ينتظر دعم “حليفه الطبيعي” الثاني: حصار التجويع.
لقد بات واضحاً الآن لماذا كان الأمر متاحاً على مصراعيه وبشكل دائم لـ ”الحليف الطبيعي” لترامب و “الحليف الموضوعي” لأوباما، لأن يلقي ببراميله المتفجّرة على شعبه، ولم يكن من الممكن أبداً إلقاء أي مساعدة إنسانية إلى المحاصرين في حلب وغيرها من المدن الأخرى، إذ إنه أكبر تحالف “جهنّمي” اجتمع فيه الأعداء والمتضادّون ليمنعوا شعب سوريا من نيل حريته وحقوقه، وجعلوا ثمن بقائه على أرضه هو أن يرضى بالحاكم المستبدّ الدمويّ المجرم والذي كان الترخيص الدولي والإقليمي لبقائه يقوم على ضمانه أن شعبه غير موجود البتّة، لذلك فهو لا يريد حلب وحلفاؤه جميعاً لا يريدونها، سوى أكوامٍ من الركام ليس إلّا.
إن كلّاً من ترامب وبوتين يتصرّفان كما لو كان بينهما تفاهم مسبق ويتعجّلان في تفعيله، بل يبدو بأن بوتين لم يعد راغباً في العمل مع الإدارة الحالية، لأن هناك كما يبدو استحقاقات معينة أو تحديداً لأن مجزرة حلب لا تستطيع الانتظار لشهرين إضافيين، وعلى نحوٍ مجاني ومتزايد يبدو بأن ترامب قد سلّم سوريا إلى الدب الروسي، وحتى قبل أن يتسلّم مهامه في المكتب البيضوي، لقد فعل ترامب ما تفادَى سَلَفَه أن يفعله على الرغم من أنه ارتكب أفدح الأخطاء في سوريا.
فلا أحد في المنطقة العربية سيحنّ إلى أيام أوباما أو سياساته، ولكن ما سيُفتقَدُ على الأرجح هو ذلك الحد الأدنى -ولو الوهمي- من القيم والأهداف، هذا على الأقل ما يبدو أن أنجيلا ميركل قصدته عندما انتهزت وقوفها إلى جانب أوباما لتقول مخاطبةً ترامب: “إن الأسد لا يمكن أن يكون حليفاً لنا”، ولتشرح أيضاً أن الأسد مسؤول عن الإرهاب وعن معاناة اللاجئين الذين اجتاحوا ألمانيا، فـ “معظمهم هرب من الأسد وليس من تنظيم الدولة”. ولا شك بأن الأوروبيين سيفضّلون شكواهم المريرة من “بلادة” سياسات أوباما على الشكوك العميقة التي تنتابهم حالياً إزاء استخفاف ترامب ونيّاته “الانقلابيّة”.
إن سؤال “وماذا بعد حلب”، كالسؤال “وماذا بعد الموصل” أو ”وماذا بعد تنظيم الدولة”، إذ أنه لا يُطرح بحثاً عن حلول سلمية استقرارية تأخذ في عين الاعتبار مجتمعات البلدَين ومكوّناتهما، بل للانكباب على رسم حدود وخرائط للصراعات والتوتّرات، وبالتالي للوصايات الخارجية المستدامة، لقد كان أوباما يبرّر تلكّؤه في مساعدة المعارضة السياسية والعسكرية بأنه لا يعرفها جيداً وبخشيته من جماعات الإرهاب، ولكن تردّده أتى بتنظيم الدولة، وعندما أراد ضربه جاءت روسيا لمشاركته وللسير بالأزمة السورية نحو حل يصب في مصلحتها، ولكنها لم تحارب الإرهاب بل أجّجت نار الصراعات المذهبية، في حين أنها تخوض الحسم العسكري لمصلحة الأسد، لذا فمن غير المستغرب أن يبدأ ترامب “من الآخِر”، فهو قد أعفى نفسه من محاربة الأسد خشية أن يؤدّي الأمر إلى مواجهة مع روسيا، ولكنه مصمّم على محاربة تنظيم الدولة.
إن الفارق هو أن ترامب -خلافاً لأوباما- لا يرى أي مشكلة ولا عار أخلاقيّ في إبقاء الأسد، بل وحتى التحالف معه، فإنه مثل بوتين والأسد وخامنئي لا يعترف مطلقاً بأن هنالك شعب في سوريا.

- عبد الوهاب بدرخان - كاتب صحفي ومحلل سياسي يعيش في لندن، حائز على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام من جامعة باريس، عمل محرراً في جريدة النهار ثم انتقل إلى جريدة الحياة منذ إعادة صدورها من لندن 1988، ثم عمل مديرا لتحريرها ونائباً لرئيس التحرير، له أبحاث جامعية متخصصة في تحليل
أوضاع الصحافة العربية

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا