كيف يكذب إعلام الأسد على الغرب؟ - It's Over 9000!

كيف يكذب إعلام الأسد على الغرب؟

أتلانتيك كانسل – (ترجمة بلدي نيوز)

في يوم 23 من سبتمبر، أعلنت وسائل الإعلام السورية الرسمية هجوماً جديداً ضد ما أسمتهم ب "الإرهابيين" -المصطلح المعتاد لأي شخص يتواجد في المناطق التي يسيطر عليها الثوار- في شرق حلب، والتي كانت تحت حصار شامل فرضته قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها منذ يوليو/تموز، وفي اليوم التالي لذلك الإعلان، قُتِل نحو 72 شخصاً في غارات جوية لقوات النظام السورية والروسية في حلب، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، كما يُقدر عمال الإغاثة أن حوالي نصف الضحايا كانوا من الأطفال.

وفي اليوم نفسه، أعلن حساب التويتر الإنجليزي لسانا -وكالة الأنباء السورية التي يديرها النظام، بأن "حلب" والتي اعتُبِرَت الآن "المدينة الأكثر خطورة في العالم"، "ما زالت تزدهي بحياتها الليلية المزدهرة"، كما أظهرت لقطات فيديو لشباب سوريين يتراقصون على إيقاعات راقصة في نادي صيفيّ ليلي، حيث جاءت في الثواني الختامية لذلك الفيديو ببساطة: "حلب"، "أهلاً بالصيف" متبوعة بتأريخ "يوليو 2016".

وفي أواخر الصيف، وبينما كثّفت الطائرات الحربية السورية والروسية من حملتها الوحشية غائرةً جويّاً على المدينة، كثفت وسائل الإعلام الحكومية الرسمية أيضاً حملتها "السريالية" بنحو متزايد، تلك الحملة الهادفة إلى الترويج للسياحة في سوريا، وذلك على الرغم من الصراع الدموي والمدمر والذي أودى بحياة 500،000 شخص على الأقل حتى الآن، لقد ظلّت رسائل الحكومة السورية متفائلة بشكل بشع ورهيب، ففي يوم 30 سبتمبر، نشرت وسائل الإعلام الحكومية لقطات جوية مأخوذة بواسطة طائرة بدون طيار، للمشاهد الجميلة، والمناظر الطبيعية لحلب التي لم تقصف، مرفقة باللحن الرئيسي للمسلسل الإنجليزي الشهير "لعبة العروش" معزوف على العود، تحت عنوان "حلب ... إرادة الحياة"، الأمر الذي وصفه تقرير ال CNN ب"الغريب" ساخراً من اختيار الوزارة لموسيقى " Game of Thrones" لحملتها الترويجية، نظراً لأن قصة المسلسل تدور حول صراع دموي في حرب للوصول إلى السلطة من أجل اعتلاء العرش.

إن من السهل السخرية من دعاية الحكومة السورية، وخاصة من قبل المعلقين الخارجيين في الغرب، والذين عادة ما يرون فيها انعدام كفاءة فظة لنظام فاشي يحكم إحدى دول العالم الثالث، بقيام بشار الأسد بلعب دور شخصية "بورات" على أرض الواقع، إذ أن نهج النظام وفقاً لهذا المفهوم، هو ذلك النهج البشع الفظ، الذي لا يمكن للمرء تصديقه، إذ علّق أحد المتابعين على تويتر ردّاً على صورة لجنود سوريين حكوميين يقومون بالوثب في الثّلج مكتئبين دون ارتداء أي قميص عليهم: "إن وزارة سياحة الأسد تقوم بزيادة الطين بلة باختلاقها لوسائل الجذب، والرسائل، ومواسم السياحة ... الخ".

ولكن ربما تدرك الحكومة السورية ما تقوم بفعله، وليس كما نظنّ، إذ أن ما لا يدركه معظم المراقبين الخارجيين هو أن هنالك استراتيجية متماسكة وناجحة ما وراء ذلك التسويق الحكومي، قد يبدو وكأنه دعاية "صفيحيّة مهترئة" بالنسبة للصحفيين الغربيين وعمّال الإغاثة وصنّاع القرار، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للجمهور المستهدف، إذ أن حكومة الأسد تُظهر لمؤيّديها - وحتى أولئك المترددين - بأنها تسيطر على كل شيء، والأكثر من ذلك فإنها تُظهر بأنها القوة الوحيدة في سورية التي تستطيع ضمان حياة طبيعية.

