بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
تناقش هذه الورقة القواعد العسكرية الأجنبية في سورية في إطار الصراع الدولي بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة, وروسيا وإيران وحلفائهما من جهة أخرى, على هامش الحرب الناشبة في سوريا منذ خمس سنوات ونيف, ونمهد لهذا النقاش باستعراض أهم هذه القواعد, وأماكن تواجدها والغاية منها, وتباين المواقف الدولية, ونسهب في موقف نظام الأسد من التدخلات الأجنبية في سوريا ودوره المحوري بإدخال سوريا في نفق مظلم لا نهاية له.
مدخل
غيرت الثورة السورية الكثير من البديهيات في المبادئ الدولية التاريخية على الصعد كافة الأخلاقية والسياسية والجغرافية خلال خمس سنوات ونيف مرت على سوريا استطاعت دفعها إلى واجهة الأحداث الدولية كميدان تنافس دولي وإقليمي تغلغل إلى العمق السوري من خلال العمل على إجهاض الثورة السورية بدعم نظام الأسد في المحافل الدولية وإمداده بالسلاح وإنقاذه من المساءلة القانونية الدولية, وصولا إلى إعلان روسيا وحليفتها إيران التدخل المباشر في سوريا من خلال بناء قواعد عسكرية في مناطق نفوذ نظام الأسد الطائفي, وتلتها الولايات المتحدة ببناء قاعدتين عسكريتين في مناطق نفوذ حزب العمال الكردستاني الانفصالي في شمال شرق سوريا، وكذلك أسست بريطانيا قاعدة عسكرية لها في منطقة المثلث السوري بالقرب من الحدود العراقية الأردنية, لتصبح سوريا مركز تغيير خارطة المنطقة وربما العالم.
وأهم هذه القواعد
أولا: القواعد العسكرية الروسية في مناطق الأسد الطائفية
حصلت روسيا على أول القواعد العسكرية في مناطق نفوذ نظام الأسد في كل من طرطوس واللاذقية وحماة. ومهمتها ذات أبعاد إستراتيجية تشمل ابتزاز الولايات المتحدة سياسيا, والحفاظ على نظام الأسد الآيل للسقوط, وتدمير المدن والبلدات السوري, ومراقبة حركة الطائرات وأنواعها وقدراتها وفاعليتها، إضافة للأسلحة غير التقليدية التي تنشرها روسيا في سوريا، وبخاصة الصواريخ البالستية و الصواريخ البعيدة المدى، كرسالة تهديد جديدة ضد حلف الناتو مستغلة تخبط إدارة أوباما في ملف المنطقة. وأهم القواعد الروسية
-قاعدة مطار حميميم الجوية الروسية في اللاذقية
يقع مطار "حميميم" في ريف اللاذقية، على بعد حوالي 15 كيلومتر من القرداحة في منطقة ذات أغلبية طائفية علوية، تعادل المساحة الإجمالية للمطار قرابة 1.6 مليون متر مربع، ومساحة ساحاته حوالي 82 ألف متر مربع، وطول مهبطه 2800 متر. تم توسيعه بالعرض والطول كي تهبط عليه طائرات أنطونوف أكبر الطائرات الروسية التي تحمل دبابات ومدافع، كذلك طائرات سوخوي 35s وهي من أهم الطائرات الروسية، وتم بناء مبان للضباط والمهندسين والتقنيين، كما تضمن المطار رادارًا تقنيا بأحدث الأجهزة ليلاً نهارًا، صيفًا وشتاءً, ويقزد القاعدة جنرال روسي, وتم تركيب صواريخ أرض جو - روسية للدفاع عن المطار وكل المناطق المحيطة به، كما قامت روسيا بشحن مساكن جاهزة ومحطة مراقبة جوية للنقل إلى المطار .
وأصبحت هذه القاعدة مصممة لقتل الشعب السوري الثائر وتدمير المدن والقرى من خلال العمليات القتالية الجوية الروسية التي تنطلق من هذه القاعدة .
- القاعدة البحرية الروسية في طرطوس
تقع هذه القاعدة بالقرب من مدينة طرطوس الخاضعة لنظام الأسد الطائفي، مجهزة بثكنات ومباني تخزين ومستودعات عائمة وباخرة صيانة .
وتعتبرها موسكو نقطة إمدادات ومساعدة تقنية ذات أهمية إستراتيجية، ويعدها بعض المراقبين الغربيين قاعدة أساسية للتجسس في الشرق الأوسط . وتعد نقطة انتشار روسيا الوحيدة في البحر المتوسط, وتشكل نقطة وثوب إستراتيجية إلى ممرات ومضائق بحرية حيوية مثل مضيق البوسفور وقناة السويس, وتتيح القاعدة إمكانية مراقبة تحركات قوات حلف الناتو .
