ميدل ايست أي – (ترجمة بلدي نيوز)
لقد قُتِل مئات الآلاف من السوريين، حيث ساهم تقاعس قيادة إدارة أوباما بهذا الوضع المتردّي في البلاد، فأكثر من 700،000 مدني سوري لقوا حتفهم، بينما شُرِّد أكثر من 11.4 مليون شخص نتيجة للحرب السورية، أحد أعنف وأشرس الصراعات في التاريخ الحديث، وأكثر من نصف سكان سوريا والذين كانوا يتجاوز عددهم ال 21.5 مليون نسمة في عام 2010، وذلك وفقاً لإحصاءات السكان للبنك الدولي، قد دمرت منازل أكثر من 50 % منهم وكذلك سبل عيشهم، وشهد الكثير منهم قتل أصدقائهم وعائلاتهم.
إن العديد من القتلى والمشردّين في الحرب السورية، الأغلبية منهم في الواقع، كانوا ضحايا للإجراءات العقابيّة الجماعية للنظام السوري، وذلك وفقاً لبيانات جمعها المرصد السوري لحقوق الإنسان، حيث أن الغارات الجوية العشوائية للنظام كانت تستهدف بعشوائية السكان المدنيين منذ عام 2011، حيث كان نظام الأسد هو الفاعل الرئيسي في ارتكاب ما يصنف بمعهد السياسات العالمية بأنه "إبادة جماعية".
إن قائمة الخسائر التي تُعزى إلى الأعمال الإجراميّة التي يقوم بها النظام السوري بقيادة بشار الأسد لا تعدّ ولا تحصى، و أدّت محاولات لتحديد تلك الفظائع لجمع 20.000 صفحة من البيانات بما في ذلك هجمات بالقنابل البرميلية، واستخدام أسلحة محرّمة دولية، بالإضافة للخطف والاغتصاب والتعذيب، وارتكاب عمليات إعدام مدنية.
إن تلك الجرائم تبرز معظمها مفصّلة في ملفات "قيصر"، والذي وثّق ما يقرب من 11.000 حالة من المعتقلين القتلى، والذين اختطفوا وسجنوا من قبل مخابرات النظام (الشرطة السرية)، حيث كانت تعرض علامات جسدية للتعذيب والمعاملة الوحشية.
في نظر الجمهور، فإن الطبيعة الوحشية لنظام الأسد في سوريا، يمكن رؤيتها في هجوم الغوطة والذي حدث في 21 أغسطس من عام 2013، عندما شنّ لواء في جيش النظام السوري حملة باستخدام صواريخ محمّلة بغاز السارين -وهو غاز الأعصاب المحرم دولياً- على مناطق مدنيّة في الضاحية الشرقية لدمشق، مما أدى لأكثر من 4000 من الخسائر المدنيّة، ووفاة 426 طفلاً موثّقاً على الأقل.
إن الكثير من السياسيين، بما في ذلك سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، سامانثا باورز، ومدير منظمة هيومان رايتس ووتش كينيث روث، يعزون الجزء الأكبر من هذه الإبادة الجماعية لما يسمى بتقاعس إدارة أوباما.
السياسة الأمريكية الراكدة
إن هذا الرأي مثير للجدل بكل تأكيد، ولكنه أحد الآراء المدعومة من قبل تقييمات عدة أفراد من المراقبين السوريين وصنّاع القرار - من المحللين المستقلين الموثّقين للصراع الدائر، إلى المؤسسة الأكاديمية للتحليل والرأي للسياسة الخارجية الرئيسية، إلى أولئك المتواجدين داخل إدارة أوباما بحد ذاتها، نعم فإن هنالك عدداً كبيراً من أولئك المتواجدين بداخل حلقة الحكومة الأمريكية يستمرّون بالاعتقاد بأن تقاعس إدارة أوباما في القيادة وعدم اتخاذ أي خطوات لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية، ساهم في تدهور الوضع الأمني والإنسانيّ في سوريا، وأدّت لاستمرار ارتكاب الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لقد أثار الرئيس أوباما سخطاً عندما تراجع عن خطه الأحمر الذي حدّده في عام 2012، وذلك وسط تقارير مثيرة للقلق حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، حيث كان الخط الأحمر يشير إلى أن استخدام تلك الأسلحة ضد المدنيين هو العتبة التي ستؤدي الى اتخاذ إجراءات صارمة من قبل الولايات المتحدة.