ففي الحرب، معنى الحياة الطبيعية يتآكل بسرعة، وبالنسبة للأسد وحلفائه فإن تقديم مشروع تلك الصورة، بغضّ النظر عن مدى كونه غير مقنع للكثيرين، هو أمر ضروري في عالم من الأفكار والصور، والدعاية الحكومية ثقيلة الوطأة هو أمر فعال كسياسة حملات القصف، إذ أنها تعمل ولنفس السبب: إعادة ترتيب الحقائق على الأرض بدقة حتى تتمكن من خلق واقعها الموازي الخاص بها- ذلك الواقع الذي سيصبح أكثر واقعية مع التكرار.

في عام 2014، قام الكاتب السوري والسجين السياسي السابق ياسين الحاج صالح بنشر مقال بعنوان "أحد جوانب تاريخ الإشاعة السياسية في سوريا"، لقد كان صالح في السجن منذ عام 1980 إلى عام 1996، وخلال تلك الفترة التي قضاها في السجن، كانت الشائعات حول إطلاق سراح وشيك تحوم حول المساجين وأسرهم، وكلما كان الناس أكثر يأساً، كانوا يميلون للاعتقاد بتلك الشائعات.
ما أدركه صالح هو أنه ليس من المهم إذا كانت المعلومات صحيحة أم لا، ذلك الدرس الذي ينطبق هنا أيضاً على قدم المساواة، إن لم يكن أكثر من ذلك، فالدعاية مع بعض الشائعات، كلما كانت صعبة التصديق كلما كان الأمر أفضل، إذ كتب: "هنالك أنواع معينة من الشائعات التي تهدف إلى تحريف، وتآكل المعايير التي يتم من خلالها تقييم المصداقية، مما يؤدي لتدمير قدرة الجمهور على تمييز الحقائق من الأكاذيب"، إن هذا التضليل المتعمد، هو إحدى التخصصات الأجهزة الأمنية السورية، كما أضاف: "مع العلم بأن ليس لديهم أي فرصة للفوز في المعركة على الحقيقة، فإنهم يفضلون تقويض المفهوم الكامل للحقيقة بنفسها".

إن فن التضليل السياسي يعود لفترة طويلة، إذ قامت خلال الحرب الباردة المخابرات الروسية - KGB - بإتقان فن "تضليل المعلومات" مما يخلق ارتباكاً، وذلك من خلال نشر مجموعة متنوعة من القصص الكاذبة والغريبة غالباً، وفي الوقت نفسه قام نظراؤهم الغربيين بحملات تهدف لزعزعة الاستقرار في دول عدم الانحياز التي يشتبه بميلها نحو الشيوعية، والهدف من كلا الجانبين، كان زعزعة الاستقرار بأي ثمن كان، وحتى لو كان على حساب مفهوم استقرار الحقيقة.

في عام 1953، على سبيل المثال، شنّت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عملية سريّة للإطاحة بمحمد مصدق، رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطياً في إيران، حيث قام العملاء الأميركيين بدفع جيوشٍ من "البلطجية" نحو الشوارع في إيران لتعيث فساداً في طهران، وتشن تفجيرات متعددة وتخلق مشهداً من الفوضى وعدم الاستقرار وسوء استخدام القوة في البلاد، وهو الوهم الذي أصبح واقعاً عندما نجح أولئك "البلطجية" بالإطاحة بمصدق، ولسنوات لاحقة لا تزال الولايات المتحدة تدفع الثمن، في شكل من انعدام الثقة العميق، والتي غذّاها قرارها في زعزعة استقرار حكومة منتخبة ديمقراطياً عن طريق الأكاذيب.

حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي، برع في فن الحرب الباردة من بناء الحقيقة الموازية، ففي كتابها لعام 1999 "الجوانب الغامضة للهيمنة" قامت الباحثة ليزا ويدين بفحص عبادة شخصيته، إذ رأت وحتى في عصره، بأن دعاية النظام كانت مفرطة في الغلو، بالغرابة المحسوبة التي استمرت حتى الآن، إذ كانت التصريحات الحكومية المبالغ فيها والسخيفة، مثل أن الأسد كان المُحرّر والأب القائد والمناضل (الأمر الذي لم يكن عليه مطلقاً)، وأنه كان "خالداً وأبدياً" (الأمر المستحيل، إذ تم اعتباره خارقاً للطبيعة البشرية)!
ولكن هذه التصريحات لم تكن مطلقاً حول الحقيقة، بل كانت عن إسقاطات السلطة، إذ أن مثل هذه الشائعات التي شرحها صالح، كانت لا تهدف في الواقع لأن يتمّ تصديقها، بل كانت تتّسم بفجاجة خاصة جداً وسخافة مطلقة، ولكن حقيقة أن الجمهور قام بقبولها على أي حال بل وترديدها، أظهر سيطرة الأسد المطلقة وقوته، إذ كما كتبت "ويدين": "لأن نظامه أصبح قادراً على فرض السخرية على الناس كي يردّدوها، وأن يُقِرّوا باللّامعقول"!

وعندما كان في السجن، وجد صالح بأن يأس الناس وعدم وجود معلومات دقيقة قادهم للتمسك بالشائعات، حتى لو لم يكونوا يصدقونها بشكل عقلاني، إذ كتب بأن "الناس يقومون بتحويل رغباتهم إلى حقائق، حتى لو لم يكونوا مؤمنين حقاً بتلك الشائعات، إذ أن الطبيعة البشرية تقوم باستخدام تلك الأقاويل لحمل مشاعرها وأحلامها، إنها تُمكّنهم من تحمل عبء المعيشة في الأوقات الصعبة".

وبعد أربعة أيام من التغريدة حول حلب -في 28 أيلول، نشر حساب التويتر لـ (سانا) فيديو آخر، كان هذا المقطع المصور من طرطوس، المدينة الساحلية التي تسيطر عليها الحكومة حيث تتمتع روسيا بقاعدة بحرية، بعنوان :"بينما يقترب صيف 2016 من نهايته، نلقي نظرة على إحدى أكبر الأحداث في مدينة طرطوس الساحلية #سوريا#الساحل السوري#الحياة الليلية#"، حيث تقترب الكاميرا نحو منتجع فاخر على الساحل، حيث هنالك حشد من الناس يهتفون ويرقصون، بينما تقوم امرأة شابة بهزّ قدّها أمام الكاميرا، ويقوم الدي جي من داخل النادي باللعب على آلته متراقصاً.

عندما يشعر الجمهور أنه ليس هنالك من شيء يمكن تصديقه، ما يهم هو الحقيقة العاطفية، أو تلك الرواية التي يرغب الجمهور أن يصدقها، حتى لو كانوا يعرفون جيداً بأنّها ليست صحيحة، إذا ما كانت الحقيقة تعسّفية، ونحن أحرار باختيار الحقيقة التي نتبعها، ننسى الآلاف الذين لا يمتلكون هذا الخيار - أي واقع من شأننا أن نختار العيش فيه؟ سوريا حيث القنابل حقيقية، وقتل أطفال حقيقيين؟ أو تلك حيث ال"Bomb" هي مجرد أغنية يُرقصُ عليها طوال الليل؟

-آنيا تشيزالدو: محررة رئيسية في سيريا ديبلي، كانت تعيش في الشرق الأوسط منذ عام 2003، مركزة على سياسات الغذاء والحياة المدنية في زمن الحرب، وكانت مراسلة خاصة لصحيفة كريستيان ساينس مونيتور في بغداد (2003-2004) وصحيفة نيو ربوبليك في بيروت (2005-2007)، وهي مؤلفة الكتاب الحائز على جائزة الكتاب: "يوم من العسل -مذكرات الغذاء والحرب والحب.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا