Gulf News – (ترجمة بلدي نيوز)
في بعض الأحيان، وبغضّ النظر عن مدى صعوبة محاولة صناع القرار أن يقوموا بإدخال أي تغييرات، فإن الأمور تبقى على حالها، بينما تنتظر مختلف الجهات الفاعلة أعدائهم ليصلوا إلى مرحلة الإرهاق، في سوريا وبعد عام 2011، خلص بشار الأسد وحتى أعداؤه بأنه لطالما كان يفوز بانتهاكاته مراراً وتكراراً لأي من اتفاقيات مبعوثي الأمم المتحدة وغيرهم ، لتأمين وقف إطلاق النار، فلقد كان من غير المرجح أن يقوم الأسد بتغيير حساباته في تلك الساعة المتأخرة، حيث أنه أبلغ بفخر زائريه مراراً بأنه متمسّك في موقفه بضمان بقائه وضمان نصره في نهاية المطاف.
يوم الثلاثاء، عقب اجتماع ثلاثي آخر رفيع المستوى الثلاثي، جمع كلاً من الأطراف، الأمريكية والروسية وممثلي الأمم المتحدة في جنيف لمواصلة المناقشات التي بدأت في موسكو يوم 14 يوليو/تموز حول مقترح الولايات المتحدة الجديد لتنسيق جهود مكافحة الإرهاب، مسودة المشروع المسربة من اتفاق الولايات المتحدة وروسيا السري، قدّمت بشكل غير مصقول تحت مسمى "الشروط المرجعية من أجل تنفيذ الأهداف المشتركة"، حيث تم تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق محددة: المنطقة (أ)، والتي تقع تحت سيطرة نظام الأسد وداعمه الإيراني و حليفه حزب الله، المنطقة (ب)، حيث يتحارب العديد من الأطراف المتحاربة، والمنطقة (ج)، تحت سيطرة حصرية من "تنظيم الدولة".
على الورق تبدو الخطة معقدة نوعاً ما، ولكنها تغوص في افتراضين رئيسيين، حيث ليس من المرجح لأي منهما أن يستمر طويلاً، يرى الافتراض الأول بأن واشنطن تقوم بتقديم تنازلات محددة لموسكو، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية التي يفتقر إليها الروس، ولكن الأسوأ من ذلك بكثير، بأنه يرى أيضا بأن ذلك التنسيق العسكري الهادف، من الممكن أن يقود إلى إضعاف نظام الأسد من خلال إبقاء سلاحه الجوي على الارض منذ سريان الخطة، بينما يفترض بأن واشنطن وموسكو ستقوم بالقصف ساعة تشاء، ولكن الافتراض الثاني والمعيب، يحوم حول الاعتقاد بأن موسكو ستقوم بثني الأسد وكما هو مفترض، إيران وحزب الله، على التخلي عن الحل العسكري، وبمرور الوقت، يمهد الطريق لرحيل الأسد.
أما إن كان اتفاق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأمريكي جون كيري سيكمل اتفاق سايكس بيكو الفاشل لعام 1916- والذي قام بتدمير العالم العربي لمدة قرن، أم لا، من الصعب أن نعرف الآن، على الرغم من أن علينا أن نعترف بأن بيان جنيف 1 لعام 2012، والذي دعا إلى "هيئة حكم انتقالية مع سلطات تنفيذية كاملة"، بما في ذلك كل من الحكومة والمعارضة، أصبح الآن جثة هامدة، وحتى العملية السياسية الانتقالية الواردة في قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع 2254 (18 ديسمبر 2015)، والتي أعلنت بأن أولوية المجتمع الدولي تتمثل في هزيمة "تنظيم الدولة أولاً"، أصبحت معلقة أيضا بشكل مؤقت نظراً لآخر الاتفاقيات.
