الغارديان –(ترجمة بلدي نيوز)
عندما قامت الطائرات الحربية بقصف مستشفى في الشرق الذي يسيطر عليه الثوار لمدينة حلب في الأسبوع الماضي، مما تسبب في سقوط الركام على المرضى في وحدة العناية المركّزة، احتلّت وفاة المزيد من الأبرياء في تلك الحرب الدامية عناوين الصحف في كثير من البلدان حول العالم.
ولكن الغارة الجوية لم تكن على أجندة الأخبار في روسيا، حيث ركّزت وسائل الإعلام الروسية على معركة النظام السوري للسيطرة على المدينة، تلك المعركة المدعومة من قبل موسكو، إذ جاء في عنوان وكالة أنباء "ريا نوفاستي": "لقد قامت القوات الجوية السورية بإجراء ضربات واسعة النطاق على المسلحين بالقرب من حلب"!
و تمت مشاركة تلك الرواية من قبل وكالة أنباء "تاس" وبعض الوكالات الإعلامية الأخرى، بل إن القناة الأولى ذكرت بأن الجنود الروس قاموا بتسليم "مساعدات إنسانية إلى اللاجئين في أحياء حلب التي يسيطر عليها الإرهابيون"!
وفي حين تركز التغطية الغربية على القصف الروسي والسوري العنيف والدامي والذي خلّف بشكل مروع العديد من الضحايا المدنيين، في الوقت الذي يحاول فيه النظام السوري السيطرة على مناطق في مدينة حلب لا تقع تحت سيطرته، كانت تقارير وسائل الإعلام الروسية تبلغ عن ما يمكن أن يكون صراعاً مختلفاً كلّياً.
فغالباً ما كانت التغطية في روسيا- حيث تسيطر الحكومة على القنوات التلفزيونية الرئيسية ووكالات الأنباء، انتقائية للغاية ودفاعية عن خط سياسة الكرملين.
يقول ليف غودكوف، مدير منظمة الاقتراع المستقلة في مركز ليفادا: "إن الأحداث التي تثير ردود فعل غاضبة في وسائل الإعلام الغربية، مثل التطورات المحيطة بحلب وتدمير القافلة الإنسانية، تكاد لا تشاهدها هنا مطلقاً، وذلك لأنها لا تظهر في وسائل الإعلام، أو يتم التسويق لها كما لو كانت دعاية معادية لروسيا".
ولطالما كان التلفزيون الروسي مشجّعاً دائماً للعمليات العسكرية الروسية والسورية، متحاشياً الإشارة إلى الخسائر الناجمة في صفوف المدنيين، إذ ذكرت القناة الأولى من حلب بأن الجنود السوريين لم "يقوموا باستخدام المدفعية وقذائف الهاون ضد المواطنين والمباني السكنية التي تحتمل أن تكون سلميّة"، متحاشية الإشارة للحقيقة بأن قوات الأسد بدأت قصفاً جوياً عشوائياً على المدينة المحاصرة هو الأشد في الحرب حتى الآن، بينما كانت وسائل الإعلام الروسية أيضاً تشدّد على انتقادات الكرملين للغرب.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى للتدخل الروسي في سوريا، كانت وسائل الإعلام الرسمية مليئة بالتصريحات الجريئة مثل "لقد أثبتت روسيا بأنها قوة حقيقية عظمى" وأن "روسيا أصبحت اللاعب الرئيسي في هذه المنطقة ... في حين أن الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى، فقدت مكانتها باعتبارها اللاعب الرئيسي".
وعندما قام المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي بالتصريح في وقت سابق بأنه إذا ما كانت روسيا ستستمر بإفشالها لاتفاق وقف إطلاق النار، "فإن الجماعات المتطرفة ستستمر في استغلال الفراغات الموجودة هناك في سوريا لتوسيع نطاق عملياتها، والتي ستشمل بلا شك، هجمات ضد المصالح الروسية، وربما حتى في المدن الروسية"، قامت قنوات الإعلام الروسية بنشر الروايات التي تفيد بأن كيربي قام بتهديد روسيا بشأن سوريا.
وقال مذيع أخبار (روسيا 1): "إن جون كيربي تعهّد مباشرة بشنّ هجمات في المدن الروسية"، كما اتهم واشنطن "بإخفاء عدم رغبتها أو قدرتها على تحقيق اتفاق وقف إطلاق النار بطريقة مباشرة، وذلك باتّهام روسيا بذلك الأمر".
وبعد وصول الولايات المتحدة وروسيا لطريق مسدود في الشهر الماضي، قالت (روسيا 1): "إن الدبلوماسيين الغربيين يحاولون لمرة أخرى تحويل مجلس الأمن إلى ساحة لاتهام روسيا والحكومة السورية"، ورداً على دعوة سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سامانثا باور، بوقف "الهمجية" الروسية، قالت القناة بأن "على الغرب أن يتوقف".
و أظهرت الغارتان الجويتان الأخيرتان مدى اختلاف التغطية الإعلامية في روسيا: فعندما قصفت الولايات المتحدة قوات النظام السوري في دير الزور الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل 62 جندياً حكومياً، ذكرت وسائل الإعلام الروسية بشكل فائض اعتذار الولايات المتحدة عن تلك الغارة الجوية الخاطئة، وكذلك كان الأمر بشأن ادعاءات الحكومة السورية "بالمؤامرة" التي تقوم بها واشنطن بدعم تنظيم الدولة، في حين كانت الغارة الجوية على قافلة الهلال الأحمر والتي كانت في طريقها لتقديم المساعدة الإنسانية إلى مدينة حلب المحاصرة، حيث قتل 20 شخصاً على الأقل، ذلك الهجوم الذي ألقي فيه اللوم على موسكو وتابعها السوري، قامت وسائل الإعلام الروسية الرسمية باتهام الولايات المتحدة والتحريض على وجود "اتهامات كاذبة متعمّدة من الجانب الأمريكي"، وتقديم بديل غريب من التفسيرات اللامنطقية.
و عكست التقارير السرد المتغير لوزارة الدفاع الروسية والانفصام عن الحقيقة، إذ قالت في البداية بأن القافلة لم تصب في غارة جوية أو قصف، ولكن "النار اشتعلت فيها" بدلاً من ذلك، مشيرة إلى أن الثوار كانوا السبب في ذلك الحادث، وفي اليوم التالي زعمت التقارير عن وزارة الدفاع الروسية بأن طائرة بدون طيار من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة، والقادرة على تنفيذ مثل تلك الضربات الجوية كانت في المنطقة أثناء ذلك الهجوم، معتبرة أن واشنطن تحاول صرف الانتباه عن هجماتها على قوات النظام السوري.
و فضح فريق استخبارات الصراع الروسي (CIT) تماماً ادعاءات وزارة الدفاع ودحضها، حيث وجدت مجموعة التحقيق البريطانية Bellingcat في موقع الحادث ذيل قنبلة "تجزيئية" مثل تلك المستخدمة من قبل القوات الروسية والسورية، ولكن وسائل الإعلام الروسية استمرت في إلقاء ظلال من الاتهامات اللامنطقية ضد الولايات المتحدة.
وجاء في عنوان الصحيفة اليومية الروسية كومسومولسكايا برافدا مقال تحت عنوان السؤال التالي: "تدمير القافلة الإنسانية في سوريا، هل تم القيام به على يد وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية؟" حيث جادلت المادة بأن وكالة المخابرات الأمريكية قامت بشن الهجوم ليحفظ الرئيس الأمريكي -باراك أوباما، "ماء وجهه، من خلال اتهام روسيا لمرة أخرى، عوضاً عن الإجابة عن تفجير دير الزور".
وقال رسلان ليفييف من مركز الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأن الأنباء عن الهجوم على قافلة المساعدات كانت "ضربة موجعة" للكرملين لأن "مصنع الكذب الإعلامي والبروبوغاندا قد قام منذ اليوم الأول باصطناع التلفيق، والقفز على أي ذكر لغارة جوية والقيام على الفور باختلاق عدد كبير من التفسيرات".
لقد تم ربط الكرملين "بمصنع الاختلاق" في سانت بطرسبرغ بقيامه بتوظيف الأشخاص لكتابة التعليقات والمشاركات التي تروّج للموقف الحكومي، وتبدو العديد من الردود على التغريدات التي كتبت ضد Bellingcat كما لو كانت مكتوبة من قبل الأشخاص الموالين للكرملين بلغة إنجليزية مشكوك فيها وأنشطة حساب غير واضحة.
لقد وجد الاستطلاع الأخير لمنظمة ليفادا بأن 61٪ ممن شملهم الاستطلاع في روسيا يؤيدون العمليات العسكرية الروسية في سوريا، ولكن الرقم انخفض عن 81٪ في مارس، الانخفاض الذي يعود حسب غودكوف للمدة الطويلة والمستمرّة لتلك العملية العسكرية منذ إعلان بوتين عن انسحابه في مارس/آذار.