ما الدروس التي يجب أن تتعلمها أمريكا من انتصارات ثوار حلب؟ - It's Over 9000!

ما الدروس التي يجب أن تتعلمها أمريكا من انتصارات ثوار حلب؟

هافنغتون بوست - ترجمة بلدي نيوز

قبل شهر واحد فقط، بدت أكبر المدن السورية "حلب" على أعتاب كارثة إنسانية حقيقية، تلك الكارثة التي أرغمت أكثر من 350،000 مدنيّ في شرق مدينة حلب ليقعوا تحت حصار قوات نظام الأسد، وكانت الإمدادات الإنسانية في المدينة قد بدأت بالنفاد، بينما تبجّح الحليف الرئيسي لنظام الأسد، "حزب الله" بأنه هزم "الطموحات الإمبريالية الإقليمية" في مدينة حلب، بينما كان نصير وداعم الأسد الرئيسي -روسيا، قد أعلنت بزهو عن فتح ممرّات إجلاء "إنسانية" للمدنيين، كما أعربت المنظمات الإنسانية عن قلقها على أولئك المدنيين المنسيين، و حذّرت من أن تقوم روسيا بتكرار اعتدائها الآثم في غروزني في عام 2000.

وكان الرئيس أوباما قد استبعد عملياً القيام بأي إجراء من قبل الولايات المتحدة لإنقاذ أكثر من 350،000 مدني من تحت ذلك الحصار، كما قام بالتمسّك بموقفه المتّخذ منذ فترة طويلة بأنه لا يمكن عمل المزيد، كما تعهّد "باختبار" إذا كان لـ "وقف أعمال عدائية" آخر أن يؤتي ثماره، على الرغم من أن الحرب الروسية الخاطفة خلال وقف إطلاق النار السابق قد جعلت من حصار مدينة حلب أمراً ممكناً، و بدا الأمر كما لو كان محكوماً على مدينة حلب بكارثة إنسانية آثمة، من شأنها أن تتمخض عن عشرات الآلاف من المزيد من اللّاجئين.

وبعد أقل من 48 ساعة، انكسر الحصار عن مدينة حلب، وذلك بتحالف قوى الثوار الرصين بقيادة جيش الفتح والذي قاد هجوماً واسعاً دُمجت فيه قوى الثوار من مختلف أنحاء شمال سوريا، لقد كانت جبهة فتح الشام، والتي قطعت في الآونة الأخيرة من علاقاتها مع تنظيم القاعدة، جزءاً أساسياً لا يتجزّأ من ذلك الهجوم، حيث خرجت منه بشرعية أكبر وأكثر من أي وقت مضى، وإذا ما كانت الولايات المتحدة ترغب حقاً بمكافحة التطرّف والتوسط للوصول إلى سلام حقيقي في سوريا، فيجب عليها أن تتعلم الدروس الصحيحة من هجوم الثوار في مدينة حلب.

إن الدرس الأول يتجلى بأن موقف الديكتاتور بشار الأسد ضعيف في الأساس، وبعد خمس سنوات من استغلال طائفة الأقلية العلوية، ومن ثم استيراد المقاتلين الشيعة الأجانب لقمع انتفاضة شعبه، بدأت قوات الأسد بتجنيد السجناء والمعلمين للتخفيف من النقص المتنامي في القوى البشرية، كما أظهرت التقارير من هجوم الثوار في مدينة حلب، بأن مجنّدي النظام رفضوا القتال أو فرّوا بشكل جماعي من مواقعهم.

وفي أعقاب ذلك الهجوم، وصلت تعزيزات من آلاف المقاتلين والمرتزقة الشيعية العراقية والّلبنانية إلى مدينة حلب وذلك من أجل القتال بجانب النظام، كما بدأت القاذفات الروسية بشن غارات جوية مكثفة، و سمحت إيران لهذه القاذفات بالإقلاع من أراضيها في قرار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، بينما كان الجانب المؤيد للنظام لا يزال مخفقاً في تحقيق أي تقدم، لقد قام الهجوم الأخير بإيضاح نقطة أن سوريا لن تكون أبداً مستقرة لمرة أخرى مع وجود الأسد في السلطة.

الدرس الثاني، والذي يتعلق بالأول أعلاه، هو أن السوريون يجب أن يمثّلوا في سياسة أمريكا في سوريا، إذ لا يمكن غض الطرف عنهم، فعلى حد تعبير الرئيس أوباما، "إنهم أطباء سابقون، مزارعين، وصيادلة"، إن المشاركين في "معركة حلب الكبرى" كانوا بمعدّل 100 % من السوريين، فقد انتفضت تقريباً كل الأماكن في ذلك الهجوم، محقّقين انتصارات كبرى، ومسيطرين على مواقع حساسة وذلك من قبل السوريين فقط، إن هؤلاء هم المزارعون والصيادلة الذين تحدث عنهم أوباما، وهم قوّة هائلة ليبقوا في السلطة، وإذا ما كان الثوار المناهضون للأسد في الواقع باقون، فعلى العلاقات الأمريكية مع المعارضة أن تدار بشكل صحيح.

وهنا يكمن الدرس الثالث، الدرس الذي حاول 51 من دبلوماسي الولايات المتحدة نقله عبثاً إلى إدارة أوباما في مذكرة المعارضة ليونيو من هذا العام: "إن الفشل في وقف الانتهاكات الصارخة لنظام الأسد لن يسهم سوى بتعزيز جاذبية أيديولوجيات جماعات كتنظيم "الدولة"."