- القاعدة العسكرية الروسية في حماة
تنبهت روسيا لأهمية المدينة كموقع جغرافي متوسط، وقربها من المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد في ريفي حماة وحمص، فاتخذت مركزاً لها في وسط مدينة حماة، في حيِّ الصابونية، وبالتحديد نادي الفروسية سابقاً، الذي كان تابعاً لفرع أمن الدولة ورفعُ العلم الروسي فوق البناء بشكل علنيٍّ، وأطلق عليه اسم مركز الإيواء الروسي .
وطلبت روسيا من القوات الإيرانية المتواجدة في اللواء 47 الواقع جنوبي حماة إخلاء اللواء لتحويله إلى معسكرٍ كبير للقوَّات الروسية في مدينة حماة, ثم بنت قاعدة عسكرية بالقرب من المعهد البيطري في قرية خطاب بريف حماة الشمالي .
ثانياً: القواعد الأمريكية في مناطق النفوذ الكردي في الشمال السوري
اختارت الولايات المتحدة الأكراد شريكا لها في سوريا لمحاربة تنظيم "الدولة", وقدمت لهم دعما عسكريا ولوجستيا وغطاء جويا في كل معاركهم, وظهر للعلن بناء قاعدتين عسكريتين للولايات المتحدة في مناطق نفوذ الأكراد، هما:
- قاعدة رميلان الأميركية العسكرية: تقع أقصى الشمال الشرقي من سوريا بالقرب من الحدود العراقية، تم إنشاؤها في تشرين الأول عام 2015 م، ونقلت واشنطن كتيبة من قواتها الخاصة إلى هذه القاعدة لتقديم الدعم اللوجستي للعمليات العسكرية التي تجري هناك، فضلاً عن استخدامها في هبوط المروحيات وطائرات الشحن لنقل المعدات والذخيرة للأكراد.
- القاعدة الجوية الأميركية في عين العرب: تأتي القاعدة الثانية التي انتهت واشنطن من إنشائها في جنوب مدينة عين العرب "كوباني" السورية، لتشغل حيزا جغرافيا بمساحة 35 هكتاراً بالقرب من قرية خراب عشك، التابعة لمدينة عين العرب.
أنشأت واشنطن قواعدها العسكرية في المنطقة التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية, دون باقي المناطق الأخرى، وهو ما يؤكد حجم الثقة التي توليها واشنطن لتلك الميليشيات، ويتجسد ذلك بحجم التدريب والتزويد بالسلاح .
وانتهزت الميليشيات الكردية تدهور الوضع السوري وظهور تنظيم "الدولة" لتتجه بكل ثقلها نحو الغرب طلباً للمساعدة في "الحرب ضد الإرهاب"، ومما زاد من نفوذهم فشل الضربات الجوية للتحالف الدولي، الذي يحتاج لقوات برية لقتال تنظيم "الدولة"، وهو ما يفسر الدعم الأمريكي للأكراد بتقديم غطاء جوي لهم في الشمال السوري.
وما يثير القلق أن تتحول إلى قواعد أميركية دائمة لتحقيق غايتها في التنافس أو التحالف مع الروس من جهة ولخدمة مشروع الانفصال الكردي من جهة ثانية, وكرسالة لتركيا مفادها أن واشنطن تملك بديلا لقاعدة إنجرليك, وأصبحت القاعدة مكانا مهما لهبوط الطائرات من نوع C 17، C 130 اللوجستية".
ويتوقع أن تؤسس هذه القواعد لحضور عسكري أميركي على المستوى الاستراتيجي، حيث ستكون مهبطا للطائرات من نوع "إف 16 – إف10 " التي تهبط حاليا في قاعدة إنجرليك التركية.
ثالثا: القاعدة العسكرية البريطانية في البادية السورية
قاعدة عسكرية أنشأتها بريطانيا في سوريا عند نقطة التقاء حدودها مع كل من العراق والأردن، ومن مهامها تدريب وتسليح قوات تابعة لها، تنحصر مهامها في محاربة تنظيم "الدولة" في جنوب شرقي سوريا.
تقع القاعدة العسكرية البريطانية في محيط "معبر التنف" الحدودي مع الأردن والعراق، في صحراء الحماد جنوب شرقي محافظة حمص السورية، على بعد 240 كلم من مدينة تدمر، وغير بعيد من الحدود مع الأردن.
