بلدي نيوز – (صالح أبو اسماعيل)
أعمت المطامع التوسعية الأطراف المتصارعة في مدينة منبج وما حولها بريف حلب الشرقي عن حياة آلاف المدنيين، حيث تسعى ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مدعومة بطيران التحالف الدولي للسيطرة على المدينة، الواقعة تحت سيطرة تنظيم "الدولة" منذ عام 2014.
وتحاصر ميليشيات "قسد" المدينة منذ 48 يوماً، قاطعة كل الطرق المؤدية إليها، ولم تفتح حتى ممر إنساني لخروج المدنيين، الذين يعيشون ظروفاً مأساوية، في ظل نقص المواد الغذائية وانعدام الكوادر الطبية، والقصف على منازلهم من طيران التحالف الدولي، وقذائف "قسد"، ومفخخات تنظيم "الدولة" وحقول الألغام.
كلهم مجرمون
أجرمت ميليشيات "قسد"، عندما قطعت طرق الإمداد الإنساني عن المدنيين المحاصرين في المدينة، فضلاً عن القصف العشوائي الذي قتل العشرات من المدنيين الذين لا علاقة لهم بتنظيم "الدولة"، وأجرم التحالف الدولي بقصفهم، بدلاً من قصف عناصر التنظيم، إذ أن معظم من لقوا حتفهم بغارات التحالف هم من المدنيين، حيث اتسمت غارات التحالف بالعشوائية والضخامة، وفق نشطاء منبج.
بالمقابل، كان لتنظيم "الدولة" نوع آخر من الإجرام، تمثل بمنع المدنيين من النزوح قبيل وأثناء الحصار، فقتلت قناصاته عدداً من المدنيين أثناء هربهم، إضافة لمنع العائلات من الخروج من خلال الحواجز التي انتشرت على مخارج المدينة.
وقال عبد المنعم العيد رئيس اللجنة الإعلامية لمجلس أمناء الثورة في منبج لبلدي نيوز " نناشد المجتمع الدولي وجميع الأطراف المتصارعة في منبج لفتح ممرات إنسانية، وإسعاف الجرحى، وإدخال المواد الطبية للمدنيين في المدينة، ففي منبج أكثر من 200 ألف مدني، قليل منهم من الشباب، والقسم الأكبر من الشيوخ والنساء والأطفال الذين عجزوا عن الخروج منها سابقاً، وهذا ما ظهر في الصور التي وردت من مجزرة اليوم في قرية توخار، التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين بين شهيد وجريح".
كسب الداعمين
تسعى ميليشيا "قسد" لتعزيز رضى وثقة التحالف الدولي، من خلال السيطرة على مدينة منبج، فالسيطرة عليها تعني أن ميليشيا "قسد" سترسخ مكانتها كحليف الأول للتحالف الدولي، ويده الضاربة "للإرهاب" في المنطقة، وستحظى "قسد" بالدعم الكامل الذي سيمكنها من تحقيق حلم الميليشيات الكردية، التي تسيطر عليها بإعلان دولة كردية في الشمال السوري.
فيما تسعى حكومات دول التحالف لطرد التنظيم من المدينة، حتى لو كان ذلك على حساب المدنيين، للظهور أمام شعوبها وناخبيها بمظهر المنتصر على الإرهاب، كي تكسب تأييدها، وتحقق بذلك مشاريعها السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، يسعى تنظيم "الدولة" لتوسيع رقعة سيطرته في المنطقة الشرقية من سوريا وريف حلب الشرقي، فمنبج تعتبر أهم معاركه في الشمال السوري، فكسر قسد وهزيمتها، أو استنزافها للحد الأقصى هو هدف التنظيم في هذه المعركة.
ضحايا المشاريع
كان ولا يزال المدنيون في سوريا ضحايا المشاريع السياسية للأطراف المتصارعة، ففي منبج وخلال أيام الحصار والقصف، استشهد أكثر من 700 مدنياً، ووثقت أسماء أكثر من 250 منهم، بينهم أكثر من 70 طفلا و50 امرأة، وفق إحصائيات الناشطين، بينما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن عدد الشهداء "الموثقين" من المدنيين وصل إلى 200 شهيداً، بينهم نساء وأطفال منذ بدء الحملة.
وكثف طيران التحالف الدولي وميليشيا "قسد" من حملة القصف خلال الأيام الماضية، فارتكب مجازر كبيرة، آخرها مجزرة اليوم في قرية "التوخار" إذ راح ضحيتها نحو 160 شهيداً من المدنيين، وعشرات الجرحى.
وقال ابراهيم الحجي، رئيس المكتب القانوني بالهيئة السياسية في منبج لبلدي نيوز "المدنيون من يدفعون فاتورة الصراع الدائر في منبج، وأحمل الجزء الأكبر للمجتمع الدولي، في هذه الحملة التي يديرها التحالف الدولي، وتنفذها قسد، وأحمل تحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، التي ارتكبت المجازر في منبج، وتتحمل الدول العربية والإسلامية التي تستطيع الضغط على التحالف جزءً من المسؤولية".
الإعلام والاتهامات
لا يخفى على أحد ضعف التغطية الإعلامية من داخل منبج، بسبب سيطرة التنظيم ومنهجه ضد الإعلاميين، وصعوبة الوصول للمنطقة خوفاً من جميع الأطراف، وما يصل إلى الإعلام يقتصر على تواصل شخصي بين عدد من الإعلاميين، عبر شبكة الاتصالات التركية التي تغطي المدينة بحكم قربها من الحدود، فما يصل لا يعتبر سوى جزء بسيطا عما يجري هناك.
وعن الضعف الإعلامي، تحدث الحجي "إن التعتيم الإعلامي جزء من الحملة الشعواء التي يشنها التحالف الدولي، فنشطاء منبج ومثقفوها نقلوا ما يجري في منبج على أكمل وجه، وأوصلوه إلى وسائل الإعلام الكبرى، التي أخذت جزء بسيطاً، وتركت الجزء الأكبر في الإدراج".
الأمر الأهم في كل ذلك هو خوف معظم وسائل الأعلام من تهمة مساندة تنظيم "الدولة"، إذا ما نشرت عن نتائج الحصار والقصف والجرائم المرتكبة خلال الحصار سواء من ميليشيا "قسد"، أو المجازر التي يرتكبها طيران التحالف الدولي بحق المدنيين، على الرغم من التأكيد الخجول المستمر على ما يتعرض له المدنيون خلال القصف والحصار، الأمر الذي دفع عدداً من الناشطين لإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت وسم (هشتاغ) #منبج_تباد.