بلدي نيوز - (مصعب الياسين)
صادف يوم أمس الأول من شهر آب/ أغسطس، ذكرى تأسيس "الجيش العربي السوري"، والذي مر بمراحل متعددة بعد تأسيسه في عام 1946 انتهت بخدمته لاستمرارية بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد الذي كرس المؤسسة العسكرية لمصلحته، وحولها لأداة اجرام ضد السوريين في بلداتهم ومدنهم فكيف استطاع نظام الأسد حرف دفة الجيش عن مهمته، وما الأسس التي يجب أن يقوم عليها نظام الجيش، وكيف نجح الأسدين بالإمساك بزمام المؤسسة العسكرية.
في ورقة بحثية أصدرها "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية" تحت عنوان "مراكز القوة في جيش النظام 2020: نهج الصفاء العلوّي" أنه في الفترة الممتدة ما بين 1970 إلى 1997 كان ما لا يقلّ عن 61.3% من العلويين في قيادة الجيش، منهم 8 ضباط من عشيرة حافظ الأسد، و4 من عشيرة زوجته، وبالتدقيق تبين أن 7 من هؤلاء 12 من أقرباء الأسد المباشرين، ومما ساهم في سيطرة العلويين بشكل نهائي على الجيش في تلك الحقبة، هي أنهم ركزوا على الوحدات الضاربة القوية التي كانت ذات صلة مباشرة بالقيام بالانقلابات العسكرية أو إفشالها، ونجحوا في السيطرة عليها، وتلك الوحدات هي أسراب الطيران ووحدات الصواريخ والألوية المدرعة في العاصمة وحولها، فضلاً عن قوات المخابرات والمخابرات المضادة.
يبدو جلياً أن هذه السياسة ما زالت متبعة حتى بعد مرور خمسة عقود من الزمن على تولي آل الأسد الحكم في سوريا، حيث يسيطر الضباط العلويون على 100% من أهم 40 منصب قيادي في الجيش السوري، بالإضافة لاحتفاظ بشار الأسد بقيادة الوحدات النوعية ضمن أبناء القرداحة، أو ممن ينتمون لعشيرته أو لعشيرة أخواله.
وهذا ما ساهم في بلورة سخط الضباط "السنة"، حيث كان التحيّز الطائفي مركزياً في استراتيجية بقاء النظام السوري، وبالتالي بقي سلك الضباط السوريين يميل لصالح العلويين طوال العقود الماضية، وهذا يعني أن الضباط السنّة كانوا تحت مستوى التمثيل في جميع مستويات سلك الضباط، وبالتحديد في المناصب العملياتية والاستخباراتية.
كان الإحباط متفشياً بشدة بين الضباط السنّة من ناحيةٍ مهنية، وضاعفَ من اغترابهم عن النظام ما أدركوه من إهمال متعمدٍ للجيش لصالح الوحدات الخاصة التي كانت بقيادة الضباط العلويين.
وهو الأمر الذي دفع لانشقاق الضباط السنّة في أعقاب التحركات الشعبية عام 2011، الأمر الذي يعكس اغترابهم عن النظام، جنباً إلى جنب مع رفضهم لذبح المدنيين، ومعظمهم من المسلمين السنة، ومن أجل الدفاع عن النظام. من جهة أخرى ساهمت "العلوية العسكرية" في بقاء الجيش متماسكاً وموالياً منذ عام 2011، كون أن غالبية الضباط ينحدّرون من الطائفة العلوية.
وبحسب تحليل تفصيلي للتوزيع الطائفي والمناطقي للمناصب العسكرية في جيش النظام في ذات الورقة الصادرة عن "مركز عمران للدراسات" فإن أهم 40 مركزاً قيادياً في "الجيش السوري"، يشغلها ضباط جميعهم من الطائفة العلوية، من هؤلاء الضباط هناك ضابطان من أقرباء الأسد المباشرين، هم اللواء ماهر الأسد ويشغل منصب قائد الفرقة الرابعة، اللواء طلال مخلوف يشغل منصب قائد الفيلق الثاني، كما كان اللواء زهير الأسد يشغل منصب قائد الفرقة الأولى حتى تاريخ قريب 7 شباط/ فبراير 2020 حتى تم استبداله باللواء إبراهيم خليفة، كما أن أعتى وأقوى جهازي استخبارات في سورية هما: شعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية، يقودهما لواءان من محافظة طرطوس ومن نفس المنطقة "دريكيش" لا وبل من نفس القرية "جنينة رسلان" هما: اللواء كفاح ملحم، واللواء غسان إسماعيل على التوالي.
يشغل الضباط المنحدرون من محافظة اللاذقية 23 منصبا قياديا من المناصب الـ 40 المذكورة أعلاه، بنسبة 58%، ومن ضمن تلك المناصب: القائد العام، وزير الدفاع؛ الحرس الجمهوري؛ الوحدات الخاصة، الفرقة الرابعة، بالإضافة لعدد آخر من الفرق والمناصب الأخرى، في حين يشغل الضباط المنحدرون من محافظات طرطوس 7 مناصب بنسبة 17%؛ حمص 6 مناصب بنسبة 15%؛ حماه 4 مناصب بنسبة 10%، واقتصر التوزع الجغرافي بشكل عام على ضباط من أربع محافظات فقط هي (اللاذقية – طرطوس – حمص - حماه) من أصل 14 محافظة سورية.
وكانت عدة أطراف دولية منها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية واللجنة الدولية الخاصة بالجمهورية العربية السورية حملت قوات النظام المسؤولية عن عشرات المجازر خلال السنوات الماضية، فيما أدرجت الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي على لوائح عقوباته أسماء عشرات الضباط في جيش الأسد، لمسؤوليتهم عن ارتكاب مجازر طالت مدنيين خلال سنوات الثورة السورية.
