بلدي نيوز – (سما مسعود)
لا يوجد في التاريخ أي حادثة يمكن مقارنتها بما حدث في داريا اليوم، لكن لربما سجل التاريخ حوادث أحرق فيها الملوك والحكام مدنهم؛ كما أحرق نيرون روما مبرراً تصرفه الشنيع وحرقه آلاف السكان الأبرياء برغبته في إعادة إعمار المدينة من جديد؛ ومقارنة حريق روما بتفريغ داريا، ونيرون بالأسد، فستكون تلك مقارنة مجحفة بحق نيرون الذي أحرق روما في ليلة واحدة، مقارنة بالأسد الذي أمضى خمس سنين يحرق داريا وكل سوريا.
داريا " تاريخ الثورة"
بلغ تعداد سكان مدينة داريا في ريف دمشق الغربي إبان الثورة السورية نحو 120 ألف نسمة، ومع بداية الثورة السورية والتضييق الذي لاقاه أهل داريا تعرضت المدينة كسائر المدن الثائرة إلى حركة نزوح وهجرة كبيرة، وفي صبيحة يوم الخميس 8 تشرين الثاني 2012 بدأ النظام بمحاصرة المدينة من كافة أطرافها، فشهدت المدينة موجة نزوح جماعية خوفاً من حدوث مجزرة على غرار ما حدث في شهري تموز وآب من العام نفسه والتي راح ضحيتها ما يقارب 600 شهيد في يوم واحد جلّهم قتل حرقاً أو ذبحاً.
فبقي في المدينة -التي تعرض عدد من نازحيها لعمليات قتل جماعية واعتقال تعسفي- نحوُ 2900 شخص بين مدني ومقاتل.
تمكن الفصيلان الأكبر في المدينة "شهداء داريا وأجناد الشام" بمساعدة لوائي الفتح والفجر من معضمية الشام طوال السنوات الأربع من صد هجوم قوات النظام على المدينة، لحين تمكن النظام من فصل المدينتين عن بعضهما عبر السيطرة على نهر مروان في شباط 2016، وبذلك وقعت داريا بين فكي كماشة: النظامِ الذي بدأ يتقدم ويسيطر على نقاط عسكرية، والجوعِ ونقصِ الذخيرة إثر إحكام السيطرة على محيط المدينة.
سعى النظام جاهداً إلى حسم الأمر في داريا بعد ما فقد على جبهات المدينة أكثر من 1000 عنصر منهم قادة الحملات، وكان الحصار بوابة له في ذلك، بعد مرور ثمانية أشهر على الفصل بين المدينتين والحملة الشرسة على المدينة تحقق بعض التقدم بسبب الجوع ونقص الذخيرة.
حرب طائفية بقناع وطني
زعم نظام الأسد أنه يريد في عملياته العسكرية إنقاذ المدينة ممن أسماهم "المسلحين الإرهابيين" وإرجاع الحقوق والممتلكات إلى أصحابها وإعادة المدينة "لحضن الوطن"، ولكن الوقائع على الأرض تفند ادعاءات الأسد جملةً وتفصيلاً، فجيش النظام كان رأس الحربة في الهجوم على المدينة لكن بقيادة من الإيرانيين والميليشيات الشيعية.
لمدينة داريا أهمية دينية مزعومة لدى الإيرانيين، بعد أن اخترعوا مرقداً للسيدة سكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم، الأمر الذي تكذبه الوقائع التاريخية، حيث تشير الأحداث إلى أن سكنية بنت الحسين توفيت ودفنت في مكة المكرمة سنة 126 للهجرة.
عملت الحوزات الشيعية ومن ورائها الحكومة الإيرانية إلى اختراع فكرة مقام السيدة سكنية، كما بنت مقاماً محل قبر لا يعرف من صاحبه أو حتى إذا كان قبر إنسان، بمظهر يوحي بالعظمة، في محاولة لإعطائه المصداقية .
في بداية 2010 تعاظم الدور التجاري للمحلات التجارية المحيطة بالمقام بعد زيادة معدل الزيارات الشيعية إلى المكان، وبات البعض يتكلم اللغة الفارسية من باب الترويج التجاري لا غير، كما عمد القائمون على المقام إلى ترميم السوق، ونشر الشعارات الشيعية فيه، تمهيداً لتحويلها لنسخة عن منطقة السيدة زينب في دمشق .
الأهمية الاستراتيجية للمدينة
تعتبر المدنية بوابة النظام باتجاه الريف الغربي كاملاً ومفتاحاً نحو جنوب العاصمة، فالمدينة تحيط بما يقدر بـ 25% من سور العاصمة دمشق، والسيطرة عليها يعني تأمين العاصمة، فسقوط الأنظمة أو بقاؤها مرهون بالعاصمة، وبذلك فإن العاصمة ستكون بيد الإيرانيين، حيث إنهم كانوا يعملون طيلة السنوات العشر على نشر الحسينيات والمقامات والمزارات .
تفريغ داريا بالكامل من ساكنيها شرط طرحه النظام مقابل عدم شن حرب إبادة جماعية، المدينة الآن هي مدينة أشباح، مدمرة بالكامل لا تكاد ترى فيها بناء لم يهدم كله أو جلّه، ما يعني أن المناخ ملائم وبشكل كبير لطمس معالم المدينة وإعادة بنائها وفق الرؤية الشيعية.