بيكاسو يرسم عذابات حلب من جديد - It's Over 9000!

بيكاسو يرسم عذابات حلب من جديد

الغارديان –(ترجمة بلدي نيوز)

ما زالت الذاكرة الحديثة تحترق بلهيب لوحة "غورنيكا" للرسام العالمي بيكاسو ، ففي عام 1937 قصفت القوات الجوية النّازية مدينة الباسك القديمة الواقعة على التلال الإسبانية نيابة عن الجانب الفاشي في الحرب الأهلية الإسبانية، و أودى ذلك الهجوم بحياة أكثر من 1600 شخص، و كان ذلك الهجوم وحياً من رعب عمليات القصف التي أصابت المدنيين، والتي سرعان ما أصبحت عرفاً سائداً للحرب العالمية التي اندلعت بعد عامين من ذلك الهجوم.

وقد استعاد هذا الأسبوع الوزير السابق أندرو ميتشل أشباح "غورنيكا" ثانية عندما قارنها بحلب قائلاً : "ما تقوم به روسيا في الأمم المتحدة هو بالتحديد ما فعلته إيطاليا وألمانيا في عصبة الأمم في ثلاثينيات القرن المنصرم"، كما أضاف متحدّثاً في مجلس العموم بأن روسيا: "تفعل في حلب ما فعله النازيّون بالضبط في غورنيكا أثناء الحرب الأهلية الإسبانية".

إن قوة غورنيكا - تجعلنا نرى جرائم عصرنا بشكل أكثر وضوحاً، كما أنها إشادة للفعاليّة الأخلاقية للفن الصادق، إن هنالك سبب يقرّه الجميع بأن لوحة غورنيكا كانت الصورة المثالية لوحشية الحرب، لقد شهدت الحرب العالمية الثانية هجمات جوية إجرامية أكثر بكثير من غورنيكا، ولكن غورنيكا كانت المثال الأكثر تذكّراً على الصعيد العالمي وذلك لأن بيكاسو هو من قام برسمها.

لقد أشار ميتشل لقصف عاصمة إقليم الباسك على سبيل المقارنة أملاً في إيقاظِنا وتنبيهِنا حول ما يحدث في حلب، وفي الوقت ذاته قام رسام الكاريكاتير البرتغالي فاسكو غارغالو، بإعادة رسم لوحة بيكاسو ذاتها ولكن لتصبح متعلّقة بمدينة حلب حيث أدرج وجوه فلاديمير بوتين وبشار الأسد إلى كابوس غورنيكا كما حوّل الحصان "المخوزق" في لوحة بيكاسّو ليصبح رمزاً للولايات المتحدة.

ولكن ... لماذا باستطاعة لوحة "غورنيكا" أن تساعدنا على رؤية الحقيقة في سوريا؟ لقد قام بيكاسو برسم تحفته بسرعة على لوحة كبيرة في مرسمه الخاص في غرفته العلوية في باريس، ومن ثم عرضها في الجناح الإسباني في معرض باريس العالمي لعام 1937، ولكن الأمر لم يمنع من حصول ويلات الحرب الأهلية الإسبانية ولا بإنقاذ إسبانيا من 36 عاماً من حكم الفاشية، لكن وعلى الرغم من ذلك فقد بدت اللوحة اليوم كصورة ذات نبوءة: إذ أنّ كل قنبلة ألقيت على إنسان تجعل من عمقها ومعناها أكثر وضوحاً.

إن غورنيكا ليست لوحة تاريخيّة تقليدية، ولا تسجيلاً واقعياً لما حدث، ولكن الفنّان التكعيبي ذو الرؤية المتنبئة رسمها بأكبر قدر من الثّورية، وحتى بشكل أكثر من الفنانين المعاصرين، إن الجسم البشري ليس ندّاً لتكنولوجيا القصف على الإطلاق، في حين أن بيكاسو يُظهر لنا بالضبط ما يعني ذلك، بقايا المحارب المتمدّد الممزّقة والمتناثرة، ووجه رضيع ميّت من خلال بضع علامات بسيطة مفجعة، في الوقت الذي حوصر فيه أحدهم داخل المبنى المحترق.
ومن خلال عدسات التّجزيء التي يمتاز بها الفنّ التّكعيبي، كان بيكاسو قادراً على جعلنا نرى الاضطّرابات الشديدة والأهوال المصاحبة لها في اللحظة ذاتها، إنه يفرض علينا الاستجابة لها كما لو كانت حقيقية وملموسة، لحظات من العنف الجسدي غير المعقول والألم الشديد، فرضها من خلال استخلاصها من الواقع، غورنيكا تركّز انتباهنا على تفاصيل العمل الوحشي: وجه الطفل الميت، الجسد المتآكل في النار، الأطراف المتناثرة، لقد استطاع بيكاسو أن يرينا البُعدَ الأكبر للإصابة والوفاة، ذلك البعد الذي تتجنبه معظم الصور، وذلك لأن بيكاسو أراد أن يرسم معاناة الإنسان، بدلاً من تموِيه التفاصيل القاسية أو تجنّبها.
في عام 1937 كانت الشجاعة في هذه اللوحة بأنها صرخت بالحقيقة في عصر من الأكاذيب، ذلك العصر الذي لا يزال مستمراً حتى الآن، إن التّشبيه الأبشع ما بين اليوم و 1937 هو أن الحقيقة لا تزال تُسحق بواسطة الأكاذيب والدعاية، نحن الآن في عصر ما بعد الحقيقة، إن سياسيين أمثال بوتين ودونالد ترامب يقولون ما يحلو لهم، في حين أن الإعلام يسبب البلبلة، كل حقيقة مع خلافها، و هناك الكثير من نظريات المؤامرة التي لا أحد يصدق منها أي شيء.

يؤسفني القول بأننا كنا هنّا من قبل، في ثلاثينيات القرن المنصرم ، حين هاجمت آلات الدعاية الديكتاتورية فكرة الحقيقة، و شنّ كلّ من هتلر وستالين حرباً دائمة على الحقائق باستخدام الإذاعة والسينما والرقابة وغسيل أدمغة الجماهير.

لقد عرف بيكاسو بالضبط ما كان يفعله عندما قام برسم الغورنيكا، لقد كان يحاول إظهار الحقيقة بشكل وجدانيّ ودائم، بشكل تستطيع فيه الحقيقة أن تدحضَ كل الأكاذيب اليومية في عصر الطغاة، لقد كانت لألمانيا النّازية وروسيا الستالينيّة أجنحة كبيرة في معرض 1937، حيث تم الكشف عن الغورنيكا، ولكن بيكاسو الرجل الواحد الذي وقف شاهداً على الحقيقة، رسم واقعاً إنسانياً في ذلك الوقت الدّنيء، بشكل فاق كل دعايات الطّغاة.

إننا بحاجة للكفاح من أجل الحقيقة، بتلك الشجاعة التي قام بها بيكاسو، ليست القنابل وحدها من يقتل الناس في حلب، ولكن آلة كذب بوتين تقوم بذلك أيضاً، يجب على الحقيقة أن تدحض دائماً ادّعاءات الطغاة المتعطشين للدماء.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا