بلدي نيوز – (نور مارتيني)
تصدّرت الحملة البربرية التي يشنها الطيران الروسي وطيران النظام، واجهة المشهد السوري مؤخراً، خاصة مع تصاعد وتيرة أعمال العنف التي تستهدف المناطق السكنية، والبنى التحتية، والمنشآت الطبية والإغاثية في مدينة حلب.
فعلى سبيل المثال، لم تردع جائزة نوبل البديلة، التي حصلت عليها، منظمة "الخوذ البيضاء" الطيران الروسي من استهداف مراكز الدفاع المدني في حلب، ولا أسفرت الوقفات الاحتجاجية في التحفيف من وتيرة القصف والقتل.
بل إنّ ما حدث هو على العكس تماماً مما يراد منه، حيث جاءت كلمة المبعوث الأممي "ستافان دي مستورا" لتعطي غطاء صريحاً للهجمات الروسية، تحت ذريعة أن "أكثر من نصف المقاتلين المتواجدين في حلب الشرقية يتبعون لجبهة النصرة" وبالتالي شرعنة استهداف حلب الشرقية من زاوية أنها تؤوي "فصائل متطرفة".
غير أن غياب الحراك المدني عن الساحة السورية، سواء أكان داخل الأراضي السورية بسبب هيمنة الفصائل العسكرية على الأرض، وتحييد -وحتى عرقلة- الحراك المدني في كثير من الأحيان.. أو في دول الجوار، بسبب القوانين الصارمة التي تفرض على السوريين، ومحاولة إذابتهم في الدول المضيفة، أو أن مصيرهم سيكون الطرد منها.
يبقى حال اللاجئين السوريين في أوروبا هو الأفضل، من حيث كونها دولاً تتعامل معهم بالحد الأعلى من قيم الإنسانية، ولكن هذا لا يعني أنهم قادرون على التأثير في الرأي العام لدول اللجوء التي يقيمون فيها، خاصة مع الماكينة الإعلامية القوية للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين، بل وانصراف إعلام الدول التي توصف بأنها أصدقاء الشعب السوري عن التذكير بقضية السوريين، والدوافع التي دفعت بهم إلى اللجوء إلى أوروبا، رغم ما يكتنف هذه الرحلة من مخاطر.
غير أن مجموعة من الناشطين والمثقفين السوريين، نظموا إضراباً مفتوحاً عن الطعام في باريس، تضامناً مع المدنيين في حلب المحاصرة، وحول جدوى هذا النوع من الإضرابات، يقول الصحفي السوري "صخر إدريس" أحد منظمي الاعتصام: "الحراك المدني الصحيح يبتعد عن الاصطفافات السياسية والمذهبية التي أوصلتنا إلى مانحن عليه، وفي الفترة السابقة أثبت الحراك المدني نجاحه أيام حملات فك الحصار الذي فرضه النظام السوري وحلفاؤه على المدنيين. ولكن للأسف، يفتقر الحراك المدني السوري إلى الهيكلية التنظيمية والقيادة الموحدة أو التنسيق". ويلفت "إدريس" إلى أنّه "لا يمكن تجاهل اهمية فعاليات الحراك المدني، وستكون ثمارها أفضل مع استمرارها، لأنها تسلط الضوء على ممارسات النظام وحليفته روسيا التي تنتهك كافة الأعراف والقوانين الأخلاقية والإنسانية والدولية."
كما يوضح الصحفي "إدريس" أنه "في بعض الاعتصامات والمظاهرات التي ننفذها في باريس مثلاً كنا نتفاجأ من جهل الكثير من الناس بما يحصل في سوريا، والسبب هو الإعلام الموجه، لأن من تصدر المشهد السياسي والإعلامي عجز عن إيصال صورة حقيقية للإعلام الغربي، ولم تتم مخاطبتهم، بل كانت المخاطبة لبعضنا البعض، في حين كان النظام السوري أكثر حنكة في توجهه إلى الغرب"، ويؤكّد أن "مثل هذه الإضرابات ستكون لها فائدة على المدى البعيد، بعد حملات توعية للشعوب الغربية، لأنها تستطيع الضغط على حكامها وأصحاب القرار في دولها، بخلاف حكام منطقتنا التي يختفي من ينتقدهم في غياهب النسيان".
