بلدي نيوز – (المحرر العسكري)
تتميز الحرب السورية عن غيرها من الحروب عبر التاريخ أنها "حرب بدون أسرار"، فجميع الأطراف التي تتصارع على سوريا أزاحت جانباً أحد أهم عوامل النجاح في العمليات العسكرية وهو "المفاجأة" أو "المباغتة"، لتصبح المعارك والهجمات أمراً محدد التواريخ والمواقع، والخطوط ومحاور الحركة والهجوم، وحجم القوة المهاجمة ومستوى تسليحها، وكافة المعلومات التي عادة ما يحتاج الطرف الأخر في المعركة لجهد استخباراتي مهم للحصول عليها.
أحد آخر هذه الإعلانات عن "فتح المعارك" كانت من نصيب النظام، الذي بدأ بالترويج لمعركة بهدف السيطرة على القسم الشرقي من حلب، والذي حسب إعلانه قد بدأ بالتمهيد الناري لها، والذي سوف يستمر إلى حين، بناء على إعلانه الذي تناقلته وسائل إعلام عالمية وبعضها تابع للمعارضة قبل وسائل إعلام النظام، عن قصفه التمهيدي على الأحياء الشرقية.
لكل حالة إعلان عن معركة سبب مختلف عن الآخر، وفي حالة المعركة المرتقبة على مدينة حلب؛ فالعامل النفسي هو الأهم، فالنظام يستغل الحصار وانعدام المساعدات والتأييد والدعم الدولي له، ويحاول الايحاء أن المعركة محسومة سلفاً، وأنه سوف يسيطر على حلب الشرقية خلال ساعات، لكن هذا الأمر يعاكس المنطق وطبيعة المنطقة، والمعركة والوضع السوري ككل.
النظام يدرك أن معركته في حلب ستطول كثيراً، وخاصة بسبب الطبيعة المميزة لساحة المعركة في من كونها ضخمة، ومكونة من العديد من الأحياء الكثيفة الأبنية، التي تحتوي ما لا يقل عن 300 ألف مدني.
إضافة لكونه يحاصر المدينة، فهو مطوق في العديد من الجهات وبخاصة الغربية والجنوبية، وقد تفتح ضده معركة في أي لحظة، ما يجعل معركته صعبة جداً ومعقدة، ولا يمكن ببساطة تقدير اتجاهات تطورها، فجبهة النظام مع الثوار داخل وخارج حلب تقدر بعشرات الكيلومترات، التي قد يحدث في أي نقطة منها خرق مهم، ويعتبر الخرق في منطقة الكليات (أعظم قلاع النظام في حلب) مخالفة لجميع توقعات النظام وداعميه، فقد استهدفت مركز ثقله، الأمر الذي يعني أن أي نقطة في حلب الغربية قد تتحول لمنطقة خرق وهجوم على النظام، خاصة بعد خسائره من العتاد في جبهة الكليات، التي يتطلب إعادة تجهيزها لتصبح فعالة من جديد الكثير من الوقت، ما يعني أن الثوار من الممكن أن يعاودوا الهجوم عليها.
يضاف إلى ذلك وجود قوة عسكرية كبيرة للثوار في حلب ومحيطها، واحتمالية اشتراك المزيد من المدنيين في المعارك، التي يدرك المدنيون قبل غيرهم أنهم الهدف منها، وخاصة مع تفاقم الوضع بسبب الحصار.
عامل أخر يربك النظام، هو الوضع المعقد من الاتفاقات والخلافات الامريكية-الروسية، الذي قد ينجم عنه معارك تتسبب بتغيير الوضع الميداني الحالي، وربما إعادة كسر الحصار، وفتح ثغرة الكليات من جديد وربما توسيعها لتتحول حلب إلى معركة بين روسيا وأمريكا، ما يجعلها تطول جداً، بخاصة مع استراتيجية الحصار والقضم التي يتبعها النظام، والتي تستغرق فترة طويلة جداً للسيطرة على أحياء بمساحات محدودة، ما يعني أن معركة للسيطرة على عدة أحياء قد تتطلب من النظام فترة طويلة جداً، وليس كما يروج إعلامه عن معركة ستحسم خلال ساعات.
قنابل ارتجاجية!
حسب إعلان النظام فقد بدأت مرحلة "التمهيد الناري" للمعركة، التي بدأها بالعشرات من الغارات، والقصف العنيف على أكثر من منطقة في حلب.
لكن أحد أهم ما تناقله "ناشطون" أن حلب قصفت بقنابل أطلقوا عليها صفة "إرتجاجية"، وأنها قنابل أمريكية بزنة طنين ونصف موجهة بالليزر، وما إلى هنالك من الحديث بدون أي تأكيدات أو مصادر، أو حتى بقايا للقنبلة أو الصاروخ، ليمكن تمييز نوع القنبلة بناء عليه.
تحديد نوع القنبلة التي ضربت المكان يتطلب العثور على أجزائها أولا، ثم تحليلها لمعرفة نوعها، الفكرة الأهم أن الحفرة التي تسببت بها القنبلة ليست حدثاً جديداً، فقد أحدث القصف في الكثير من المناطق في سوريا حفراً أكبر من هذه الحفرة، سواء بالقنابل أو الصواريخ الباليستية، وخاصة صواريخ سكود.
فهناك العشرات من الفيديوهات التي تظهر حفر خلفتها القنابل، وصواريخ سكود بعضها يتجاوز عمقه خمسة أمتار، وبقطر يتجاوز العشرين متراً، فهذا أمر مرتبط بعدة عوامل، طبيعة التربة في المنطقة، وحجم ونوع القنبلة.
فقنبلة (شديد الانفجار) زنة 500 كغ، من التي يستخدمها النظام منذ ست سنوات، قد تحدث حفرة مماثلة في منطقة تربتها طينية رخوة، إضافة إلى أن القنابل "المضادة للمدرجات"، التي استخدمها النظام بكثافة في عدة مراحل من المعارك في سوريا تستطيع التسبب بحفر أكبر، فهي مخصصة للتسبب بأضرار صعبة الإصلاح في مدرجات المطارات.
كذلك يمتلك النظام واستخدم سابقاً قنابل زنة 1500 كغ (بعضها روسي موجه بالليزر KAB-1500) لضرب بعض الأهداف في سوريا*، لكن طبيعة الهدف التي هي منطقة سكنية تلغي تقريباً احتمالية استخدامها في هذه الغارة*، بسبب محدودية الأعداد التي يمتلكها النظام من هذه القنابل، (يوجد قنابل زنة 1000 كغ سوفيتية، لا يعرف الكثير عن استخدامها في سوريا).
طبيعة الطائرات المشاركة في القصف، تؤكد أن القنابل المستخدمة وزنها أقل من 1500 كغ، بسبب عجز طائرات النظام والطائرات الروسية المنشورة في سوريا، عن حمل قنابل تتجاوز أوزانها 1500 كغ، والحاجة لقاذفات استراتيجية لحمل قنابل أكبر (الأمر الذي لم يسجل أثناء القصف المذكور) ويؤكد أن الغارات حدثت بإحدى أنواع القنابل المذكورة سالفاً، وليس بقنابل أمريكية موجهة بالليزر.
هوامش:
*تحدثت بعض المصادر عن امتلاك النظام لقنابل زنة 1500 كغ، غير موجهة صينية الصنع، استخدمها مع قاذفات سوخوي 24.
*المنطقة المقصوفة لا تحتوي أي مركز مهم لأي فصيل ما يلغي فكرة القصف الأمريكي.