بلدي نيوز
نشر مركز "الجزيرة للدراسات" تقريرا بعنوان "مابعد سليماني: حدود الرد الإيراني وأشكاله"، تحدث فيه عن طبيعة الضربة التي تلقتها إيران باغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، بالإضافة لعرضه عدّة سيناريوهات لشكل الرد الإيراني.
وأوضح التقرير أن فجر الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2020، كان ثقيل الوقع على إيران، فقد تلقت ضربة موجعة بمقتل مهندس نفوذها الخارجي ورجلها القوي قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي "أبو مهدي المهندس"، وشخصيات أخرى عراقية وإيرانية.
واعتبر المركز أن تصفية "سليماني" تجعل إيران تشعر بأنها مكشوفة بعد أن انهار الردع الذي كان يمنع الولايات المتحدة من المواجهة المباشرة وتفادي استهداف القيادة الإيرانية، لافتاً إلى أن طبيعة الملفات التي كان يديرها "سليماني" تعطي مؤشرًا واضحًا على حجم الدور الذي كان يقوم به.
ولفت إلى أنها تقدم مؤشرات عن شكل وحجم الرد الإيراني مستقبلًا، وتؤذن بتغير واضح في قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء المرسومة في علاقة الصراع الإيراني-الأميركي، وأن سليماني الصانع الحقيقي للنفوذ الإيراني الخارجي الذي جعله من الشخصيات الرئيسية في النظام، ويعد اغتياله ضربة موجهة للجانبين معًا، أي النفوذ وبنية النظام.
ويفرض مقتل "سليماني" على النظام الإيراني إعادة الاعتبار للردع القائم مع الولايات المتحدة، وهو تجنب استهداف القيادة الإيرانية في مقابل تفادي إيران استهداف الشخصيات الأميركية، ما يجبرها على إعادة الاعتبار لهذا الردع حتى لا يكون اغتيال الولايات المتحدة لسليماني سابقة توحي بأن بمقدورها تكرار الاغتيال دون عقاب.
وطرح المركز ثلاثة سيناريوهات للرد الإيراني على مقتل "سليماني" يتمثل السيناريو الأول بـ: (الضرب باستخدام الأذرع) ويتمثل هذا في سلسلة عمليات ممتدة زمنية تستهدف المصالح الأميركية من خلال أذرع إيران، وقد يشمل ذلك عمليات تفجير واغتيال، وهو سيناريو قابل للتطبيق خاصة وأن قوى مثل الحشد الشعبي كانت مستهدفة بصورة مباشرة من قبل الأميركيين حتى قبل اغتيال "سليماني".
ولفت المركز إلى أن هذا السيناريو منخفض التكلفة لا يضع إيران في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، ويرهق الأخيرة، ويفاقم الشقاقات بداخلها، ويحرمها من مبرر مباشر لشنِّ حرب شاملة على إيران، وقد يدفع القوات الأميركية للانسحاب من العراق وسوريا، وهذا يخدم الهدف الرئيس للأمن القومي الإيراني وهو إخراج القوة الأميركية من المنطقة.
وقد يشمل هذا السيناريو ساحات أخرى مثل أفغانستان واليمن ويكون هدفه الرئيسي استنزاف الوجود الأميركي في المنطقة.
وقد يشمل هذا السيناريو أيضًا حرب السفارات واستهداف الشخصيات في تكرار لما حدث عام 1980 وهو الحدث الذي أسقط جيمي كارتر، يكون الشق السياسي في هذا السيناريو مهمًّا جدًّا ومن الراجح أن يكون في ملفين: دفع القوات الأميركية الانسحاب من المنطقة واتخاذ موقف أكثر تشددًا في الملف النووي قد يصل إلى حدِّ الانسحاب من الاتفاق وإن كانت هناك اعتبارات تحول دون ذلك، منها الحفاظ على التأييد الأوروبي، علاوة على أن إيران ستوظف هذا التوتر من أجل ترجيح كفة حلفائها في العراق وتوفير غطاء للقضاء على الحراك الشعبي العراقي الذي ندد بوجودها وشجب نفوذها.
أما السيناريو الثاني يتمثل في (استهداف الحلفاء): ويتمثل بتوجيه ضربات قاسية إلى واحد أو أكثر من حلفاء واشنطن وبشكل أساسي إلى السعودية وإسرائيل، وفي سيناريو كهذا فإن جماعة أنصار الله في اليمن قد تقوم بمهاجمة قواعد ومنشآت أميركية في السعودية، ويعتمد هذا السيناريو فيما يتعلق بإسرائيل بحزب الله في لبنان في مثل هذا السيناريو، لكن طبيعة ما يشهده لبنان من حراك أسقط الحكومة وأحدث انقسامًا سياسيًّا حادًّا لا يوفر قاعدة صلبة لحزب الله ليتحرك بهذا الاتجاه.
هذا السيناريو عمومًا أقل رجحانًا لأنه يفتح على إيران مواجهة واسعة مع جوارها، تجعل حاجة هذه الدول إلى الوجود الأميركي أشد، مما يتعارض مع هدف إيران الرئيسي وهو إخلاء المنطقة منه.
ولفت التقرير إلى أن السيناريو الثالث هو (الهجوم المباشر) من خلال مهاجمة القواعد والمنشآت العسكرية الأميركية في مناطق عدة أهمها في العراق وسوريا والخليج، خاصة أن القواعد العسكرية الأميركية تحيط بإيران إحاطة السوار بالمعصم ويتجاوز عددها في منطقة الخليج ووسط آسيا والقوقاز 50 منشأة.
وتمتلك إيران من حيث المبدأ قدرة صاروخية قادرة على استهداف 36 قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، وفق ما صرَّح به رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني مجتبى ذو النور، لكن هذا السيناريو من الممكن أن يقود إلى حرب شاملة تحمل مخاطر وويلات قد لا تكون إيران وكذلك المنطقة قادرة على تحمل تبعاتها.
لذلك ليس من المرجح أن تتطور الأحداث وفق هذا السيناريو لأنه يستدعي ردًّا أميركيًّا شاملًا يفكِّك البنية القيادية للنظام الإيراني ويشل مرافق الحياة العادية.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات