بلدي نيوز- (المحرر العسكري)
برزت الصواريخ الموجهة المضادة للدروع بأنواعها، كالسلاح الأعلى تقنية والأكثر سمعة وحضوراً في الحرب السورية، والتي كانت لها الكلمة العليا في العديد من المعارك المصيرية، بعد منع الدول الكبرى للصواريخ المضادة للطائرات عن الثوار.
مضادات الدروع
امتلك نظام الأسد واحداً من أضخم الجيوش في العالم قبل الحرب، سواءً من ناحية عدد الأفراد والدبابات والعربات المدرعة التي يمتلكها، والتي تجاوزت الخمسة آلاف دبابة، وعدد العربات المدرعة وناقلات الجند مختلفة الأنواع.
حيث استخدمها النظام بكثافة خلال المراحل الأولى للمعارك في سوريا، معتمداً على الدبابات وعربات BMP بشكل أساسي، خلال عمليات الاقتحام التي كان ينفذها ضد المدن والأحياء الثائرة .
لكن هذا التفوق لم يستمر، بسبب وقوع العديد من الأسلحة المضادة للدبابات بيد الثوار، سواء باغتنامها من مواقع الجيش التي يسيطرون عليها أو مع الجنود المنشقين، الذين ينشقون بعتادهم.
لتظهر تدريجياً الصواريخ والقواذف مضادة للدبابات بيد الثوار، ويبدأ الثوار بتحويل الشوارع والميادين لمقابر لدبابات النظام ومدرعاته .
حرب عصابات
مع تزايد دخول الميليشيات الشيعية في بنية قوات النظام حدث تغير جذري في التكتيكات والأساليب التي يستخدمها جيش النظام، وخصوصاً أسلوب استخدامه للدبابات والعربات المدرعة .
جلبت تلك الميليشيات معها الكثير من التكتيكات، والتي تقلد أسلوب قتال الميليشيات والقوات الغير نظامية، من استخدام لسيارات الدفع الرباعي المسلحة بالمدافع الرشاشة، والكثافة العددية للمشاة، والاعتماد الأساسي عليهم في المعارك، مع إسناد ناري كثيف، حيث شهدت تكتيكات هذه الميليشيات نفسها مجموعة من التطورات خلال المعارك في سوريا .
كذلك تركزت المعارك تقريباً في المناطق الحضرية، ما خفض فاعلية الدبابات عموماً ودفع للواجهة بالمشاة الذين أصبحواً فعلياً وقود المعركة في سوريا، ليتحول دور الدبابات لدى النظام من مهمة "الاقتحام" إلى مهمة الاسناد الناري بشكل أكبر.
صواريخ موجهة
يعرف عن النظام بعد خبرته من معارك 1982 في لبنان، ونتائج حرب الخليج الثانية، انتقاله لاعتماد أسلوب "الحرب الغير متكافئة"، والتي كان من نتيجتها غزارة مخزونه من الصواريخ المضادة للدبابات مختلفة الأنواع، والتي حصل عليها الثوار خلال اقتحامهم لمواقعه وقطعاته .
حيث حدثت نقلة نوعية في القدرة العسكرية للثوار مع بداية حصولهم على الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، والتي أعطتهم القدرة على تدمير الدبابات والعربات المدرعة بفاعلية أكبر ولمديات أبعد، ما قلب الموازين بشكل كبير في العديد من المعارك التي كان النظام خلال الفترة الأولى يعتمد على الكتلة المدرعة في الاقتحامات والزج بالمدرعات في الخطوط الأولى، وحتى في المدن، في تطبيق أعمى للعقيدة السوفيتية القائمة على التقدم بالدبابات، والتي لم تكن مناسبة لطبيعة المعارك التي كانت بالمجمل تحدث في مناطق حضرية مبنية، وليس في ميادين مفتوحة، والتي تسببت في خسارة النظام للكثير من الدبابات بفعل القواذف الكتفية المضادة للدبابات والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، حيث كانت صواريخ ميتس-م وصواريخ مالوتكا من أوائل الأنواع التي ظهرت لدى الثوار، وكانت غنائم من جيش النظام .
ثم ظهرت أنواع أخرى تدريجياً بداية بصواريخ الميلان ثم الكونكورس.
الذي شكل ظهوره نقطة مهمة في تزايد أعداد الدبابات المدمرة للنظام، ثم ظهرت صواريخ تاو التي أخذت الشهرة الأعلى في الحرب، على الرغم من تقاربها في الفاعلية والقدرات مع صواريخ كونكورس السوفيتية.
كيف يستخدم الثوار هذه الصواريخ ؟
ندرة الصواريخ المضادة للدبابات خلال بداية المعارك ضد النظام جعلت من استخدامها محدداً ضد الأهداف الأكثر أهمية، وتحديداً الدبابات والعربات المدرعة، والتي كان النظام وبسبب ضخامة ترسانته منها، وقصور تفكير ضباطه عسكريا واستراتيجيا، لا يكترث جداً لخسائر منها، ويستمر بزجها في المعارك وخسارتها، إلى أن دخلت الميليشيات الشيعية وبدأت أعداد الصواريخ المضادة للدبابات بالتزايد، وبدأت في نفس الوقت أهداف أخرى بالظهور، على الرغم من أن بعضها أقل أهمية بكثير من الدبابات والعربات المدرعة، لكنها شكلت أهدافاً مغرية وسهلة لأطقم الصواريخ المضادة للدبابات، وبخاصة التاو .
