بلدي نيوز - (مصعب الياسين)
يرقب العم "أبو وائل" محصول القمح المصاب لديه، ولا يقوى على فعل شيء، سوى الشعور بألم في قلبه، على مشروع يتهالك يوما بعد يوم، عقب أن وضع فيه كل ما يملك، وبنى عليه الأمل بغد أفضل، يخلصه من العيش في المخيمات، والعودة لبلدته في منطقة سهل الغاب غربي حماة.
يقول "أبو وائل" في حديث لبلدي نيوز، "كان بحوزتي بعض المال جمعته من عملي، وعمل عائلتي أثناء إقامتنا في مخيمات الكرامة، بالقرب من بلدة أطمة الحدودية، قررت هذا العام العودة لأرضي في منطقة سهل الغاب وزراعتها بمحصول القمح، حيث بلغت تكلفة زراعة الـ 20 دونما حوالي 1500 دولار أمريكي، وكان لدي أمل بإنتاج محصول جيد، يساعدني على إصلاح منزلي الذي تدمرت بعض جدرانه جراء قصف قوات النظام المدفعي على المنطقة، بيد أن حظي من الدنيا قليل جدا، إذ انقطعت الأمطار عن المنطقة، لأكثر من شهر ونصف في الفترة التي يحتاج بها القمح للري، وبسبب دفء الطقس، انتشر فأر الحقل ولم أعد أقوى على مكافحته، وشراء الأدوية الخاصة بالمكافحة، واليوم ها هو القمح يميل للون الأصفر الشاحب، بسبب انتشار حشرة أتت على نصف حقل القمح، الذي كنت أبني عليه الأحلام ووضعت له كل طاقتي المادية".
يوضح المهندس الزراعي خالد الأحمد، في حديثه لبلدي نيوز، أن محصول القمح في منطقتي سهل الغاب وسهل الروج، تعرض لعدة صدمات خلال العام الحالي، بسبب التغيرات المناخية المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة وغياب الأمطار، إضافة إلى انتشار حشرة حفار أوراق النجيليات، التي تعمل على التغذية على أوراق نباتات القمح والشعير، حيث تحفر اليرقة أنفاقا بين بشرتي الورقة لتتركز الإصابة في النصف العلوي منها، مما يكسبها لونا بنيا بداية، ومن ثم يتحول إلى أصفر شاحب، وللحشرة جيل واحد في العام في شهر آذار، وتلجأ بعدها للاحتماء بالتربة للعام القادم.
ونوه المهندس إلى أن الحشرة ليست جديدة لكن في العام الحالي تحولت لجائحة، أصابت حقول القمح بالمنطقة التي تحوي أكثر من 75 ألف دونم من القمح والشعير.
تحتاج الحشرة المذكورة لطرق مكافحة كيميائية، باستخدام أدوية مخصصة منها "اللانتراك"، الذي يبلغ سعر العبوة منه حوالي 7 دولارات أمريكية، تكفي لمعالجة هكتار من القمح، بحسب العم أبو وائل الذي يلفت إلى أنه دفع 50 دولارا في سبيل مكافحة فأر الحقل، وزاد عليها 20 دولارا لمكافحة حشرة القمح، وهو بالأصل استدان تلك المبالغ من أقربائه، وما بقي لديه لا يكفيه مصروفا لمنزله في شهر رمضان، ويعلق "ربما سكن الخيام مكتوب علي وعلى أسرتي، وحلم العودة للديار مازال بعيدا، والعوائق لا أستطيع مجابهتها".
وكانت حقول القمح في منطقة سهل الغاب، تعرضت لانتشار كبير لفأر الحقل خلال العام الحالي.
ويعزو المهندس الزراعي سبب انتشار فأر الحقل، إلى ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء وغياب الثلوج، حيث تعمل القوارض على قضم أوراق القمح في طور النمو، وعلى مهاجمة السنابل في فترة النضج، ويحتاج فأر الحقل لدرجة حرارة تتراوح بين 2 - 25 درجة مئوية للتكاثر، والتحرك لجمع الغذاء فيما يُحد من تكاثر القوارض، إذا انخفضت درجة الحرارة عن 2 مئوية لفترة 20 يوم متواصل، وتعد تلك الفترة نموذجية للقضاء على الآفة التي تعمل على تخزين الغذاء لفترة أسبوع في جحورها، ومع استمرار الفعالية الجوية المنخفضة وإجبار الفار على عدم الصعود لوجه الأرض، وجمع الغذاء، يموت جوعا.
أدى التغير المناخي إلى بقاء درجات الحرارة في وسط سوريا أعلى من معدلاتها، على مرور أيام الشتاء، ما أسهم بانتشار القوارض وتكاثرها، بسبب دفء الطقس الذي سجل في مطلع شهر شباط/ فبراير2023 حوالي 15 درجة مئوية نهارا و5 درجات ليلا، ما ساعد على انتشار فأر الحقل من جهة، وغياب الأمطار من جهة أخرى.
وبحسب شبكة الخبراء المعنية بالتغيرات المناخية في البحر، تقول الدراسة الصادرة عن الشبكة في عام 2022، إن الفترة الزمنية بين العام 2008 و2019، شهدت ارتفاعا بمقدار درجتين، مما يؤدي إلى تسارع متصاعد، في معدل الفارق الحراري العام، والذي بدوره يفضي إلى تراجع معدلات هطول الأمطار، المصحوب بارتفاع درجات الحرارة إلى ظروف مناخية أكثر جفافاً، فقد عانت سوريا جفافاً مضافاً وقلة هطول الأمطار في السنوات 2019-2022، مع جو أكثر حرارة خلال العام الحالي.
وفي دراسة أصدرتها منظمة الزراعة الأغذية العالمية، فإن نسب الهطول المطري، تراجعت في سوريا إلى مستوى خطير ينذر بتراجع للزراعة والغذاء في عموم البلاد، وتراجعت نسب هطول الأمطار في محافظة إدلب من 151 ملم في العام 2012 إلى 82 ملم في شتاء العام 2021، وفي محافظة حلب من 147ملم في العام 2012 إلى 68 ملم في العام 2021، وبحسب ذات المنظمة فإن العام 2022 شهد انقطاعا للأمطار، وتزايدا في درجات الحرارة.
وبحسب الخبير الزراعي أحمد الخالد، فإن معدل انتاج الدونم الواحد من القمح في منطقة الاستقرار الأولى إذا توفر لها معدل أمطار يزيد عن 300 ملم، فإن الإنتاج يصل إلى 500كيلوغرام أما العام الحالي فالمعدل منخفض كثيرا وارتفاع الحرارة وانتشار القوارض والحشرات، أثرّ بشكل كبير على محصول القمح الذي ينذر بتدهور إنتاج ينخفض عن 250 كيلوغرام للدونم الواحد.