بلدي نيوز - (ياسر عبدالرحيم)
ينتظر المتابعون السوريون انعقاد الجولة الـ15 من اجتماعات أستانا والتي من المقرر عقدها في 16/17 من شباط/ فبراير الجاري، وانعكاسها على المناطق الساخنة في سوريا وعلى رأسها ملف "إدلب"، وسط مخاوف من انهيار اتفاقية وقف التصعيد في حال فشلت الجولة، وذلك على وقع فشل اللجنة الدستورية التي وصفها المبعوث الأممي "غير بيدرسون" بأنها مخيبة للآمال، والتي أعقبها زيادة التصعيد من قبل الأطراف المتصارعة في شمال غربي سوريا.
السيناريو رقم 14
لم يخرج النظام وروسيا من عاداتهم وأسلوبهم في الضغط والتصعيد العسكري في المناطق الساخنة في سوريا، قبيل انعقاد أي عملية تفاوضية مع المعارضة، وبمراجعة العمليات العسكرية التي استطاع النظام خلالها استرجاع قرى وبلدات من سيطرة المعارضة، نجد أنها جرت جلال مفاوضات أستانا، وتحديدا العمليات التي استهدفت مناطق خفض التصعيد، بهدف إيصال رسالة من النظام وروسيا أن ما يقومون به على المستوى الميداني هدفا محقا في استرجاع السيطرة على الأرض.
وتعتبر الدول الثلاث الضامنة لاتفاق أستانا حول سوريا، الذي جرى بين ممثلين عن النظام السوري ووفد من المعارضة السورية، في العاصمة الكازاخية أستانا، والتي بدأت أولى جولات المحادثات في 23 و24 من كانون الثاني 2017.
دفن اللجنة الدستورية وإنعاشها في أستانا
واستعرضت تصريحات أعضاء اللجنة الدستورية السورية من وفدي المعارضة والنظام، عقب اختتام الجولة الخامسة الأخيرة، بالفشل، بعد أن أثبت الجميع مماطلة النظام السوري في الاجتماعات وعدم أخذها على محمل الجد.
ولم يبد معلقون، خاصة من السوريين، تفاؤلاً حيال نجاح اللجنة وفرص التوصل إلى تحالفات سياسية.
وتعتبر اللجنة الدستورية من مخرجات مؤتمر "سوتشي" الذي عقدته روسيا في مطلع عام 2018، ويعول عليها في وضع دستور جديد لسوريا، وتحظى بدعم ورعاية من الأمم المتحدة، والتي تراها الطريق الوحيد للوصول إلى الحل السياسي، بحسب رؤية مبعوثها إلى سوريا السابق، غير بيدرسون، والتي جاءت من منطلق أن اللجنة هي المسار السياسي الوحيد الذي يجمع شخصيات من المعارضة والنظام والمجتمع المدني أيضا.
ومن المتوقع أن تحمل الجولة التفاوضية لاجتماعات أستانا 15، جميع مسارات التسوية المتعددة غير المثمرة وعلى رأسها مناقشة موضوع الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة والدستور الجديد، في محاولة من الضامنين انعاش اللجنة الدستورية بعد السكتة التي تعرضت لها في الجولة الخامسة، فضلا عن مناقشة التطورات الميدانية في إدلب، وملف المعتقلين، مع النظر في وضع الظروف الدولية الحالية من ضبابية المواقف الدولية الضاغطة، وظروف جائحة كورونا.
استئناف القوافل على M4 أم هدم الاتفاقيات
تخضع منطقة إدلب إلى اتفاق "روسي - تركي" منذ آذار الماضي 2020، والذي نص على وقف إطلاق النار، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب- اللاذقية، إلا أن الدوريات المشتركة تعرضت إلى استهدافات بأشكال متنوعة بين تفجير سيارة واستهداف بانفجار عبوة ناسفة، والذي أسفر عن إصابة جنود أتراك وروس، ما دفع الجيش التركي إلى نشر نقاط حراسة أسمنتية على طول طريق M4 بهدف حماية الجسور على طول الطريق الدولي من التفجيرات، فضلاً عن نشر القوات التركية في جميع مناطق محافظة إدلب وخاصة بعد انسحابها من مناطق سيطرة النظام، حيث أنشأت عشرات النقاط العسكرية في مناطق مختلفة، وكانت آخرها في تل الكبير في بلدة قسطون في منطقة سهل الغاب غربي حماة.
