بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
بعد أن مرور عام على دخول قانون "قيصر" حيِّز التنفيذ وبعد ما يزيد عن ستة 6 أشهر على إقراره، كيف يمكن أن يقرأ المتتتبع تأثير هذا القرار على حياة الشارع في مناطق النظام، خاصة وأنّ الفترة الماضية حفلت بتعليق كل ما يحدث من انتكاسات على العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ في السابع عشر من حزيران/ يونيو 2020.
إضاءة على القانون:
من خلال قراءة متأنية لطبيعة وبنود قانون "قيصر"، نجد إنه يركز على التعامل مع النظام من ناحية توريد قطع تكنولوجية وإلكترونية تخدم في تصنيع السلاح وتطوير الطائرات أو المواد الكيميائية، ومن جهةٍ أخرى يبدو قانون العقوبات وبحسب تحليلات خبراء استند إلى دراسات مطوّلة، وتجارب قديمة، انتهت إلى تقليص خيارات النظام في مواجهة أي عقوبات أمريكية جديدة عليه، فالقانون يشمل ركائزه العسكرية، مستفيدا من معطيات أخرى، أبرزها؛ الأزمة الاقتصادية القصوى التي يعاني منها نظام اﻷسد، وانهيار الليرة السورية أمام الدولار اﻷمريكي.
ويعتقد عدد من الخبراء الألمان من بينهم الكاتب والصحفي، ماتياس فون هاين، أن "المفارقة في أن العقوبات الأوروبية التي تستند إلى المخاوف على حقوق الإنسان تشمل 14 قطاعا مثل محطات توليد الطاقة ومضخات المياه ومعدات صناعة الطاقة وقطع التبديل والتحويلات المالية، ما يشكل عقوبة جماعية للسوريين ويعيق حصولهم على الكهرباء والأدوية والطعام إلخ".
إﻻ أن التركيز في القانون (قيصر) على الشق العسكري، والمصرف المركزي، بما يخص الحواﻻت المالية التي لها علاقة بالجانب السابق، وﻻ توجد أي إشارة للجانب المعيشي، وهو ما تؤكد عليه تصريحات الساسة اﻷمريكان.
إذلال ممنهج:
لا تميل بعض التحليلات فقط إلى عجز اﻷسد ونظامه عن إيجاد مخرج للأزمة المعيشية الحالية، بل يعتقد هؤلاء بالنظر إلى تجربة "الثمانيات" التي مرّ بها الشعب السوري، وحُرِم فيها من "المحارم الورقية، الموز، الزيت، السكر، الأرز، وغيرها من الأساسيات"، ولم تكن ثمة عقوبات.
بل إنّ سلسلة "مرايا" ولوحات الفنان ياسر العظمة، وتحديدا "يوميات مواطن"، تشرح السيناريو الذي يعيشه الشارع اليوم، في مناطق النظام، والذي يكاد يكون متطابقا، مع فارق تغير الوجه الذي يقود البلاد، من حافظ إلى ابنه بشار.
وتعتقد هذه النظرة أنّ "النظام يسعى ﻹذلال الناس، وشغلهم بقوت يومهم، والدفع بالمزيد منهم نحو الهجرة، للتخلص من أعبائهم، وإقصاء فكرة التغيير السياسي المنشود".
فيما يعتقد آخرون أنّ النظام دخل مرحلة "الشيخوخة" أو "العجز" ﻷسباب كثيرة، في مقدمتها تدمير البلاد، وبنيتها التحتية، وفقدانه معظم موارده اﻷساسية، وأولها "النفط"، وتصدع مؤسساته التي ينخرها "الفساد".
قيصر مسؤول أيضا:
ونشر موقع " DW اﻷخبار"، بتاريخ 11.06.2020 ، تقريرا مطولا عن "قانون قيصر" يقول في إحدى فقراته: "المسؤولية لا تقع على قيصر لوحده، وبالطبع ليس من العدل أيضا تحميل القانون الأمريكي مسؤولية هذا التراجع الدراماتيكي، يشير إلى الوضع المعيشي السيء وتراجع القدرة الشرائية لليرة، غير أن له اليد الطولى في التطورات الأخيرة وفقا لغالبية المحللين والعارفين بالشأن السوري".
وما يرجح الرؤية السابقة تصريحاتٍ منسوبة، للمبعوث الأمريكي لسوريا، جميس جفري، بأن "العقوبات الأمريكية ساهمت في انهيار قيمة الليرة السورية، لأن النظام السوري لم يعد قادرا على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة ولا على تبييض الأموال في المصارف اللبنانية بسبب الأزمة التي تعصف بلبنان أيضا".
ويضيف التقرير الذي أعده موقع DW اﻷخبار: "أما الأسباب الأخرى التي أودت بالليرة السورية ومستوى معيشة السوريين فهي كثيرة ومعروفة لعل أبرزها الدمار الذي ألحقته الحرب بالاقتصاد السوري بدءا بقطاع النفط الذي تحتل آباره قوات أمريكية في الوقت الحالي وانتهاء بالسيطرة على مناطق شرق الفرات وشمال سوريا التي كانت خزان البلاد من القمح والقطن والشعير وغيرها".
ويكمل: "ويضاف إلى ذلك تبعات جائحة كورونا والخلافات الأخيرة بين الرئيس الأسد وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف والذي أدت إلى الحجز على أموال الأخير وخوف من بقي من رجال الأعمال في سوريا على ثروتهم بشكل يدفعهم إلى تهريب أموالهم خارج البلاد".
ويصل التقرير إلى خلاصة أن تعزز نظرية التحليلات التي تنادي بأنّ النظام، يتجه لمعاقبة الناس عبر إذلالهم، والعجز اﻻقتصادي الذي يعانيه، ويقول: "أما السبب الأهم من ذلك فيعود إلى الفشل الذريع في الحد من تفاقم الفساد في مؤسسات الدولة على مختلف المستويات وظهور فئة من تجار الحرب الذين يتاجرون بدماء السوريين على اختلاف مشاربهم وأطيافهم في جميع المناطق السورية دون استثناء.
وعليه فإن إقالة الحكومة برئاسة عماد خميس وتكليف عرنوس تشكيل حكومة جديدة إجراء لن يفلح في تغيير الوضع، لأن المشكلة في بنية وطريقة عمل الحكومة ومن يتحكم في قراراتها أكثر منها في الأشخاص الذين يتولون المسؤولية.
قدرة شرائية متدنية:
واعتبرت تحليلات اقتصادية أنّ انهيار الليرة السورية المتسارع، والرغبة اﻷكيدة من طرف النظام، للوصول إلى سعرٍ يتجاوز 2000 ليرة للدوﻻر اﻷمريكي الواحد، أوجد شرخا مع ضعف وتدني اﻷجور، وساهم في "عدم قدرة الشارع على الشراء، وأضعف الحركة التجارية، وسبب ركودا وجمودا، أقرت به الصحف الموالية وبالتالي فإن السوريون فقدوا قدرتهم الشرائية، وطفت "اﻷزمة والطوابير" على السطح.
وتشير الدراسات إلى أن الولايات المتحدة اﻷمريكية والاتحاد الأوروبي المتحكمين بنظام التحويلات المالية عبر العالم، ومن خلال مقاطعتها للنظام المصرفي بما ذلك مصرف سوريا المركزي، وفرض عقوبات عليه في بلد مثل سوريا، يعني شل التجارة والصناعة والخدمات فيه، لأن نحو ثلثي تجارته وعلاقاته الاقتصادية كانت قائمة مع الدول الغربية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا حتى اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.
وتشير هذه الدراسة استنادا لما سبق إلى أن "القسم الأكبر من الدولار والعملات الصعبة الأخرى اللازمة لاستيراد الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج لا يمكن توفيرها. ومن شأن هذا الحرمان أن يقود إلى انهيار العملة الوطنية وارتفاع جنوني في الأسعار وزيادة نسبة الفقر التي يعاني منها حاليا 90 بالمائة من السوريين، بينما يعاني أكثر من الثلثين من الفقر الشديد حسب منظمة الأمم المتحدة.
ويذكر أنّ الليرة السورية، فقدت 40 بالمائة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء خلال شهر حزيران /يونيو العام الفائت. وتدهور سعر الليرة إلى أكثر من 3000 ليرة، قبل أن يعود إلى حدود 2200 ليرة مقابل الدوﻻر الأمريكي.
قانون لعزلة النظام:
وترى دراسة لموقع "جسور للدراسات" أن القانون يهدف إلى تطبيق عقوبات بحق النظام السوري، تتراوح بين زيادة العزلة ومنع تعويم النظام، إلى حرمانه من الموارد الرئيسية وشل قدراته في مجال استيراد التكنولوجيا العسكرية والأمنية، واستهداف بنيته الرئيسية في محاولة لخلق تصدعات داخله، الأمر الذي تحوط له النظام بالتجهيز لرواية رسمية واسعة الانتشار تستخدم داخل وخارج سوريا، وتنويع الوجوه العاملة في المجال التجاري، إضافة إلى تنفيس ضغط الموالين من خلال الاستجابة لبعض المطالب، على شكل تحميل وزراء أو مسؤولين معينين دون غيرهم مسؤولية ما يحصل.
اقتصاد الشللية:
بالمحصلة، أثر قانون العقوبات بشكلٍ ملحوظ على التعاملات المالية، لكنه لم يستهدف "الشارع" على عكس ما يروج النظام، بل إنّا يمكن الذهاب ﻷبعد من ذلك، والتأكيد بأنّ القانون لم يكن المتسبب في انهيار اقتصاد النظام.
بل إنّ "المؤسسة اﻻقتصادية" التي تتبع لنظام اﻷسد، تقوم على مبدأ "الشللية" و"المحسوبيات" في التصدير وتربع الهرم اﻹدراي، كما أنّ معظم الشركات الخاصة، ليست إﻻ واجهة لمنظومة يديرها اﻷسد نفسه، أكد عليها قبل أيام، رامي مخلوف، ابن خال اﻷسد، في منشورٍ له على الفيس بوك.
وتراجع اﻻقتصاد السوري، منذ سنواتٍ سبقت الحراك الشعبي، من جهة القطاع التجاري والزراعي، وسبق أن نشرت الصحف المحلية الرسمية (الموالية)، تفشي "البطالة والفقر"، إلى مستوياتٍ مرتفعة، وبالطبع زادت منذ الحراك والتحول العسكري للمواجهة.
وتخضع الدولة السورية منذ تولي "اﻷسد اﻷب" السلطة في انقلاب السبعينات إلى عقلية توزيع "الثروة اﻻقتصادية" بين مقربيه وحلفائه من الطائفة وغيرهم "آل مخلوف، آل شاليش"، وتخضع إدراة هذا القطاع لتلك العقلية "اﻷمنية".
ويشير مركز "جسور للدراسات" إلى أن القانون "قيصر" سيُسرع في ارتفاع المؤشرات السلبية في الاقتصاد السوري، كالفقر والبطالة والأسعار، وسيجعل مؤسسات الحكومة أكثر حرصا على التدخل في الحياة الاقتصادية الداخلية كتاجر رئيسي، لضمان دورها في توفير السلع والخدمات الرئيسية التي قد تعجز في مرحلة من المراحل عن تقديمها، نظرا لضعف واردات النقد الأجنبي، كما ستعجز عن تأمين موارد لتمويل برامج الموازنة الحالية أو القادمة.
وتضيف الدراسة: "سيؤثر القانون بشكل جزئي ومتدرج على التركيبة الديمغرافية لجهة تعزيز شكل الهرم السكاني في كل من مناطق المعارضة والنظام، وسيشجّع النزوح نحو المناطق الريفية التي تُؤمّن اكتفاءً ذاتيا أكثر، وتعد أرخص كلفة.
كما يتوقع أن يغادر المزيد من السوريين بلادهم خاصة من أولئك القادرين على تحمل كلفة المغادرة حاملين معهم ما بقي معهم من أموال".
وقدرت منظمات دولية نسبة السكان الذين يعيشون دون خط الفقر (وهو 1.9 دولار أمريكي يومياً) في سورية بأكثر من 80% من السكان، ومن الراجح أن المزيد من تعنت النظام، واستمرار بقائه، سيحول العشرين بالمئة الأخرى من السكان إلى ذات الخانة ﻻسيما مع استمرار انهيار قيمة الليرة وارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل.
العزلة اﻻقتصادية:
ومن ناحيةٍ أخرى، استطاع قانون "قيصر" عزل النظام اقتصاديا عن محيطه، ورغم أنّ التقارير الموالية تشير مؤخرا إلى وفود تجارية تزور مناطق سيطرة النظام، إﻻ أنّها لم تشر عمليا إلى حدوث أو توقيع أي استثمار يذكر.
وبقيت علاقة النظام مع دول الجوار، أو حلفائه قائمة على بيع "توريد" الخضار والفاكهة، أي أنّ تصديره لم يتجاوز بضع ملايين الليرات السورية، التي انعكست على اﻷسعار محليا بشكلٍ سلبي.
ملف اﻹعمار:
وكما هو حال الملف اﻻقتصادي، لم يتمكن النظام من تجاوز العقبات التي فرضها "قيصر"، ولم تسر عجلة "إعادة اﻹعمار" وفق ما تشتهيه رياح اﻷسد وحلفائه، كنتيجة منطقية لغياب المستثمرين.
تسليح النظام عسكريا:
ونشر مركز "جسور" للدراسات تقريرا أشار فيه إلى ملف قيصر وعلاقته بـ"صفقات السلاح"، وانتهى التقرير للقول: "يُتوقع أن مشتريات السلاح السوري كانت في حدّها الأدنى والصفقات المُعلَن عنها رسميا من قِبل روسيا كانت في النصف الأول من 2020، فبحسب "معهد أبحاث السلام العالمي" فإن التدفق الوحيد في النصف الأول لعام 2020 كان بقيمة 72 مليون دولار أمريكي، ويتوقع أن هذه الدفعة هي طائرات "ميغ 29" التي أُرسلت من قِبل روسيا قُبيل تطبيق القانون ببضعة أسابيع".
الخلاصة:
تجمع التحليلات أنّ قانون "قيصر" أوجد خرقا، لكنه أتى في فترة انتقالية فصلت بين رحيل إدارة دونالد ترامب وقدوم إدارة جو بايدن، ما يجعل التقييم مبدئيا يخلو من الدقة التامة، لكن لا يمنع من كونه "حقق بعض أهدافه".
ومن جهةٍ ثانية؛ فإنّ السؤال مؤخرا يتعلق فيما ستعمل إدارة بايدن على اﻻستمرار بنهج سلفها أم ﻻ؟ وهذا اﻷمر متوقف على انتهاء اﻹدارة الجديدة للبيت اﻷبيض من بناء استراتيجيتها الخاصة حول الملف السوري، فضلا عن إعادة ترتيب ملفاتها مع الجهات الفاعلة والمعنية فيه، وتحديدا كلّ من روسيا وإيران.
ويمكن بناء على ماسبق القول إنّ تبني إدارة بايدن للقانون من شأنه ترك آثار سلبية أكثر وأوضح على اﻷسد وحلفائه مستقبلا.