بلدي نيوز(خاص)
يبدو أن خبر اغتيال اللواء قاسم سليماني, قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني, وأبو مهدي المهندس نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي العراقي, بقصف أمريكي فجر أمس الجمعة لن يمر بدون تداعيات, خصوصاً أنّ القتلى من أبرز أدوات وأذرع إيران العسكرية في الخارج.. فهل يكون الرد مزلزلاً أم مُهَلهلاً؟!
عملية نوعية كبيرة تلك التي أطاحت بالجنرال الإيراني الأشهر قاسم سليماني في لحظة خروجه من مطار بغداد الدولي. فقد كان "الرجل" ولسنوات, شخصية مفصلية في نظام الولي الفقيه, ورمزاً هوليودياً للمشروع الإمبراطوري الفارسي العابر للحدود.. إلى أن حانت ساعته بتوقيتٍ طائرة أمريكية مسيرّة وعبر عمليةٍ حملت اسم "البرق الأزرق" , الأمر الذي يُعتبر تصعيداً غير مسبوق في مسلسل طويل من التجاذب والتوتر بين واشنطن وطهران طوال الأربعة عقود الماضية.
بادئ ذي بدء, لابد من الإشارة إلى أنّ مصرع صانع السياسة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحرك الخلايا النائمة فيها, سيضع دون أدنى شك, منطقة الشرق الأوسط, في عين العاصفة أكثر من أيّ وقت مضى, وسيعقّد السيناريوهات المرتسمة حول ملفاته الساخنة. حيث تعدّ العملية تجاوزاً خطير لقواعد الاشتباك ولكل الخطوط الحُمر, سياسياً وأمنياً وعسكرياً, الأمر الذي يشير بجلاءٍ إلى أنّ العام الجاري سيكون مفصلياً لتوضيح مآلات مجمل المشهد الإقليمي الذي ازداد تعقيداً منذ اندلاع ثورات الربيع العربي.
تداعيات مقتل سليماني وسيناريوهات الرد الإيراني المحتملة:
يصعب التكهّن في الفترة الراهنة بالشكل الذي سيتّخذه الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني, إذ بات المشهد السياسي والعسكري في الإقليم مفتوحًا على كل الاحتمالات والسيناريوهات, لذا سنناقش المسألة عبر التمعّن بالمحدّدات التالية:
• جاءت الضربة كمؤشر على جديّة السياسة الأمريكية في ردع إيران ووكلائها بالمنطقة, وأزالت –نوعاً ما- حالة الشك بصدقية واشنطن حول الالتزام بأمن الخليج وأمن الطاقة. فقُبَيل اغتيال سليماني ساد شعور واهم لدى ملالي طهران وأشياعها بأن ترامب في أضعف مراحل حكمه وأنه غير قادر على الرد حتى وإن تم تنفيذ عملية اقتحام ودخول للسفارة الأميركية ببغداد وقتل أو احتجاز رهائن وجنود أمريكان. لكن ردّ ترامب -المُثقَل بالأزمات الداخلية- أعاد ترتيب قواعد اللعبة لصالحه داخل الولايات المتحدة وفي منطقة الشرق الأوسط, وهو اليوم يدعو طهران إلى خيار السلام من موقعه كمنتصر, فضلاً عن تعزيزه فرص الدخول في الانتخابات الرئاسية القادمة أواخر العام الجاري.
• يبدو أنّ العراق سيكون مسرحاً رئيسياً لعملية أو حتى عمليات الثأر الإيراني, على اعتبار أنّ سليماني اغتيل في بغداد وأن لطهران نفوذ واسع وعميق في العراق. وأحد تجليات ذلك سيكون تغذية الجهود الناشئة لإعادة تقييم الاتفاق الأمني مع أميركا وتحديداً العلاقات العسكرية, إضافة إلى سبل التعاون المستقبلي في حرب محتملة ضد "داعش", هذا على الصعيد الرسمي. أما على الصعيد الشعبي, فقد تعمل إيران سريعاً على تجييش الشعب العراقي, أو فئة منه, ضد الولايات المتحدة, بالتزامن مع تنفيذ فصائل الحشد الشعبي العراقي عمليات تهدد المصالح الأمريكية في العراق تحت شعار "مقاومة المحتل", حتى وإن لم تتبنى تلك العمليات رسمياً.
• قد تضغط إيران- عبر القوى السياسية التي تؤيدها- على البرلمان العراقي لاستصدار قرار بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق. مع الأخذ بالاعتبار أنّ إصدار مثل هكذا قرار لن يكون سهلا وليس بيد البرلمان, حيث أن هنالك ضوابط دولية للاتفاقية الأميركية العراقية التي هي لصالح العراق الذي يتعرض لمخاطر استراتيجية أمنية خطيرة, من ضمنها شبح تنظيم داعش. كما أن الانسحاب الأمريكي من العراق إذا حصل, فإنه سيؤدي إلى ربط أراضي ايران, العراق, سوريا, ولبنان بشكل مباشر, مما قد يشكل خطراً غير مسبوق على إسرائيل.
• إحدى تداعيات مقتل سليماني قد تكون زيادة حالة الاحتقان وحدة الاستقطاب في الشارع العراقي عامة, والشيعي خاصة, في ظل استمرار مطالب المحتجين السلميين في ساحات بغداد وبقية محافظات جنوب العراق منذ مطلع تشرين الأول أكتوبر الماضي. مع اعتقادنا أنّ مصرع "سليماني" و"المهندس", اللذين يعتبرُهُما المنتفضون أبرز قادة "الطرف الثالث" الذي استهدفهم بالقتل والاغتيالات, قد يُعطي انتفاضة العراقيين زخما كبيراً ويجعل المتظاهرين أكثر إصراراً على تحقيق مطالبهم بحكومة وطنية بعيدة عن الأجندات الإيرانية.