بلدي نيوز - (نور مارتيني)
انطلقت منذ أسابيع المرحلة الثانية من عملية "درع الفرات" -والتي تهدف للسيطرة على مدينة الباب شمالي شرقي حلب- بالتزامن مع محاولة ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" التقدم باتجاه الباب من جهة مدينة عفرين مستغلة انسحاب تنظيم "الدولة" من 13 قرية وتسليمها لـ"قسد" دون قتال، في الوقت الذي يحشد فيه نظام الأسد قواته في محيط مطار كويرس العسكري قرب الباب وفي الشيخ نجار خاصة بعد سيطرته على مدرسة المشاة بعد تسليمها من قبل التنظيم لقوات النظام دون قتال.
لمدينة الباب أهمية كبيرة، من حيث موقعها الجغرافي المتاخم للحدود الإدارية لمحافظة الرقة، معقل تنظيم "الدولة"، وبالتالي فالسيطرة عليها، تعني إطباق الحصار على محافظة الرقة، وعزلها بشكل تام، وهي الخطوة الأولى التي يجري الحديث عنها، قبيل بدء معركة السيطرة على الرقة، ما سيمنح المنتصر فيها مزايا إضافية، دولياً، نظراً لدوره المستقبلي في "مكافحة الإرهاب".
وتتذرع ميليشيات "قسد" المدعومة أمريكياً، وقوات النظام المدعومة روسياً وإيرانياً، بيافطة "مكافحة الإرهاب" كعنوان عريض للعملية برمتها؛ فروسيا تسعى جاهدة لإطلاق هذه المعركة، وتوضح أن التحضيرات قد استكملت تماماً بانتظار ساعة الصفر، من منطلق أن حليفها الأسد هو صاحب "الحق في الحفاظ على الأراضي السورية"، ولهذا ينبغي أن يكون من يباشر المعركة.
بدورها، تسعى ميليشيات "قسد" التي تشكل "الوحدات الكردية" عمادها الأساسي، التقدم باتجاه الباب، لربط كانتوني "عفرين" شمال غرب حلب، و"عين العرب" شمال شرق حلب، ببعضهما، تمهيدا لإعلان "روج آفا" وسلخ الشمال السوري.
من جهة أخرى، تحاول تركيا جاهدة أن تكون هي من يتصدّى لهذه المعركة، لمنع الميليشيات الكردية من تشكيل امتداد جغرافي موحّد يسمح بقيام دويلتهم المنشودة شمال سوريا، فالمتحكم بمنطقة "الباب" هو من سيمنع التواصل بين وحدات الحماية الموجودة في عفرين، وبين مثيلاتها في مدينة منبج غربي نهر الفرات، سيما وأن أحد مراكز الأبحاث الكردية، كان قد نشر قبل بضعة أعوام خارطة تظهر المناطق التي يطمح الأكراد للسيطرة عليها، بغية تشكيل دويلتهم، والتي تمتدّ من قرية "عين ديوار" التابعة لمدينة "ديريك" في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرقي سوريا، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء إسكندرون". وهو ما يفسر سبب استماتة ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكياً للسيطرة على مدينة الباب، لأنها العقدة التي ستشكل همزة الوصل بين المناطق الكردية.
غير أن تركيا، -فيما يبدو- قد بدأت فعلياً باستكمال عملية "درع الفرات"، حيث باشرت منذ يومين قصف أطراف مدينة الباب تمهيداً لاقتحامها، وهو ما سيقلب الموازين على كل من نظام الأسد الذي كان يؤمّل النفس باستعادة هيمنته على كامل الأراضي السورية، وعلى الأكراد الذين كانوا يعوّلون على الدعم الأمريكي اللامتناهي في عهد الرئيس "أوباما"، غير أن كل المؤشرات توحي بأن وصول "دونالد ترامب" جاء في مصلحة تركيا.
حول رؤيته لأهمية معركة الباب، يقول الناشط الإعلامي أحمد بريمو: "لمدينة الباب أهمية كبيرة على الصعيدين الاستراتيجي والثوري"، وأوضح أن أهميتها الاستراتيجية تأتي من كونها تقع على الطريق الواصل بين ريف حلب الشرقي ومدينة الرقة، أهم مناطق تنظيم الدولة، وبالتالي فالسيطرة على مدينة الباب تعني قطع دابر تنظيم الدولة نهائياً.
وأضاف "بريمو" في حديثه لبلدي نيوز: "بالسيطرة على مدينة الباب، تحاصر داعش في مناطق متفرقة في محيط المدينة، ما سيرغمها على الانسحاب والتجمع في محافظة الرقة، سيما وأن التنظيم حين انسحب قبل قرابة الثلاثة أعوام من مدينة حلب والريف الشمالي، تمركز في مدينة الباب، والتي تعتبر عاصمة ولاية حلب بالنسبة للتنظيم، ومن هنا تتأتى أهمية المدينة استراتيجياً".
وأشار "بريمو" إلى أن مدينة الباب تقع على خط الإمداد الرئيسي بين حلب-الرقة وصولاً إلى ريفي حلب الشرقي والشمالي.
وبيّن الناشط الإعلامي "أحمد بريمو" أن "الأهمية الثورية للمدينة تنبع من كونها خزاناً بشرياً بالمعنى الحقيقي للكلمة". ويشير إلى أن "مدينة الباب كانت عبارة عن حاضنة شعبية للثورة السورية، فمعظم حملة السلاح هم من أبناء مدينة الباب وضواحيها وأريافها، كما أن نسبة كبيرة من ناشطي مدينة حلب وإعلامييها وثوارها ينتمون إلى هذه المدينة التي يعدّ حراكها هو الأهم في محافظة حلب".
وأعلنت تركيا عن إطلاق المعركة، قاطعة الطريق على الجميع، سيما وأنها تمتلك الجغرافيا، والعناصر الذين درّبتهم لمثل هذه العمليات، وبانتظار حسم معركة الباب، تبقى الرقة تنتظر المصير الأسوأ، بعد توافد المزيد من عناصر تنظيم الدولة الفارّين من مدينة الباب إليها.