عقب هجوم الغوطة في عام 2013، واصلت إدارة أوباما مسارها في التعاون مع نظام الأسد ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تراقب الامتثال للقانون الدولي فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، إذ وافق نظام الأسد على تدمير مخزوناته من الأسلحة الكيميائية المتواجدة لديه، وإزالة إمكانية إنتاج أي رؤوس حربية كيميائية جديدة، ولكن كما كنت قد كتبت في أوائل عام 2015، لا يزال استخدام السلاح الكيميائي في سوريا مستمرّاً، وفي يوليو من عام 2016، ضغط رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أحمد أوزومجو على نظام الأسد ليشرح لماذا كانت هنالك أربعة من عوامل الأسلحة الكيميائية الغير معلن عنها، لا تزال موجودة في مخزونه.
أنصاف الحلول
إن المأساة المطلقة في سوريا لا يمكن أن تعزى مباشرة إلى تقاعس الولايات المتحدة، وكذلك لا يمكن لمطالبة بسيطة للتدخل العسكري المباشر أن تكون بالضرورة كافية لوقف التدهور الأمني والحيلولة دون ارتكاب أعمال القتل واسعة النطاق، كما بيّن سابقاً تدخل الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، وبدلاً من ذلك، فإن المأساة السورية يمكن أن تعزى بشكل مباشرة إلى التدابير النصفية لسياسة الولايات المتحدة، وبشكل أكبر كنتيجة لرفض أوباما الراسخ للقيام بشكل مباشر بدعم الشعب المحاصر.
لقد سعت وكالة المخابرات المركزية ببرنامجها لتوفير صواريخ TWO المضادة للدبابات، إلى قائمة معيّنة ومدقّقة، غالباً ما كانت لفصائل الجيش السوري الحر، ولكن مع شرط ألّا يستخدم الثوار هذه الصواريخ في دمشق، كي لا يخسروا دعمهم من قبل الولايات المتحدة!
لقد قدّمت وكالة المخابرات المركزية ووزارة الدفاع الأمريكية الدعم العمليّاتي واللّوجستي للجماعات الثورية من خلال إنشاء غرف عمليات مشتركة لفصائل الثوار، ولكنها أبطلت من فعالية تلك الجماعات في ساحة المعركة من خلال فرض قيود صارمة على الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها، وكذلك على الأماكن حيث يمكنهم شن هجماتهم!
إذاً الشبح المرتسم فوق رؤوس المعارضة أمام نظام الأسد؟ يتجلّى برفض الولايات المتحدة لتقديم الدعم الجوي للجماعات التي تقاتل ضد قوات النظام، إذ أن القوات الجوية للنظام السوري والقوات الجوية الروسية هي الأطراف المباشرة الوحيدة في سوريا التي تمتع بقوة جوية، والتي يوفّر لهما الميّزة الضّخمة ضد المعارضة الثورية، والتي تتجلى قواتها على وجه الحصر بكونها قوات مشاة، مما يقودها إلى الاعتماد الكبير على الانغماسين وهجمات السيارات المفخخة- والتي يمكن وصفها ب F-16 الفقراء، حيث أخبري السيد فيصل العيتاني وهو الزميل البارز المقيم في مركز رفيق الحريري لدراسات المجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط، بأن "المشكلة هي أن سياسة الولايات المتحدة في سوريا كانت معاقة منذ البداية"، كما أضاف مُعقّباً "إن فرضية كل النهج المتّبعة في سوريا، كانت تفيد بأن الولايات المتحدة لن تقحم نفسها في الصراع على أي مستوى كان، بحيث تشكلت كل المواقف الأمريكية الأخرى حول هذا القرار الذي اتُّخِذ بالفعل، وليس على سبب أو سمات الحرب المحددة".
الاضطرابات الداخلية
إن الشعور السائد بين ذوي المعرفة حول سوريا يشير إلى أنّ الفشل في اتخاذ إجراءات أساسية، فاعلة في البلاد، خلقت تلك البيئة والتي ارتكبت بموجبها جرائم ضد الإنسانية، مع إفلات مرتكبيها مراراً من العقاب، إذ أنه ليس هنالك من وضوح أكثر من خسائر السياسة غير الفعالة والمبهمة لإدارة أوباما في سوريا، داخل الإدارة نفسها، فقد كان السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد أول ضحية بارزة لسياسة إدارة أوباما في سوريا، فورد هو دبلوماسي محترف مستعرب طوال حياته، والذي دخل خدمة الخارجية الأمريكية منذ عام 1985، مشرفاً على العديد من الجوانب الحاسمة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك منصب نائب رئيس البعثة إلى البحرين بين أعوام 2001-2004 والمستشار السياسي للسفارة الأمريكية في بغداد ما بين أعوام 2004-2008.
في عام 2010، تمّ تعيين فورد كسفير للولايات المتحدة في سوريا بتوافق الآراء بالإجماع من مجلس الشيوخ الأمريكي، لقد خدم فورد في هذا المنصب خلال الربيع العربي، وسط اندلاع الاحتجاجات السلمية وبدايات الثورة في سوريا، تولى فورد زمام المبادرة في مناصرة الانتفاضة السورية علناً، وفي يوليو من عام 2011، زار مدينة حماة، حيث غطّت رايات المتظاهرين الرافضين للنظام سيارته بالورود وأغصان الزيتون في علامة على التضامن مع دوره في التحدث علناً ضد القمع الوحشي لنظام الأسد، مما أدى إلى قتل الآلاف من المتظاهرين السلميين.
لقد لفت هذا الدعم المفتوح للثورة السورية حقد النظام السوري على فورد، والذي بثّ تقارير كاذبة على شاشات تلفزيونه الرسمي والتي تديرها استخبارات الأسد، ملقية باللوم على فورد في تشكيل فرق الموت المناهضة للحكومة، وبعد فترة وجيزة سحبت الحكومة الأمريكية السفير فورد خارج البلاد، بينما حمّلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، فيكتوريا نولاند النظام السوري مسؤولية التحريض المكثف الذي يهدد سلامة فورد، حيث قالت: "إننا نشعر بالقلق إزاء حملة التحريض التي يقودها النظام باستهداف السفير فورد شخصياً، في وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في الحكومة السورية، ونحن نشعر بالقلق إزاء الوضع الأمني المتردّي والذي قام النظام بخلقه".
وبعد اندلاع النزاع المسلح في سوريا، أصبح لفورد دوراً أساسياً في التفاوض في المحادثات ما بين جماعات المعارضة والمعارضة السياسية الخارجية بشكل كبير لدفعها للمشاركة في عملية جنيف، والتي سعت إلى وضع حد للصراع الدموي وإزالة الأسد من السلطة، ولكن المحادثات سرعان ما انهارت، وفي عام 2014 أعلن فورد عن تقاعده - احتجاجاً على ما سمّاه ب"الجمود في سياسة الولايات المتحدة في سوريا".
إن دور فورد الصريح في دعم الثورة الديمقراطية ضد النظام السوري أثار غيظ أنصار النظام، كما لفت ذلك الدور الاحتجاجي الأنظمة العربية المماثلة والتي تخشى بأنها ستكون التالية في خط الثورة الشعبية، حيث أن حكومة عبد الفتاح السيسي، والذي كان قد تولّى السلطة عقب انقلابه العسكري الوحشي، قد رفضت تعيين فورد كسفير للولايات المتحدة في مصر، على أساس أن فورد "قام بالمساعدة في إثارة الفوضى في سوريا من خلال دعم المسلحين".
فورد، والذي كان قد تجنّب إلى حد كبير أعين الجمهور منذ تنحّيه عن منصبه في وزارة الخارجية، قام بمقابلة نادرة لبرنامج تلفزيوني "نيوز أور" بعد عدّة أشهر من تقاعده، حيث قال فورد في حديثه لمراسلة الشؤون الخارجية مارغريت وارنر بأنه لم يعد من الممكن "الدفاع عن" سياسة إدارة أوباما في سوريا، كما أضاف فورد "إن الجهود التي قمنا بها حتى الآن لم تنجح، إذ أننا لم نقم بالضغط بما يكفي على النظام السوري على أرض الواقع، وهذا هو السبب الرئيسي في "فشل" محادثات السلام التي حاولنا القيام بها في جنيف، إذ أن النظام رفض تماماً مناقشة أي تسوية سياسية، وذلك لأن سياستنا المتّبعة لم توصله إلى تلك النقطة التي يشعر فيها بأن عليه أن يتفاوض، إنه لا يقبع تحت الضغط الكافي لفعل ذلك."