ومعبر التنف كان آخر معبر على الحدود العراقية يخضع لسيطرة نظام الأسد قبل أن يسيطر عليه تنظيم "الدولة" في 22 أيار 2015، ثم استولى عليه يوم 5 آذار 2016 مقاتلون بحماية بريطانية دخلوا سوريا من الأردن حيث تم تدريبهم.
ووظيفة هذه القاعدة تدريب وتسليح فصائل "جيش سوريا الجديد"، وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري لعناصرها، لتمكينهم من قتال تنظيم "الدولة" وإنهاء وجوده في الصحراء السورية.
ومن أهدافها أيضا التعاون مع قاعدة عسكرية للقوات الخاصة الأميركية تقع بالقرب منها بين الرقة والحدود العراقية، والتنسيق معها في رصد تحركات تنظيم "الدولة" في المنطقة الحدودية الرابطة بين سوريا والعراق والأردن، إضافة إلى قيام الجنود البريطانيين في القاعدة بأدوار قتالية في بعض الأحيان.
وهذه القاعدة العسكرية، شكل جديد من الاحتلال لأراض سورية لا تقل خطورة عن الوجود الروسي والأميركي والإيراني في سوريا .
وقد استهدفت مقاتلات حربية روسية معبر وقرية التنف في حزيران 2016 أي بعد إنشاء القاعدة البريطانية، واكتفت بريطانيا وحلفاؤها آنذاك بالتنديد باستهداف الروس لمن سمتهم المعارضين، وكان بينهم قوات بريطانية في ذلك المكان.
رابعا: القواعد الإيرانية في سوريا
تقوم إيران منذ انطلاقة الثورة السورية بالقتال إلى جانب قوات الأسد وتوجه دفته وتموّله, ويشارك في الحرب ضد الشعب السوري, الحرس الثوري الإيراني (IRG) وميليشاته كميليشيا "حزب الله" اللبناني, والميليشيات العراقية والأفغانية التي تم نقلها إلى سوريا بأموال إيرانية، وتعتبر إيران المسؤول الأول عن تمويل عشرات الآلاف من المرتزقة الأجانب، والعراقيين، واللبنانيين، والأفغان، الذين جلبتهم للحرب في سوريا. ولولا التدخل الإيراني المباشر لسقط نظام الأسد في السنة الثانية من عمر الثورة, وأصبحتّ إيران هي القوة المهيمنة في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد والتي يحكمها فعليا قاسم سليماني، ويتحمل المقاتلون الإيرانيون ومرتزقتهم كل ثقل الحرب. وتحول جيش الأسد إلى دور المرشد المحلي (جاسوس) ضد الشعب السوري , وقسمت إيران سوريا إلى خمس مناطق عسكرية؛ إحداها مركزية، والبقية فرعية، حيث تخضع كل منها إلى مركز قيادة مختلف.
وأهم القواعد الإيرانية في سوريا:
- القاعدة الإيرانية المركزية العسكرية في مطار دمشق الدولي: تعتبر المقر الرئيسي للحرس الثوري الإيراني داخل مطار دمشق الدولي, يطلق عليه اسم "البيت الزجاجي"، حيث يحظر على قوات الأسد الدخول إليه. وبسيطرتها على المطار الدولي تمكنت من السيطرة على الإمدادات التي تصلها من إيران. وهدفها احتلال العاصمة دمشق ومحيطها, والتغيير الديمغرافي للمنطقة بعد تهجير سكانها وإحلال الشيعة من مختلف الجنسيات مكانهم . وإمداد مختلف المناطق السورية بالمقاتلين الشيعة.
- القاعدة العسكرية الإيرانية في جبل عزان بالقرب من حلب
أنشأ الحرس الثوري الإيراني، نواة هذه القاعدة من مرتزقة الميليشيات الشيعية على السفح الشرقي لجبل عزان جنوب مدينة حلب حوالي 12 كم, وطورت إيران هذه القاعدة في بداية العام 2015 م لتكون أكبر القواعد العسكرية الإيرانية في الشمال السوري, وتضم ميليشيات حزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية, ولواء فاطميون الأفغاني, ولواء القدس الفلسطيني، وهم تحت إمرة قادة الحرس الثوري الإيراني.
وهدفها السيطرة على مدينة حلب, وتمكنت بعد التدخل الجوي الروسي من التمدد العسكري جنوب حلب وشمالها, وأطبقت الحصار الكامل على مدينة حلب بعد الحملة الجوية الروسية التي اعتمدت سياسة الأرض المحروقة .
وهناك عدة قواعد فرعية عسكرية إيرانية في المحافظات السورية، كحمص وحماة ومناطق العلويين والقلمون .
- دور نظام الأسد في إرساء القواعد العسكرية الأجنبية في سوريا
اعتمد نظام الأسد منذ العام الثاني للثورة على الدعم الإيراني بشكل كلي, وبعد التدخل الروسي, انقسم على نفسه بين معتمد على إيران وآخر على موسكو, كما أن التوجه التقسيمي لدى الجانب العائلي الطائفي المهيمن على النظام تجسده تكاثر القواعد الأجنبية على الأرض السورية بترحيب من الأسد لتشاركه في قتل الشعب السوري الثائر, وعدم اعتراضه على القواعد الأميركية والبريطانية إلا بتوجيهات إيرانية روسية, وما حصل من أحداث في مدينة الحسكة بعد أن طردته قوات حزب العمال الكردستاني منها, والقبول بالوساطة الروسية على إبقائه رمزيا في المحافظة مقابل تهجير السكان العرب من الحسكة وريفها, ينطوي على أن أقصى طموح الأسد الفوز بسوريا المفيدة, لذلك عمل من خلال حروبه المستمرة على تحصين طموحه بمناطق مدمرة وأرض محروقة لإضعاف مصادر خطر الثوار عليه. كما أن إيران لم تسهم في تقوية جيش الأسد, إنما أسست ميليشيات طائفية قوامها من حاضنة نظام الأسد مما فرخ كثيرا من الميليشيات التابعة لإيران في منطقة الساحل السوري, وتحول جيش الأسد إلى ميليشيا أقل قوة من ميليشيات إيران. وبالنتيجة بعدما فقد الأسد شعبيته دخل وقواته في شراكة المحتلين, ليصبح وجوده احتلالا داخليا..
- القواعد العسكرية الأجنبية والتنافس الدولي
إن تطور الأحداث السورية جعل المتدخلين في شأنها (روسيا, الولايات المتحدة, إيران, إسرائيل, تركيا) أطرافا متصارعة تتحين الظروف وصولا إلى محاصصات تضمن مصالحها, ولن يتمكن أي طرف من الفوز بسوريا واحدة, لذلك يعملون على تقاسم النفوذ, فإيران التي يهمها بقاء الأسد العميل, عملت بداية على التشهير دوليا بالثورة من خلال تهمة الإرهاب لتبرير القتل الطائفي وإدخال سوريا في حرب أهلية, والبحث عن تسويات سياسية مع الغرب, ومع إسرائيل .
وقبل إعلان روسيا التدخل العسكري المباشر في سوريا, وبناء قواعدها, عرضت على الولايات المتحدة تنازلات في سوريا مقابل تقاسم في أوكرانيا مع رفع العقوبات المفروضة على روسيا والتفاهم على ملفات عسكرية موضع خلاف في أوربا, ولم تحصل روسيا على هذه الصفقة وشرعت ببناء قواعدها, وبدأت عملية قتل السوريين وتدمير مدنهم وبلداتهم, وحاولت روسيا المساومة من خلال تلاعبها بالهدن وشروط التفاوض, ومع اقتراب إدارة أوباما من نهايتها, انتقلت موسكو إلى ذروة التصعيد من خلال نشر صواريخ إستراتيجية في قواعدها العسكرية في سوريا, وصعدت من قصفها لتغيير واقع الملف السوري عسكريا وسياسيا استباقا للإدارة الأميركية المقبلة.
وما تمسك روسيا وإيران بالأسد إلا لتشريع دورهما واحتلالهما لسوريا. وتصعيدهما العسكري في حلب ينطوي على استعجال الإدارة الأميركية القادمة بتسويات سياسية .
في الجانب الآخر أدارت الولايات المتحدة ظهرها للملف السوري وانشغلت بالحرب ضد تنظيم "الدولة" وبنت قواعدها العسكرية في الشمال الشرقي لسوريا لتأمين الدعم العسكري واللوجستي لقواتها العاملة في تلك المنطقة, وكرسالة صارخة للأتراك بإيجاد قاعدة بديلة عن أنجرليك،
دون الاهتمام بمذابح الشعب السوري .
وتقف الأمم المتحدة مع أمينها العام على منوال التفاهم الروسي الأميركي الذي عطل المبادىء العامة والأخلاقية للمنظمة الدولية, وألزم المبعوث الدولي ديمستورا بمراعاة إيران ونظام الأسد على حساب الثورة السورية .
وضمنت "إسرائيل" حصتها دون تدخل عسكري, فأقصى طموحها أن تعترف الدول المتصارعة في سوريا أن الجولان السوري لم يعد محتلا .
وبذلك انتقلت الثورة السورية من المطالبة بالحرية إلى المعركة من أجل الاستقلال .