بلدي نيوز – (أيمن محمد)
لا يبدو أن الحرب في الشرق الأوسط مقبلة على نهاية قريبة؛ فالحرب التي تستعر معاركها من أفغانستان شرقاً، إلى ليبيا غربا لا تظهر أي بوادر على نهاية قريبة.
فلم تكن أكثر التوقعات سوداوية حول "الفوضى الخلاقة" التي شرع الأمريكان بنشرها في الشرق الأوسط، تبلغ الحد الذي وصلنا إليه اليوم في سوريا والعراق تحديداً، لكن يبدو أن ما يحدث لحد الآن مجرد تحضير للهدف الذي تسعى القوى العظمى إليه.
الحرب التي بدأت في أفغانستان ثم العراق 2003، والتي ظن بوش الابن أنه انتصر فيها، وحقق ما يسعى خلال أقل من شهر، دفعت أمريكا بعد الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها إلى سحب قواتها، وملئ الفراغ الناشئ عن انسحابها عبر إطلاق يد "قوة إقليمية" في المنطقة بهدف تحقيق الاستراتيجية الجديدة لأمريكا، والتي تعتمد على إدارة الحرب في المنطقة عبر وكلاء من دول وميليشيات، بدون الانخراط فيها بشكل مباشر "بري على الأقل".
حيث برزت تلك الاستراتيجية بشكل صارخ عندما استولت الميليشيات الشيعية على كامل هيكلية الدولة العراقية تدريجياً، والتي حيدت السنة تماماً بحجة قانون "اجتثاث البعث"، الذي أصبح تهمة ظاهرية للسنة قبل بداية الربيع العربي، والذي أزال تدريجياً كل التقية التي كانت تمارسها إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها.
لتتحول التهمة إلى "إرهابي" وليختفي قانون "اجتثاث البعث"، وكل ما هو مرتبط به من الساحة بعد الحرب التي بدأت في سوريا، وانتقلت تدريجياً إلى العراق، الذي جعلته الحكومات الميليشياوية الشيعية كبرميل من البارود ينتظر من يشعل فتيله.
معارك تاريخية
تشهد الساحة في العراق وسوريا ثلاث معارك مهمة، قد تكون أكبر المعارك منذ الحرب العراقية-الإيرانية خلال ثمانينات القرن الماضي، حيث تمتد تلك المعارك الثلاث المعلنة بين حلب والرقة والفلوجة، ومعارك أخرى تنتظر هي معارك الموصل ودمشق وديرالزور وغيرها من المعارك، التي تعيد تشكيل الشرق الأوسط الجديد بناء على الرغبة الأمريكية، وبأسلحة أمريكية وبوقود من الميليشيات الشيعية والكردية وميليشيات "الأقليات المضطهدة"!، والتي تسعى إيران للنصر فيها، بهدف السيطرة على المدن التي تحدث فيها هذه المعارك، وبخاصة حلب والفلوجة ودمشق والموصل، والدعم الذي تحصل عليه الميليشيات الشيعية والكردية ونظام الأسد هو دعم مباشر وحقيقي لإيران قبل الجميع.
تمتد رقعة المعارك -حتى الآن- ضمن الدول التي تشكل المرحلة الأولى لعملية إعادة تشكيل المنطقة، والتي يركز فيها الضغط على الدول المختلطة الإثنيات والطوائف، وتستخدم فيها ميليشيات أحادية التكوين أو تحالفات لميليشيات متعددة في تلك المعارك، والتي تستهدف السنة العرب، وطال شررها السنة التركمان في جبال الساحل السوري، الذين يمثلون الهدف الحالي للمشروع في المنطقة.
حيث تتمثل هذه المرحلة بتهجيرهم وتوطين الشيعة مكانهم، وإعادة تشكيل المنطقة إثنياً وجغرافياً، وكسر الكتل السنية الكبرى في العراق وسوريا، وإعادة تشكيل الدول الموجودة فيها على أسس مختلفة عن سايكس بيكو، وضمان وصول إيران إلى المتوسط.
عملياً بدأت عمليات التطهير في العراق بعد الغزو الأمريكي، ثم وصلت إلى سوريا مع بداية المواجهة ضد النظام، لتعود وترتد إلى العراق متحولة من نموذج عمليات التصفية التي تنفذها الميليشيات بحق الأفراد والأحياء، إلى تصفيات وعمليات تدمير تستهدف مناطق ومدناً بكاملها، ولعل الفلوجة هي المثال الأقرب إلينا، بعد أن أصبحت الهدف الأساسي للحشد الشيعي في العراق.
