منظمات المجتمع المدني السورية بين الانطلاق الذاتي والكبح الدولي - It's Over 9000!

منظمات المجتمع المدني السورية بين الانطلاق الذاتي والكبح الدولي

بلدي نيوز- (سما مسعود)
حدث أن حفّزت الثورة السورية الإبداع السوري بشتى المجالات، وفتحت له أبواباً جديدةً غابت عنه عقوداً طويلة. وحدث أيضاً أن علم السوريون أنهم أمام حقبة زمنية جديدة يصنعون فيها مستقبل بلادهم، فسلكوا مسالك عدّة منهم من وُفق ومنهم من ضل.
ومما أفرزته الثورة وأبدع فيه السوري، منظمات المجتمع المدني التي لم تكن معروفة للكثيرين بل كانت مجرد ضربٍ من ضروب الخيال الأوربي فقط، وكان العمل بها أو حتى الحديث عنها يعرض صاحبه للمساءلة.
تشير الإحصاءات التي أجراها اتحاد منظمات المجتمع المدني، إلى وجود ما يقارب 2000 منظمة مجتمع مدني معارضة لنظام الأسد عاملة في مجال التنمية والإغاثة والدعم النفسي، البعض منها مرخص والآخر غير مرخص، غالبيتها قامت بجهود فردية وبإمكانات وكفاءات متواضعة.
جهد كبير بلا إنجاز
خضر السوطري مدير اتحاد منظمات المجتمع المدني، قال لبلدي نيوز: "المؤسسات التي تتعامل مع الجهات الأوربية أفسدت عمل منظمات المجتمع المدني، فأصدقاء الشعب السوري انخفض عددهم من 150 دولة في السنة الأولى إلى 11 دولة فقط".
بدوره، محمد النعيمي رئيس الرابطة السورية لحقوق اللاجئين، قال لبلدي نيوز: "هناك غزارة بالإنتاج وسوء في التوزيع، سببه ضعف التنسيق وأحياناً غيابه بين المنظمات التي تعنى بالشأن السوري".
وأضاف ''فبعض نقاط الدعم لديها فائض في المواد الغذائية والبطانيات، بينما تعاني نقاط أخرى من عوز شديد''.
ولتفعيل دور المنظمات لابد من تشكيل مظلة جامعة لها تنسق العمل فيما بينها بالحدود الدنيا، برأي النعيمي، الذي أوضح أن "سبعة ملايين ومئة ألف دولار شهرياً تصرف كرواتب لموظفي المنظمات فقط"، ناهيك عن مصاريف الإيجارات والفنادق والمؤتمرات.
فوجود مثل هذه المظلة أو الهيئة التنسيقية من شأنه أن يقلل التضارب الحاصل بين المنظمات، ويزيد من فاعليتها.
من جانبه، خضر السوطري أوضح لبلدي نيوز، أنهم استطاعوا في الاتحاد تحقيق مثل هذا التنسيق، حيث يضم الاتحاد 158 منظمة عاملة داخل سورية وفي تركيا.
كما بيّن أن الحاجة السورية كبيرة تفوق قدرة منظمات المجتمع المدني الموجودة حالياً، فالعمل ضمن هذه المنظمات مازال في بداياته مقارناً منظمات المجتمع المدني السوري بالوضع في لبنان، قائلاً: "في سوريا هناك مايقارب 2000 منظمة مجتمع مدني على الرغم من كارثية الوضع وامتداد المساحة الجغرافية، أما في لبنان فيوجد الآن 5000 منظمة".
مُرجعاً الأمر إلى التقصير الدولي المتعمد "فاللاعبون بالأزمة السورية كلهم دوليون، لذلك يجب أن يكون الحل دولياً"، بحسب السوطري.
ما دور الأمم المتحدة؟
العمل في منظمات المجتمع المدني عملٌ جديد على السوريين، فمن المحتمل أن يكون هناك نسبة للخطأ فيه، البارز في الأمر أن السوريين استطاعوا أن يتشربوا فكرة الاختلاف من جهة ومن جهة ثانية طبقوا أحد أهم معايير الرقي الفكري والإنساني وهو العمل ضمن منظمات مدنية دون أن يكون لها أجندة سياسية في الغالب.