وخلال المحادثات الدبلوماسية الأخيرة والتي جرت في فبراير، قامت إدارة أوباما بالضغط بشدّة على المعارضة لتخفيف مطالبهم المتعلقة برحيل الأسد، كما لم تقدم الإدارة أي نفوذ عسكري للثوار، وحتى عندما قامت روسيا بتقديم الكثير لصالح النظام، وعلى الرغم من قيام روسيا بالاستهزاء من انتهاكات وقف إطلاق النار، في غرفة المراقبة الأمريكية الروسية مشتركة، وذلك من خلال نفيها بشكل متكرر أن يكون النظام قد قام بأي انتهاكات، وبحلول نهاية المحادثات في أبريل، كان كبير مفاوضي المعارضة السيد رياض حجاب قد أصيب بإحباط شديد بسبب الافتقار إلى الدعم الأمريكي كما أعلن عن ذلك في كلمته: "سنقاتل حتى ولو بالحجارة، كما أننا نطالب الولايات المتحدة بتحمّل مسؤوليّاتها"، أما بشار الأسد ومن جانبه، فقد قام في وقت لاحق باستغلال ذريعة المحادثات لتيسير مكاسبه العسكرية واسعة النطاق، ولكن الإدارة قامت بالتجاوب مع ذلك أساساً بالشروع في مفاوضات مع روسيا للتعاون العسكري المشترك في سوريا، وقد كانت النتيجة كما توقّع الدبلوماسيون ال 51: قامت جبهة فتح الشام باكتساب مصداقية حقيقية وغير مسبوقة، من خلال تحرير أكثر من 350،000 من المدنيين من الحصار القاسي، وذلك عقب يومين فقط من إصرار الرئيس الأمريكي بأنه لا يمكنه فعل أي شيء.

وهذا يقودنا إلى الدرس الرابع والأخير، الدرس الذي يشير مباشرة إلى الحلول السياسية: بوجوب اتخاذ إجراءات أمريكية عسكرية لحماية المدنيين وتعزيز الحل الدبلوماسي في سوريا، والذي يبدو مجدياً حقاً، وبالنسبة للمتشككين في الولايات المتحدة حول اتخاذ أي اجراءات ضد الأسد، كإصدار التنبؤات المظلمة حول "قوات غزو على الأرض" أو "اشتباك مع الطائرات الروسية"، يجب أن يعلموا بأن مقاتلي المعارضة السورية، تمكّنوا وفي أسبوع واحد فقط، بعكس ستة أشهر من الجهود الروسية والإيراني والأسدية لمحاصرة مدينة حلب، وذلك دون حدوث أي من هذه الأحداث، ومن الممكن التنبؤ بالأكثر، بتلقي الثوار لضخّ من مدفعية أرض-أرض من الداعمين الخارجيين في وقت مبكر من هجومهم.

وبدلاً من محاولة ابتزاز المعارضة السورية بشأن مسألة رحيل الأسد، يتعين على الولايات المتحدة تمكين الثوار المعتدلين بحيث يظهروا كما هم حقاً، بأنهم المدافعين الرئيسيين عن المدنيين السوريين، وذلك بدءاً من الثوار المدعومين من قبل الولايات المتحدة، والذين انضموا إلى معركة حلب الكبرى، فيلق الشام المدعوم من قبل وكالة المخابرات المركزية، العضو في جيش الفتح والذي لعب دوراً رائداً في الطرف الجنوبي من الهجوم، لقد كانت معركة فتح حلب تضم تحالفاً واسع النطاق، والذي تضمّن على العديد من الجماعات الثورية المدعومة من قبل وكالة المخابرات المركزية، وكذلك كان هنالك تقدّم ملحوظ من خلال مهاجمة النظام من داخل مدينة حلب، كما لعب المدنيّون حتى دوراً بارزاً في تلك المعركة عن طريق إشعالهم للإطارات لعرقلة غارات النظام الجوية، في حين اتفق كل من المتشدّدين والثوار المعتدلين على أن المدنيين، بما في ذلك الأقلّيات، لا يجب أن يكونوا مستهدفين أو محاصرين بأي شكل كان، كما ضمنوا حريتهم وسلامتهم، وذلك كما جاء في بيانهم عقب تحرير حلب المحاصرة.
وفي حين أدى الهجوم في مدينة حلب لمنح شرعية جديدة للجماعات المتشددة كجبهة فتح الشام، قام أيضاً بتأكيد أن الثوار المدعومين من قبل الولايات المتحدة وكذلك المجتمع المدني السوري لا يزالون جزءاً لا يتجزّأ من جهود المعارضة، يمكن للولايات المتحدة فعل الأمر الصحيح بتشجيع التوصل إلى تسوية سياسية من خلال تقديم دعمها القوي للثوار المعتدلين بحيث يمكنهم أيضاً قيادة هجمات كبرى ضد نظام الأسد، وهذا من شأنه الضغط بشكل مباشر على الأسد الضعيف حالياً للتفاوض، مع ضمان أن الثوار المعتدلين سيكونون محوراً رئيسياً ذو موقف قويّ عندما يأتي الأمر لجلوسهم إلى طاولة المفاوضات.

-محمد علاء غانم: مدير العلاقات الحكومية ومستشار سياسي رفيع المستوى في المجلس الأمريكي-السوري، وزميل القيادة الألفية في المجلس الأطلسي.

مقالات ذات صلة

امريكا وفرنسا يتقدمان بمبادرة لاستئناف الحوار الكردي الكردي في سوريا

نظام الأسد يدين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بالصواريخ البالستية

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

صحيفة أمريكية توثق آلية تهريب نظام الأسد للممنوعات إلى الأردن

تقارير تكشف اعتقال نظام الأسد لـ9 من اللاجئين السوريين العائدين من لبنان

مجلس الأمن.. دعوة قطرية لدعم ملف المفقودين في سوريا