فالفلوجة التي دخلت في معارك غير متكافئة ضد الأمريكان خلال فترة غزوهم للعراق واستعصت عليهم طويلاً، يبدو أن عقابها سيكون بيد الميليشيات الشيعية التي أطلقت يدها في العراق وسوريا واليمن، والذين أعلن قائدهم أنها "رأس الأفعى" ناسفاً الفكرة التي روج عبرها للمعركة أنها ضد تنظيم الدولة، وأنها بهدف "تحرير" المدينة.
الولي الفقيه في خدمة "الشيطان الأكبر"
إيران هي القوة الإقليمية التي أوكلت إليها أمريكا ملئ الفراغ الذي خلفته بانسحابها، بحكم سيطرتها على العراق وسوريا ولبنان، فيوجد تحالفٌ قديم غير معلن بينهما، والذي تجمعه وحدة الأهداف المتمثلة بالسيطرة على الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، والذي كانت إيران بموجبه رأس الحربة في الحرب ضد العراق، خلال ثمانينات القرن الماضي، والحاكم له بعد الغزو الأمريكي.
حيث تمثل إيران حليفاً وخادماً مطيعاً للغرب "مأمون الجانب"، فهي وعلى الرغم من قدراتها العسكرية "الكمية" الكبيرة، وقدرتها على التجييش الديني، وحشد الشيعة من غير الفرس في معاركها، لكنها غير قادرة فعلياً على الدخول في حروب ضد أي دولة متقدمة تقنياً، ولو بالحد الأدنى.
فإيران تدرك أن تخلف ترسانتها العسكرية ومحدودية قدراتها التقنية تجعلها تهزم بسهولة في أي معركة ضد الدول الكبرى، فالتقارير والتقييمات التي أجريت حول قدرة إيران على إغلاق مضيق باب السلام، تحدثت عن تدمير كامل القوى الجوية والدفاع الجوي والبحرية الإيرانية خلال 15 يوما فقط في حال دخولها في مواجهة ضد أمريكا.
ولن تفيد الصواريخ الباليستية الإيرانية في أي شيء، فهي لا تستطيع الوصول إلى أوربا أو أمريكا ولن تحقق أي هدف غير استجلاب الدعم من دول إضافية، للحلف الذي قد يتشكل ضدها في حال قصفها، لذلك فلا تشكل إيران أي خطر حقيقي في المدى المنظور على أوربا وأمريكا، بخاصة أنها لم تشكل تهديداً تاريخياً على أوربا خلال الألفي عام الماضية، وأخر معاركهما كانت قبل الميلاد عندما دحر الاسكندر الأكبر الملك دارا الثالث، لتتلوها معارك الإمبراطورية الساسانية ضد بيزنطة، والتي انتهت بهزيمتهم قبيل الفتح الإسلامي.
البراغماتية الإيرانية ومعرفة الإيرانيين أنهم بدون دعم أوربي وأمريكي عاجزون عن تحقيق أي تقدم في المنطقة، جعلتها تضع نفسها في خدمة "الشيطان الأكبر" الذي سمح لها بالتمدد في الشرق الأوسط، ومنع الدول والكتل السنية الكبرى من مواجهة المد الإيراني الشيعي بعد سقوط العراق، الذي هزم إيران في حرب مريرة استمرت لثماني سنوات.
حيث يتفاخر أحد أكبر مراجع إيران أن السيستاني يحقق انتصارات متلاحقة بسبب لقاءاته الدورية "بالمهدي المنتظر"، لكن يبدو أن المهدي المنتظر الذي يتحدث معه الخامنئي ليس سوى أحد موظفي الخارجية الأمريكية ليس إلا.
المرحلة الأولى
إيران التي تمثل ركيزة المشروع الهادف لتفتيت المنطقة وتدميرها، تعمل حالياً لكسر الجزء الصعب في المقاومة التي تواجهها مستفيدة من الدعم الغربي، فالمعارك التي تخوضها في العراق وسوريا واليمن هي أقسى بكثير من المعارك التي تخطط لها لاحقاً، بحكم أنها تقاتل ضد قوى لديها خبرة قتالية عالية وعقيدة عسكرية ودينية متينة، واستيعاب عالي للمشروع الايراني ورفض شديد له.
فالعراق وسوريا واليمن ليسا سوى مقدمة، لاحتلال الخليج العربي والسيطرة على دول الخليج، وعلى رأسها السعودية بما تمثله من قدرة اقتصادية وعقائدية.
المشكلة الأساسية التي تواجهها هذه الدول هي عدم الاستثمار الاستراتيجي في الحرب القائمة حالياً في سوريا والعراق وحتى اليمن، وعدم فعل أي شيء قبلهما، فإيران التي بدأت العمل وتأسيس قواعدها في لبنان وسوريا وأفغانستان وباكستان والهند والعراق، وحتى داخل دول الخليج نفسها خلال الثمانينيات تقطف الآن ثمار عملها الاستراتيجي الطويل، في حين تحجم مجموعة من الدول الأغنى في العالم عن تحقيق الحد الأدنى من الاستثمار السياسي والعقائدي والعسكري (الخليج العربي)، في نطاقها الاستراتيجي الذي يضيق تدريجياً منذ "ثورة" الخميني.
في حين تسعى دول الخليج لتصدير نفطها، تسعى إيران لتصدير "ثورتها"، فالميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران تسرح وتمرح من أفغانستان إلى المتوسط بدون أي حسيب أو رقيب، وبدون أي مساءلة قانونية وبدون أن تشملها صفة "الارهاب"، على الرغم من تنفيذها في الكثير من الأحيان عمليات إرهابية ضد دول مختلفة سواء في أوربا أو أمريكا اللاتينية، والخليج وأسيا وحتى تركيا.
المرحلة القادمة من الحرب
إحجام دول الخليج عن تنفيذ أي عمليات استثمار استراتيجي، والاعتماد على "الحماية" والقواعد الغربية في المنطقة ليس نافعاً على الإطلاق، خصوصاً أن العراق يمثل الحدود الشمالية للخليج، وله حدود مشتركة مع السعودية والكويت، والتي تمثل المرحلة الثانية للمشروع التوسعي الإيراني، الذي لم يشهد أي رفض من قبل الأوربيين أو الأمريكان والروس، والقواعد العسكرية الأمريكية في الخليج قد تحيد أو تتخلى عن دول الخليج في حال حدوث أي هجوم إيراني عراقي ضده.
وأكبر مثال على ذلك القواعد العسكرية الأمريكية في العراق والشمال السوري والعراق، والتي بنتها أمريكا على بعد عدة عشرات من الكيلومترات من مناطق انتشار الميليشيات الأفغانية والإيرانية في الشمال السوري، عدا عن أنباء التعاون الاستخباراتي بين حزب الله والأمريكان في المعارك الدائرة ضد الثوار في بعض المناطق الحدودية اللبنانية مع سوريا.
كذلك لا تمثل جيوش دول مثل السعودية وقطر والكويت أي تحدي حقيقي للقوات الإيرانية والعراقية، على الرغم من تفوقها التقني ومخزون الأسلحة الخرافي لديها.
وهذا عائد لعقيدتها القتالية الدفاعية، وعدم وجود أي خبرة قتالية حقيقية لمختلف صنوف الأسلحة لديهم، وضعف الإرادة السياسية للقتال.
يضاف لذلك وجود المئات من الخلايا النائمة التابعة لإيران في تلك الدول، والقادرة على التسبب بالكثير من الإرباك، والذي قد يصل لمرحلة احتلال مدن كاملة، في حال نشوب حرب مع إيران أو العراق، وقد تمثل الخلايا التي اكتشفت في الكويت والبحرين أكبر مثال عليها، مع كم الأسلحة الكبير الذي كان بحوزتها.
أما العملية العسكرية المتمثلة بعاصفة الحزم، والتي تعثرت كثيراً مؤخراً ولم تستطع تحقيق الأهداف المرجوة منها، فهي على الرغم من كونها عملية هجومية بسلاح متفوق، وضد أعداد محدودة من الحوثيين، لكنها لاتزال غير قادرة لحد اللحظة على القضاء على الحوثيين، أو الدخول إلى صنعاء وتعطي مثالاً عن مستقبل العمليات ضد الإيرانيين.
فالفرق الأساسي بينهما هو أن العمليات القادمة ضد إيران ستتخذ الطابع الدفاعي، والذي سيعطي الإيرانيين ميزة القدرة على تطويق وعزل المدن واستخدام الخلايا النائمة لاقتحامها، والصواريخ البالسيتة لتعطيل القدرة الجوية لدول الخليج -عبر ضرب المطارات- عدا عن الهجمات غير التقليدية وبخاصة بالأسلحة الكيماوية.
ما يعني أن دول الخليج ككل لن يكون لديها فرصة حقيقية بالصمود في حال مهاجمة إيران لتلك الدول، وبخاصة إذا حدث ذلك بوجود مبرر قانوني وغطاء دولي، مثل الذي تحظر له أمريكا بربط السعودية بهجمات 11 أيلول في أمريكا، والتي احتلت افغانستان بسببها وبحجتها، والأخبار التي تتحدث عن تسريبات بامتلاك السعودية لصواريخ بالستية، واحتمالية حصولها على رؤوس نووية من باكستان، وما قد يجره ذلك من ردود فعل دولية.