وأوضح السوطري بأن هناك فساداً ضمن منظمات المجتمع المدني السورية، لكنه في الوقت نفسه قال بأن نسبة هذا الفساد لا تتجاوز "20%"، وقد عزا الأمر إلى قلة الخبرة والعوز الذي عاناه السوري فجأة خلال الحرب.
الفشل الأكبر لمنظمات المجتمع المدني تأتي من الرغبة الدولية في إطالة أمد الحرب الدائرة في سورية ريثما تنتهي الدول الكبيرة من تقاسم الحصص، برز هذا جلياً -بحسب ما أوضح السوطري- من خلال تعاون الأمم المتحدة مع النظام السوري الذي قتل وهجر ملايين السوريين.
حيث عمدت الأمم المتحدة إلى صرف"70% من مخصصات دعم الأزمة السورية لعام 2016 إلى الهلال الأحمر السوري، الذراع الإنساني للنظام السوري".
وتابع السوطري موضحاً أنه على الرغم من النسبة الكبيرة التي حظي بها النظام من مخصصات السوريين لهذا العام، مازال العشرات يموتون جوعاً داخل سوريا وآلاف الأشخاص يعانون من سوء التغذية.
"فالأمم المتحدة وبالتحديد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" مقصرة بشكل متعمد بحق السوريين عامة ومنظمات المجتمع المدني التي تعكس رقي الفكر السوري خاصة، على حد تعبير النعيمي رئيس الرابطة السورية للاجئين، حيث ظهر جلياً عندما صرفت الأوتشا 2.9 مليار دولار لمنظمة الهلال الأحمر السوري في دمشق.
خاصة أن التحقيقات الاستقصائية الأخيرة التي أجرتها شبكة تلفزيون "العربي" أوضحت تورط الهلال الأحمر السوري بعمليات قتل وتعذيب للمدنيين داخل زنازين النظام السوري، حيث تمنح منظمة الهلال الأحمر تقارير وفاة طبيعية لأشخاص قتلوا تحت التعذيب من قبل سجاني النظام.
يقول معد التحقيق الاستقصائي الصحفي علي الإبراهيم لبلدي نيوز إن الوثائق التي جمعها علی مدار أشهر تؤكد بما لا يدع مجالا للشك تورط منظمة الهلال الأحمر العربي السوري في شرعنة قتل السوريين في سجون النظام، موضحا أن شهادات الوفاة التي يمنحها أطباء مشفی الهلال الأحمر الذي من المفترض أن يتمتع بالحيادية هي بمثابة صك براءة لنظام الأسد.
مرتكزات الدولة الثلاثة
فاعلية منظمات المجتمع المدني تدل على نزاهة واستقلال مؤسسات الحكومة، وهي معيار هام لإيجابية تطور حركة المجتمع.
فالدول كما أوضح السوطري ترتكز على دعائم ثلاث: مؤسسات الدولة، والقطاع الخاص بكل ما يملك من مال وعمال، وأهم مرتكز هو منظمات المجتمع المدني.
ففي الحالة السورية المرتكز الأول والثالث مرتكزات بحاجة إلى دعم قوي، هذا بالنسبة لما يخص الحكومة السورية المؤقتة التي تمثل الثورة من الناحية الخدمية.
بدوره، أوضح النعيمي أن الوضع السوري غير مثالي وغير جاهز لبناء منظمات مجتمع مدني تمارس دور الرقابة والمساندة للمؤسسات الحكومية المستقلة.
فالمستقبل السوري إذاً مليء بالتحديات التي تنتظره، والنابعة جلّها من حاضره.

مقالات ذات صلة

نظام الأسد يدين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بالصواريخ البالستية

"التفاوض السورية" للاتحاد الاوربي: التطبيع مع النظام ينسف القرار 2254

الحسكة.. "قسد" تطلق عملية في مخيم الهول

النظام يوقع مذكرة تفاهم مع إيطاليا دعما للاجئين العائدين من لبنان

"المجلة" تنشر وثيقة أوربية لدعم التعافي المبكر في سوريا

توثيق مقتل 89 مدنيا في سوريا خلال تشرين الثاني الماضي