بلدي نيوز – (ياسر الأطرش)
بذلت روسيا كل ما بوسعها، عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، للتخلص من عقدة المدنيين في أحياء حلب الشرقية المحاصرة.
بداية، لجأ بوتين - كعادته- إلى الحل الدموي، فعملت طائراته على تدمير البنى التحتية والمرافق الصحية والخدمية من مستشفيات ومراكز كهرباء ومياه، لجعل الحياة مستحيلة في المدينة، مع إطباق الحصار ومنع تدفق أي إمدادات غذائية أو صحية، إلا أن مدنياً واحداً لم يبرح بيته، بل زاد ذوو الشهداء إصراراً على التشبث بأحيائهم ومدينتهم.
ومع اليأس من تهجير السكان بالضغط العسكري، لجأت موسكو إلى "الحيلة الإنسانية" إرضاء للمجتمع الدولي من جهة، ولتحقيق مأربها الأول بتهجير المدنيين من جهة أخرى، ومع بداية الهدنة يوم الخميس 20 أكتوبر الحالي وإعلانها من طرف واحد، هو الطرف الروسي، ومن ثم تمديدها من طرفه أيضاً حتى يوم السبت الفائت، لم يغادر مدني واحد من المعابر الستة التي أعلن عنها نظام الأسد، على الرغم من الإغراءات التي قدمها إعلامياً لمن يعلن انهزامه وقبوله بالتهجير.
فما كان من بوتين إلا أن أعلن يوم أمس الخميس أن لا مفر لروسيا من القضاء على الثوار في حلب، ومن معهم من المدنيين، مستدلاً بمصرع مدنيين في كل الحروب التي يخوضها التحالف الدولي في أنحاء العالم، فيما بدا تهديداً ووعيداً لتخويف سكان حلب أملاً كسر إرادتهم.
ومع إعلان الثوار اليوم بدء "ملحمة حلب الكبرى" لفك الحصار عن الأحياء المحاصرة، والمكاسب السريعة التي حققوها في الساعات الأولى، قال الناطق باسم الكرملين إن الرئيس الروسي رفض طلباً للجيش الروسي باستئناف الغارات على حلب، قائلاً "إن استئناف الغارات على حلب غير ضروري الآن".
فما الذي تغير في معادلة حلب؟.. وهل استطاع الضغط الأوروبي القوي على بوتين تخفيف حدة مواقفه؟.. أم أن يأسه من تحقيق انتصار حاسم وسريع - كما كان يأمل- قد أدى إلى تغيير خططه وتكتيكاته؟..هذا إن كانت قد تغيرت بالفعل.
الباحث والكاتب الصحفي تركي مصطفى، رأى أن تخفيض روسيا طلعاتها الجوية على حلب المدينة منذ إعلانها الهدنة قبل 9 أيام، يعود إلى "الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وحلفائها (نظام الأسد وإيران)، فالإيرانيون يريدون احتلال حلب وتمكين نظام الأسد على كامل المدينة، بينما روسيا تريدها ورقة ضغط على واشنطن وحلفائها لتسوية مشاكل كثيرة بينهم، وكذلك الضغوط الدولية الأميركية والأوربية خاصة أدت إلى رضوخ روسيا خاصة بعد إعلان الناتو محاصرتها في أوروبا".
وأشار "مصطفى" إلى أن "العامل الإقليمي المتمثل في التفاهم التركي - الروسي له دور كبير فيما يتعلق بحلب المدينة، ومنه رفع الحرج عن تركيا حليفة الجيش الحر في درع الفرات الذي أعلن بعض قادته توجهات جدية نحو فك الحصار عن حلب ".
كما أن "تفهم الروس وقناعتهم أن ما يريده الأميركان هو إشغالهم في معركة حلب واستنزاف قدراتهم الجوية، وحقيقة أن حصار حلب لم يغير شيئا من حلب سوى تفاقم الأزمة الإنسانية من خلال حصار أكثر من 300 ألف مدني والتي لا يمكن للروس تحمل أعبائها أمام إدانات المجتمع الدولي".
وختم الباحث "تركي مصطفى" حديثه لبلدي نيوز بأن السبب الجوهري هو "أن حلب خارج خريطة سوريا المفيدة التي يهتم بها الروس" .
لذلك رفض بوتين طلب وزارة الدفاع تجديد قصف حلب المدينة, وبقي الطيران الروسي يقصف خطوط الجبهة الخلفية وطرق الإمداد إرضاء لحلفائه الإيرانيين ونظام الأسد.
ويبقى الدور الأبرز والانتصار الأسمى مسجلاً باسم مدنيي حلب، الذين هم الحاضنة وهم الذين أجبروا العالم – بصبرهم على الموت- على اتخاذ موقف الحد الأدنى من الإنسانية والقانون لستر عورة النظام العالمي المتهالك، الذي عُلقت نعوته على أسوار حلب الصامدة.