وحول الأساليب المتبعة، يبين "صخر إدريس": "نقوم بالتوعية أحياناً من خلال عرض صور ومقاطع تصويرية عن حجم الانتهاكات، والدمار، والقتل، الذي يواجهه الشعب السوري، والإجابة عن أية تساؤلات، وكثيراً ماكنا نلاحظ أن هناك تجاوباً كبيراً مقارنة بالحضور". ويوضح أنه "لا يكفي اعتصام لحصار حلب أو التوقف عن التهجير القسري او إيقاف القصف والقتل، ولنكن صريحين فهذا النوع من الحراك هو أضعف الإيمان، وهذا ما يستطيع فعله البعض في حين يعجز عن فعل شيء آخر".
ويختم إدريس بالقول: "نحن ندرك تماماً أن هناك حرباً عالمية ثالثة، لكن تدور معاركها والصراعات على أرض سوريا، ويجب أن يكون هناك حراك سياسي وإعلامي من قبل جميع المؤسسات الثورية والأحزاب والتيارات التي تؤيد الثورة وتقف معها وتناصرها وتدعمها".
في سياق مختلف، تشهد العواصم الأوروبية حراكاً من نوع آخر، بغية التعريف بالقضية السورية، بحسب القائمين عليه؛ الحراك يتمثل في الأنشطة الثقافية والأمسيات الأدبية، وحركة الترجمة إلى اللغات الحية الأخرى، حول هذه القضية، يقول الشاعر السوري "أنور عمران" والذي يقيم في السويد: "من المؤكد أن القضايا العادلة تحتاج إلى إعلام كفؤ، يستطيع أن يضيء الجوانب التي تعطيها أحقيتها، والحراك الذي تقوم به الجاليات مهم جداً من أجل تنبيه الشعوب الغريبة إلى ما يحدث في بلادنا، ولكن الشعارات الجوفاء لا تجدي نفعاً ولا تستسيغها شعوب أوربا"، ويردف قائلاً: "للأسف أغلب التظاهرات هنا تعتمد الشعارات فقط، نحن بحاجة إلى أساليب مبتكرة من أجل لفت الانتباه إلى ما يحدث في سوريا، وعلى كل حال قد تكون هذه التظاهرات أفضل من لاشيء... وأظن أن القضية السورية ما تزال طازجة بعد مرور 6 سنوات، وبحاجة إلى متابعة مستمرة من قبل الجميع، وخاصة الجاليات المتواجدة في الغرب".
أما فيما يتعلّق بالقيمة الأدبية للأعمال المترجمة التي تقدّم على أنها سفير الثقافة السورية، يرى "عمران" أنه "لا يمكن بأي طريقة كانت عكس واقع التجربة الثقافية العربية كاملة عبر الترجمة، وما يحدث أن أغلب الأعمال التي تترجم مبنية على شبكة من العلاقات العامة أكثر من اعتمادها على جودة المنتج الثقافي"، وأنّه "ربما يستطيع الوافدون الجدد تجاوز هذه المحنة بعد فترة، لأنهم بالتأكيد سيتعلمون لغات البلدان التي يعيشون فيها... ولكن الوضع الآن غير سوي، وهو بمعنى أو بآخر جائر، فقدرة الكاتب على تسويق نفسه قطعاً تحتاج إلى موهبة لا علاقة لها أبداً بموهبة الكتابة".
يبقى شعور اللاجدوى سيد الموقف في الحالة السورية، قد يعود الأمر إلى حالة التشرذم والقطيعة بين أطياف الشعب السوري، أو أن حجم الفاجعة أصاب الجميع بحالة من الإحباط والشعور بأن ما يجري يفوق إمكانيات الجميع!..