حيث بدأت أهداف مثل التركسات المدرعة والعربات المختلفة تدخل ضمن قائمة أهداف أطقم القواذف المضادة للدبابات ،وحتى منصات إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات التي يستخدمها النظام بكثافة، ثم بدأت المدافع المضادة للطائرات عيار 23 و14,5 تصبح أهدافاً لهذه الصواريخ، وهذا عائد أساساً إلى تغيير تكتيكات النظام، وميله لوضع دبابته بحيث تكون أهدافاً أصعب مقارنة بالعربات الأخرى، وجملة الإجراءات الهندسية التي استخدمها النظام لحماية دباباته (مثل إحاطة الدبابات بالسواتر الرملية العالية)، والتي تسببت بفشل نسبة معتبرة من الصواريخ المضادة للدبابات في إصابة أهدافها.
ووصل الأمر لاستهداف المشاة !، حين بدأت منذ حوالي العام والنصف تنتشر بكثافة فيديوهات استهداف تجمعات مشاة النظام والميليشيات الشيعية بهذه الصواريخ، حيث تظهر هذه الفيديوهات إطلاق صواريخ موجهة وبخاصة تاو على عدة عناصر للنظام، ربما أربعة أو خمسة وربما أكثر، حيث يتعرض العناصر لإصابات شديدة، وبعضهم يقتل مباشرة وبعضهم ينجو تماماً إلا من حالة الصدمة .
متر من الفولاذ
تستطيع بعض أنواع الصواريخ المضادة للدبابات المستخدمة في سوريا خرق 120 سم من الفولاذ (الكورنيت)، وبعضها يستطيع خرق نصف متر تقريباً (مالوتكا)، ما يعني أن جميع هذه الصواريخ فعالة ضد دبابات النظام، وبخاصة دبابات T55 وT62 وجميع العربات المدرعة لدى النظام، في حين تستطيع أسلحة أخرى التعامل مع "الأهداف الثانوية " التي تستخدم حالياً الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات ضدها بشراهة .
على عكس الدبابات والعربات المدرعة التي لا تؤثر فيها الكثير من الأسلحة، يمكن استهداف سيارات الدفع الرباعي والمدافع الرشاشة 23 و14.5 وتجمعات المشاة، بطيف واسع من الأسلحةبعضها.ئر، بداية بقذائف الهاون، وصولاً إلى المدافع العديمة الارتداد وقذائف الدبابات، وحتى المدفعية الميدانية، إضافة للقناصات المضاد للمواد عيارات 12,7 و14.5 والتي يملكها الثوار ويستطيعون تصنيع بعضها.
حيث ستكون رمايات هذه الأسلحة مؤثرة في هذه الأهداف بشكل جيد، وتكلفة تدميرها بعدة قذائف هاون عيار 120، أقل بكثير من تكلفة استهداف عدة جنود بصاروخ تاو مثلاً .
فالعربات المدولبة وحتى المدافع الرشاشة سهلة التعويض بشكل كبير، إضافة لعدم وجود مشكلة حقيقية لدى الايرانيين والنظام في الخسائر البشرية، فالعنصر البشري لديهم رخيص جداً، ويمكن تعويضه بسهولة، على عكس الأعتدة وتحديداً الدبابات، خاصة عناصر الميليشيات الشيعية والعراقية، وعناصر الدفاع الوطني وعناصر جيش النظام، فالخسائر البشرية في قواته هي عامل ثانوي لهزيمته، فإيران خسرت مليون ونصف عنصر خلال حربها مع العراق، خلال حرب القادسية الثانية (الخليج الأولى)، ولكن الخسائر البشرية لم تكن إطلاقاً السبب الأساسي لهزيمتها، بل خسارتها لمناطق واسعة من الأرض أمام الجيش العراقي.
الدقة والمدى
العديد من أطقم القواذف المضادة للدبابات أكدوا أن السبب الأول وراء استخدام هذه القواذف ضد المشاة والعربات المدولبة، هو موضوع المدى ودقة الإصابة وسرعة الاستجابة، بسبب غياب أسلحة تستطيع تحقيق هذه المتطلبات.
لكن هذا الأمر يمكن تعويضه باستخدام الهاون عيار 120 ملم والذي يحقق مدى إصابة أبعد من أي صاروخ مضاد للدبابات (قرابة 6 كم)، وبدقة مقبولة ويمكن تنفيذ رشقات من القذائف لتحقق التأثير المرجو، وزمن نشره والتسديد لا يزيد كثيراً عن زمن نشر قاعدة إطلاق صواريخ تاو مثلاً، والتأثير النفسي والمادي لقذائف 120 ملم أكبر من تأثير الصواريخ المضادة للدروع بكثير، خاصة إذا استخدمت بشكل رشقات.
كذلك يمكن استخدام مدفعية الدبابات (مع قذائف شديدة الانفجار كثيرة الشظايا)، أو حتى المدفعية الميدانية التي تستطيع تأمين رمايات مباشرة أو غير مباشرة، ضد تجمعات مشاة النظام وألياته المعدومة التدريع، وإذا استخدمت بشكل جيد، فستعوض عن استخدام الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، لكي يصبح دور هذه الصواريخ منحصراً في اصطياد وتدمير دبابات النظام، وبالتالي تدمير الكتلة المدرعة لديه، والتي تعتبر أحد عناصر قوته وقدرته الدفاعية والهجومية وتساهم في تحطيم معنويات جنوده، وتوفر التكلفة المادية على الثوار، وتخفض مستوى الدعم الذي يحتاجونه خلال المعارك، ويزيد القيمة المضافة للذخائر التي يغنمونها ما يجعل استخدامها أكثر فاعلية وجدوى.