وبطبيعة الحال، فإن قلة ينبغي أن تستغرب من أن الالتزامات السابقة تم الاستعاضة عنها بالتزامات أحدث تم تكريرها، ولكن ما يصعب فهمه هو الثقة التي تبدو لدى كل من واشنطن وموسكو نحو قدراتهم في "هزيمة جبهة النصرة و تنظيم الدولة"، لماذا يجب على تلك المجموعات، التي استمرت لفترة طويلة، أن تتوقف عن المقاومة؟ هل قامت الجهود الروسية والأمريكية في الماضي- والتي قامت أيضاً بجمع العديد من الحلفاء- بالتقليل بشكل ملحوظ من مستويات العنف؟ هل توقف سلاح جو النظام السوري عن قصفه الممنهج المتمثل في الأهداف المدنية؟ هل قبل نظام الأسد أي من العديد من المبادرات لوقف مجازره، والدخول في عملية الانتقال السياسي؟ ما الذي من شأنه أن يكسبه ذلك الاتفاق من خلال تنسيق الأنشطة العسكرية في سوريا إلا تلك الصورة الخرافية من أن الولايات المتحدة وروسيا يتعاونان لإنهاء القتال؟
إن لدى لافروف وكيري مهمة مستحيلة في سوريا، ولكن الموافقة على قصف البلاد أو أجزاء منها على أساس انتقائي، لن يقوم على الإطلاق بإنهاء الحرب هناك في أي وقت قريب، وحتى إذا ما استطاعت واشنطن وموسكو تسوية خلافاتهم، وعدم قصف أهداف متضاربة من المفترض أن يتم تضمينها في أقسام معينة من المناطق A و B و C، فلا بد من أن عملية التنسيق ما بين القوتين العسكرية أن تؤدي إلى ارتدادات معينة، وبعبارة أخرى، فإن القاذفات الأمريكية ستتجنب مواقع أحرار الشام، على الرغم من أن نظرائهم الروس لن يتوانوا في ملاحقتهم بدافع الانتقام، أو حتى لمحاربة جبهة النصرة في المنطقة (أ)، ولكن ليس في المنطقة (ب)، وهذا كله يتوقف على كيفية وقوع التغيرات السريعة على الأرض، وكيف سيكون حينها رد فعل الجانبين؟ وكم من الثقة ستكون لدى الأميركيين في نظرائهم الروس والعكس بالعكس؟
إن هنالك معضلة أخرى وبنفس القدر من الأهمية، تتجلى في التضارب في المواقف حول جيش النظام، فما الذي سيحدث عندما ستتعرض وحدات من الجيش السوري الحر (FSA) لهجمات قد تشنّها قوات النظام؟ هل سيقوم التنسيق بملاحقة قوات الأسد أو مساعدة الجيش السوري الحر؟ أي من المجموعات ستتم حمايتها وعلى يد من؟ هل ستتمتع واشنطن وموسكو بحق الفيتو على كل مرة بعدد غير منتهي من الحوادث التي سيتم التسامح فيها مع مثل هذا السلوك، وإلى أي حد؟
بعد خمس سنوات من الحروب الطويلة التي لا تنتهي (حيث أن هنالك العديد الحروب التي تخاض في وقت واحد) في سوريا حيث لا تزال تُقتل وتُشوه وتُدمر، فإن قليلون جداً من يحملون أي أوهام بأن واشنطن وموسكو سينجحان في إعادة رسم الخريطة المحلية، ووضع حد للقتال والبدء بالتحولات السياسية اللازمة، في حين لا بدّ أن نثني على لافروف وكيري لجهودهم المتواصلة على الرغم من أننا وكمراقبين موضوعيين يجب أن نسألهم، لماذا قاموا بتكريس الكثير من الطاقة لتحقيق نتائج ضئيلة جداً؟ فلا ينبغي لأي أحد أن يحمل أي أوهام بأن نظام آل الأسد سيقبل بأي تسوية من شأنها أن تمنع رئيس المافيا ومساعديه من البقاء في السلطة، وحتى لو كان الثمن يكمن بتقسيم لا مفر منه في سوريا، وعلى الرغم من الاستثمارات الأميركية والروسية العملاقة.
-الدكتور جوزيف كيشيشيان المحلل السياسي وصاحب الكتاب الذي نشر حديثا "من التحالف إلى الاتحاد: التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في القرن الحادي والعشرين."