وعندما سئل فورد عن سبب تقاعده من منصبه في وزارة الخارجية حتى بعد خروجه من سوريا في عام 2012 وسط مخاوف بشأن سلامة موظفي سفارته، أشار فورد إلى "جمود" السياسة الأمريكية على الأرض، بحيث صرّح قائلاً: "في النهاية، كنت أعمل من واشنطن بشأن قضية سوريا لمدة عامين، إن الأحداث على الأرض كانت تتحرك بسرعة حينها، في حين أن سياستنا لم تتطور بتلك السرعة نفسها بشكل متزامن، لقد كنّا دوماً في الخلف، وأخيراً وصلتُ إلى النقطة بحيث لم يعد باستطاعتي الدفاع عن تلك السياسة علناً، وكعضو مهني محترف في السلك الدبلوماسي الأمريكي، عندما لا أعود قادراً على الدفاع عن السياسة المتبعة بشكل علنيّ، فإن الوقت قد حان لي حينها للمغادرة".
ويخدم فورد الآن كزميل بارز في معهد الشرق الأوسط، ولكن وفي شهر يونيو من عام 2016، جلس مع مجلة "نيويوركر" للتعليق على أحدث ضحايا سياسة أوباما في سوريا: 51 من معارضي وزارة الخارجية والذين سرّبوا احتجاجهم الصريح لوسائل الإعلام، بينما هم يعلمون بأن قيامهم بمثل ذلك الأمر يعتبر إنتحاراً وظيفياً، فقد عقّب على ذلك الأمر حينها "لقد وصل الإحباط في وزارة الخارجية إلى درجة الغليان، إن الناس لا تكتب عادة في قناة المعارضة كل يوم، لقد كسرت الهدنة الإنسانية في سوريا بشكل كامل، بينما يقوم النظام بتفجير المستشفيات في حلب وإدلب بشكل يعتبر انتهاكاُ صارخاً لكل القواعد والمعايير الإنسانية، وذلك دون الحديث عن القنابل البرميلية والأسلحة الكيميائية المحرّمة دولياً، إن جهود الحصول على صفقة سياسية تواجه طرقاً مسدودة، بينما رفضت حكومة الأسد مراراً تقديم أي تنازلات جدّية، كما أنها لا تسمح بوصول المساعدات الإنسانية بانتهاك منها لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة، يحدث ذلك كله بينما يراقب الأميركيون كل شيء مكتوفي الأيدي، وبالتالي فإن رسالة قناة المعارضة هي انعكاس للإحباط من قبل أولئك الأشخاص الذين يشعرون بأنهم المسؤولون عن إدارة تلك السياسة على أرض الواقع، في الحقيقة فقد شعرت بنفسي بهذه الطريقة عندما غادرت".
المعارضون
في يونيو من عام 2016، تلقّت صحيفة نيويورك تايمز مسودّة وثيقة رسميّة لمذكّرة المعارضة في وزارة الخارجية، والتي قامت باستخدام موقع -سياسة وزارة الخارجية- المنشأ خلال حرب فيتنام لمعارضة الدبلوماسيين في شكل من أشكال التعبير عن عدم رضاهم عن سياسة الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أصول قناة المعارضة باعتبارها احتجاجاً على العمليات العسكرية الأميركية في فيتنام، فقد استخدم 51 من المعارضين لسياسة الولايات المتحدة والذين لم يكشفوا عن أسمائهم القناة ذاتها ولكن لهدف آخر: احتجاجاً عن التقاعس بإجراء عمل عسكري.
إذ جاء فيها "نحن موظفو وزارة الخارجية الذين شاركوا في استجابة الحكومة للأزمة سوريا بقدرات متفاوتة على مدى السنوات الخمس الماضية، وعلى الرغم من جهود وزير الخارجية للتخفيف من تصعيد وتيرة العنف والمضيّ قُدما في المسار السياسي، إننا نعتقد بأن تحقيق أهدافنا سيكون بعيد المنال إذا لم تكن جهوده تشمل استخدام القوة العسكرية كخيار لفرض وقف الأعمال العدائية، وإجبار النظام السوري على الالتزام والإذعان لأحكامه، وكذلك للتفاوض على حل سياسي بحسن نية، إذ أن انتهاكات الأسد المنهجية ضد الشعب السوري هي السبب الرئيسي لحالة عدم الاستقرار التي لا تزال مسيطرة على سوريا والمنطقة على نطاق أوسع".
إن المذكرة كانت منطقية ومدروسة، بحيث يشير ال 51 مسؤولاً في وزارة الخارجية بأنهم لا يرون الاجتياح الأميركي على نطاق واسع في سوريا كخيار مناسب لوضع حد للنزاع، بدلاً من ذلك، يحثّ المسؤولون على الاستخدام الحكيم لل"المواجهة والقيام بضربات جوية، والتي من شأنها أن تؤسّس في دراسة وقيادة العملية السياسية بشكل أكثر تركيزاً ودعم الجهود السياسية التي تقودها الولايات المتحدة، والاستفادة من مجموعة دعم سورية الدولية لإنهاء القتل الجماعي اليومي للمدنيين والانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان".