في المقابل، عملت روسيا على إجراء تدريبات مشتركة مع تركيا على طريق M4 للتعامل مع هجمات محتملة، تضمنت التحرك في قافلة وصد هجوم عليها وإخلاء الجرحى، وهذا ما أكده تسجيل مصور أظهر تواصل جنود روس وأتراك عبر أجهزة اللاسلكي وحديثهم قبل التدريب، ومشاركة عربات مصفحة من نوع "تايغر" وBTR-82 الروسية وKirpi التركية.
وما ذكرناه أيضا يدل على أن المجتمعين في أستانا سيناقشون ملف استئناف القوافل التجارية واستبعاد الحلول العسكرية في منطقة إدلب.
كسب الرهان على عين عيسى
انعكس التصعيد الأخير حول بلدة عين عيسى في شمال شرقي سوريا، خلافات بين روسيا وتركيا بدأ بقصف متكرر للفصائل الموالية لتركيا وتهديد الأخيرة بشن عمل عسكري والذي قابلة استقدام تعزيزات روسية إلى المنطقة المذكورة (عين عيسى) ليكون لها موطئ قدم في شرقي سوريا، بعد أن توصلت موسكو لاتفاق بين الإدارة الذاتية والنظام السوري حول النفط الشرقي لسوريا، حيث يرى محللون أن المعطيات الأخيرة تقول أن روسيا تسابق الزمن، وتحاول فرض أمر واقع جديد شمال شرق سوريا.
وأهم تلك المعطيات هو إبعاد الجانب الأمريكي عن حقول النفط، وبسط سيطرتها على المناطق التي تخضع لسيطرة "قسد" وبإشراف من التحالف الدولي، باتفاقات جديدة تتعهد بوقف العمليات العسكرية التركية على تلك المناطق.
كما تحاول روسيا استخدام العشائر العربية كأداة لضرب السلم الأهلي، وبذلك تُحقق هدفين، إضعاف قوات سوريا الديمقراطية والانتقام منها كونها لم تستجب للسياسات الروسية في مواجهة أمريكا، وممارسة ضغط فعال على الوجود الأمريكي نظراً لحيوية القوى العشائرية.
أما الهدف التركي، فإن انقرة تعتبر بلدة عين عيسى لها أهمية خاصة في خريطة الشرق السوري، ولها موقع استراتيجي بارز حيث تقع على مفترق طرق يؤدي إلى مدينة الرقة من جهة وتل أبيض وريف الحسكة من جهة وعين العرب ومنبج من جهة أخرى، وتموضعها على الطريق الدولي M-4 والذي تحاول روسيا فتحه منذ أكثر من عام، بدءا من المناطق التي يمر بها في إدلب، وصولا إلى الحدود السورية العراقية، إضافة لاعتبارها من قبل "قسد" عاصمة إدارتها المدنية لمنطقة شرق الفرات، حيث تعقد فيها الاجتماعات مع التحالف الدولي والوفود الدولية التي تزور مناطق سيطرتها، لا سيما أنها عقدت في البلدة الاستراتيجية عشرات المؤتمرات.
ومع اتضاح وجهة تركيا العسكرية في الفترة الحالية، في منطقة جنوب الطريق الدولي M-4 وأبعد من حدود الممر الآمن، تبدو أنها معركة ذات جدوى سياسي أكثر من كونها عسكرية، تهدف للضغط على الجانب الروسي وتهديد مصالحه في منطقة شرق الفرات وزجه في موقع المواجهة مع قوات سوريا الديموقراطية، لتحريك ملفات عالقة، منها مصير طريق M-4 في المنطقة الواقعة بين مدينة "سراقب" شرقي إدلب وقرية "عين حور" بريف اللاذقية الشمالية وتحديد مصير منطقة جبل الزاوية الذي انتشرت القوات التركية في كافة بلداته وقراه وتضاريسه، بالتزامن مع إعلان نظام الأسد وروسيا نواياهم إطلاق عملية عسكرية جديدة في محافظة إدلب.
ختاماً، سيحارب اللاعبون في جولة أستانا القادمة على كسب مصالحهم في سوريا، عبر تقارب وجهات النظر، مع مراعاة الأزمات الدولية، ولعلّ الاجتماع سيتمخض بنتائج إيجابية تنعكس على الأحداث السورية السياسية والعسكرية.