ومنذ انطلاقة الثورة السورية عمل بشار الأسد على نشر الجيش بالمدن والبلدات، لتثبيت حكمه لتنتشر صور عمليات سرقة وتعفيش لعناصر من قوات النظام، طالت منازل المدنيين شملت الغسالات والبرادات والدجاج وممتلكات السكان الذين فروا بحياتهم، جراء قصف مدفعية الجيش لمنازلهم، فيما اشترك كبار ضباط الجيش بعمليات الاستيلاء على منازل السكان وأراضيهم الزراعية ولطالما اشتعلت المعارك بين الفرق والألوية في قوات النظام للتنافس على مسروقات، نهبها جيش النظام من المنازل.
يقول الضابط الطيار في "الجيش السوري الحر" العقيد مصطفى البكور، إن كل الجيوش ذات العقيدة الوطنية في العالم، تكون صمام أمان للدولة عندما تتعرض لأخطار داخلية أو خارجية، و"الجيش العربي السوري" قبل حكم البعث ثم الأسدين كان نوعا ما كذلك، بالرغم من تكوينة الجيش واعتماد الفرنسيين على الأقليات بشكل رئيسي، خلال فترة الانتداب الفرنسي لسوريا، لكن انقلاب حزب البعث عام 1963، عمل الحزب على تحويل الجيش إلى قوة مسلحة حزبية، من خلال تحويل العقيدة القتالية للجيش من حماية الوطن والمحافظة على استقلاله ووحدة أراضيه، إلى حماية الثورة (انقلاب 8 آذار عام 1963) والحفاظ على مكتسباتها، وأهم هذه المكتسبات بقاء السلطة بيد البعث.
ولفت "البكور" في حديثه لبلدي نيوز أنه بعد استلام حافظ الأسد للسلطة، عمل على تحويل "الجيش العربي السوري" إلى ميليشيا طائفية من خلال "علونة الجيش"، حيث أصبح 100% من أصحاب القرار وأكثر من 70% من ضباط الجيش، وأكثر من 90% من ضباط المخابرات هم من الطائفة العلوية، وتم تطوير العقيدة القتالية للجيش ليتحول من حماية الثورة إلى حماية النظام السياسي القائم، وتم اختصار الوطن بالقائد، وأصبح الحفاظ على القائد فقط هو ما يعني الحفاظ على الوطن، وقد شاهدنا جميعا الشعارات التي تم رفعها خلال الثورة مثل لا يوجد سوريا بدون بشار الأسد و"الأسد أو لا أحد" و"الأسد أو نحرق البلد" وغيرها من الشعارات.
يوضح العقيد "مصطفى البكور" أنه خلال الثورة السورية التي اندلعت في 15 آذار 2011، وبعد انشقاق عدد كبير من الضباط تحول الجيش إلى عصابة طائفية أسدية غير منضبطة، لا بقوانين ولا أخلاق، وما فعلته هذه العصابة بسوريا والسوريين ما كانت لتفعله أي قوة أجنبية أو معادية بالسوريين تحت شعار "الأسد أو لا أحد" و"فدا صرماية الأسد".
ويضيف أنه "بعد التدخل الإيراني والروسي انعدم دور الجيش الأسدي بشكل كلي، حيث أصبح ضباطه وعناصره عبارة عن أدوات رخيصة بيد الروس والإيرانيين يستخدمونهم لتنفيذ أجندات تلك الدول دون أي تفكير".
وبحسب "البكور" يمكن القول أنه منذ عام 2011 وبعد بدء سيل الدم السوري، على يد "جيش النظام"، لم يعد هنالك جيش عربي سوري، وإنما هي ميليشيات وعصابات طائفية ومرتزقة يقتلون في سبيل من يعطيهم الفتات وبقايا موائده.
من جانبه، يرى المقدم عبد الله نجار والمنشق عن الأمن السياسي في حديث لبلدي نيوز، أن حافظ الأسد استطاع السيطرة على الجيش عبر "علونته" بمعنى سيطرة الطائفة العلوية على الجيش العربي السوري والأمن، من خلال تثبيت ضباط الطائفة في كل مفاصل ومواقع الجيش الحساسة وغير الحساسة، ومن خلال ربط مصير الطائفة بمصير حكمه والتي سار عليها بشار الأسد لليوم، ولازال جزء كبير من العلويين يربطون وجودهم بوجود حكم آل الأسد.
ويؤكد النجار أنه ينبغي على الجيش إذا كان وطنيا، أن يُبنى الانتقاء على أساس الولاء الوطني للضباط والمتطوعين، بمعنى كل أبناء الشعب موثوقين وطنيا وجديرين بالارتقاء بهذا الجيش، وتحمل مسؤولية قيادته، بدون وجود أي انتماء سوى الانتماء الوطني، وبدون أي وجود لانتماءات أخرى سواء طائفية أو حزبية أو قومية، وبالرغم من أن بداية تأسيس الجيش العربي السوري كان وراثة عن فرنسا، التي كانت تعتمدةبشكل رئيسي على الأقليات في قيادة الجيش من علويين ودروز كطوائف وشركس وأكراد كأعراق، ورغم ذلك كان الضباط وطنيين إلى حد ما، أما حين تكون تستحوذ طائفة ما على الأكثرية في الجيش على حساب باقي المنتسبين، عند ذلك يفقد الجيش قيمته الوطنية ويتحول لعصابة وهذا ما ظهر بعد العام 2011.