وعلى الرغم من تصرّف المعارضين "في تسريب المذكرة لصحيفة نيويورك تايمز، ظاهرياً لتجنب الطرد، وجذب انتباه إدارة أوباما، فلم تقم الغدارة باتّخاذ أي إجراء آخر لتصعيد الضغط على نظام الأسد، ولكن المذكرة تركت أثراً دائماً على النقاش العام بشأن سوريا، وندبة دائمة على إرث أوباما في السياسة الخارجية، وردّاً على المذكرة المسرّبة، ألمح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ولكن بشكل مهذب، عن وجهة نظره الحقيقية نحو سياسة الإدارة الأمريكية في سوريا قائلاً: "إنها بيان هام جداً، وأنا أحترم هذه العملية كثيراً جداً جداً".
الاستقالة
لقد استمر فريدريك هوف لمدة ستة أشهر فقط قبل أن يُدهَشَ من كمّ المأساة القطعية في سوريا، لقد تمّ تعيّينه من قبل الرئيس أوباما كمستشار خاص لعملية الانتقال السياسي في سوريا في شهر مارس من عام 2012، ثم استقال هوف من منصبه في سبتمبر من ذلك العام نفسه، لقد عمل دون كلل أول ملل من أجل سد الانفراج ما بين سوريا والدول المجاورة لها منذ عام 2009، ولكن وفي عام 2011، انتقل دوره لإيقاف وحشية الأسد في الداخل، لقد كتب هوف في افتتاحية في عام 2015 لمجلة بوليتيكو قائلاً: "عندما قمت بتقديم استقالتي من منصبي في وزارة الخارجية كمستشار في التحول السياسي في سوريا إلى وزيرة الخارجية حينها هيلاري كلينتون، كنت أعرف بأن سوريا كانت تغرق في هاوية مجهولة، أزمة إنسانية عظمى من الدرجة الأولى، كما كنت أعرف بأن البيت الأبيض كان يتحلى بحماس ضئيل لحماية المدنيين (بعد كتابة الشيكات لإغاثة اللاجئين) واهتماماً أقلّ حتى في وضع استراتيجية لتنفيذ رغبة الرئيس باراك أوباما المعلنة، بأن على بشار الأسد أن يتنحّى".
لقد تآكلت آمال هوف بشرق أوسط مستقرّ، حيث كتب في مارس: "عندما أطلق كيري أحدث مبادرة له للسلام في سوريا، وذلك في أكتوبر الماضي في أعقاب التدخل العسكري الروسي، وقد حذّرتُ من أن الهدف منها قد يكون عملية لا نهاية لها: جسراً من الكلام الفارغ حول المياه السورية المضطربة، حتى ال 20 من يناير لعام 2017، عندما تتمكن الإدارة الحالية من ترك منصبها دون أن تقوم بتأمين الحماية لسوري واحد في سوريا من آلة القتل الأسديّة".
ويعمل هوف الآن كمدير لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، وكثيراً ما يكتب عن الوضع السوري، بمحاولة نبيلة منه لكيّ جروح سوريا بقلمه.
وكما أخبرني الزميل فيصل عيتاني من المجلس الأطلسي، فإن أوروبا والعالم بمجمله لا يرون أن هنالك أي نهاية في الأفق لمنطقة الشرق الأوسط، كما أضاف "كما اتضح فيما بعد، لقد أصبحت سوريا وصمة عار دموي على المجتمع الدولي، ولا نعلم أبداً ما كان من الممكن أن يحدث لو أن الولايات المتحدة قامت بالمشاركة بدعم مباشر للمعارضة السورية، أو القيام بالضغط الحقيقي على الأسد، أو فعل أي شيء آخر، ولكن الحقيقة هي أن هذه الأمور لم تُعطَى أي اعتبار في المقام الأول، بينما تمّ اتخاذ الموقف الآن، بتجاهل الأدلة و نسجها، و تمّ تسخير الخبرات الخارجية بنشاط لذلك".
- جيت غولدسميث الصحفي من دنفر، كولورادو، يعمل حالياً كمحرر صحفي لصحيفة "Neowin"، كما يساهم بالكاتبة ل "Bellingcat"، كما كان سابقاً عضواً في الصحافة الاستقصائية والتحليل الجيوسياسي حول أخبار الصراعات، والطالب الحالي في الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط.