كيف جزأت خمس سنوات من الحرب سورية... على الأقل إلى أربع دويلات - It's Over 9000!

كيف جزأت خمس سنوات من الحرب سورية... على الأقل إلى أربع دويلات

Vice News – ترجمة بلدي نيوز

بعد خمس سنوات من بدء الحرب السورية، لم تعد سورية فقط بلداً مدمراً، بل باتت الأزمة الأكثر إلحاحاً في العالم، حيث تتنافس روسيا وإيران وحليفهما الرئيس السوري بشار الأسد، ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج العربي، والمعارضة السورية.

كما أصبحت سورية مقراً لأخطر التهديدات الإرهابية بالنسبة للغرب منذ القاعدة، حيث ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (IS)، وأنشأت ما يسمى بالخلافة، ولكن وقف إطلاق النار الهش الذي دخل حيز التنفيذ الشهر الماضي، أنعش الآمال بأن الدبلوماسيين من أكثر من اثني عشر بلدا، وممثلي الفصائل المتحاربة التي لا تعد ولا تحصى في سوريا، قد ينجحون في تحويل هذا الاتفاق المؤقت إلى سلام دائم.

وإحدى الأشياء القليلة التي تتفق عليها كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية علناً  -إلى جانب خطورة تنظيم الدولة- هو أن السوريين بحاجة لإيجاد وسيلة للتعايش والعمل معاً في نهاية المطاف، من أجل إعادة تجميع بلد منقسم.

ولكن قد لا يكون هناك ما تبقى من الدولة والمجتمع السوري لجمعه معاً مرة أخرى، فعلى أرض الواقع، ما كان يعتبر سورية، يبدو الآن أكثر -كأربع بلدان مختلفة كلياً عن بعضها، أو ربما لم تعد توجد دولة على الإطلاق.

فلقد خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح السياسي في أذار 2011، ولكن أدى القمع المتصاعد من قبل الحكومة السورية إلى تحويل حركة الاحتجاج السلمية إلى ثورة على الصعيد الوطني وحرب أهلية لاحقاً، وغدت دوامة من العنف والتطرف في قلب الشرق الأوسط.

ومن ثم أصبح الصراع أيضاً كارثة طائفية، حيث تم دعم النظام السوري بمجموعات مختلفة من الميليشيات الأجنبية، معظمها شيعية، في حين اتجه الجهاديين السنة من بعض الدول ليندمجوا مع فصائل المعارضة المسلحة.

إن التقسيم داخل البلاد هو حقيقي، ولكنه لم يكتمل، ولكن الحرب أكثر تعقيداً من مجرد نزاعات طائفية، فقد تدخلت أطراف أخرى لتستغل الأزمة بشكل انتهازي ولإقامة دويلات من البلاد خاصة بهم.

فبعد انسحاب النظام من أجزاء كبيرة من شمال سوريا في عام 2012، ملء أعضاء الأقلية الكردية الفراغ، وأقاموا دويلة شبه مستقلة "إدارة الحكم الذاتي" وفي الوقت نفسه، فإن المنظمة الجهادية التي أصبحت تسمى تنظيم الدولة الإسلامية، كانت قد أعلنت حرباً مفتوحة على جميع الأطراف المتحاربة في سوريا، وأقامت ما يسمى بـ"الخلافة" وهي سلطة جهادية بلا حدود تسيطر على الكثير من شرق سورية، وتضم قسم كبير من الأراضي السنية في العراق.

وفي الوقت نفسه، دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً، فشرد أكثر من 4.5 مليون سوري –أي أن حوالي 20 % من سكان البلاد- هم الآن لاجئون، بالإضافة إلى 6.6 مليون نزحوا داخلياً، وبات عدد القتلى يتراوح الآن في مكان ما بين الربع والنصف مليون شخص.

وينعكس هذا الدمار على خارطة سورية، فما كان في زمن ما، بلداً واحداً تحكمه حكومة مركزية استبدادية لا ترحم، تقسم الآن إلى أربع دويلات مجزئة، وكل منها مختل بدرجة متفاوتة، يقول المحلل في الشأن السوري آرون لوند، رئيس تحرير معهد كارنيجي للسلام، على موقعه في الانترنت: "إن انقسام البلاد حقيقي ولكن لم يكتمل، هناك قوى مختلفة تحكم مختلف المجالات، ولكن في نواح كثيرة تظل مترابطة ومتصلة، حتى لو كانت معادية لبعضهم البعض، وذلك من خلال العلاقات المجتمعية والاقتصاد الغير رسمي، ومؤسسات الدولة المتبقية".

وفي مثال واحد فقط، تمكنت القوات الكردية  من ربط ما كان عبارة عن كانتونات معزولة على الحدود مع تركيا، لتشكل إقليم مجاور يمتد لجزء كبير من شمال سوريا، ولكن بقي لديهم أيضاً جيوب معزولة أخرى، بما في ذلك حي في مدينة حلب واحدة يقع بين المعارضة والنظام، ويخضع لقصف منتظم، كلما أرادت المعارضة الرد على الإجراءات الكردية في أي مكان آخر.

وفي المناطق الكردية، قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني أو PYD وهو الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني أو PKK، بخلق نظام سياسي "كونفيدرالي ديمقراطي" على غرار ما فعله مؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وهو نوع من الطائفية اليسارية الممزوجة بالكردية القومية، ولكن حتى مع إقامة الاكراد لمجالسهم ومحاكمهم الخاصة، كان عليهم تحمل استمرار وجود المكاتب الحكومية السورية ومؤسسات الدولة الأخرى في المناطق الكردية.

يقول نوح بونسي، من مجموعة الأزمات الدولية: "يستطيعون الأكراد فعل ذلك فقط لأن النظام السوري لا يهاجمهم، كما أنه ما زال يدفع رواتب موظفي الدولة ويشغل العديد من المدارس، وحتى هناك، عندما يكون لديهم البنية الناجحة الشبيهة بالدولة، لن يستطيعوا القيام بالعمل بشكل مستقل".

كما يقترب تنظيم الدولة أيضاُ من أن يكون دولة فاعلة، ولكنها دولة مصاصة للدماء تستنزف الإيرادات من رعاياها عبر مجموعة متنوعة من الضرائب والرسوم، وهو يحافظ على نظام مرعب، مع محاكم غير خاضعة للمساءلة، واختلاف جهادي في جهاز المخابرات.

وفي المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، ظلت مؤسسات الدولة السورية في الغالب سليمة، ولكن أصبحت الخدمات العامة رثة على نحو متزايد،  وفي الوقت الذي تواجه فيه الدولة أزمة مالية ضخمة، أصبح المواطنين أكثر طلباً للمال من أرباب العمل والعصابات المحلية من الحكومة الفعلية، ويطلق الخبراء على هذه العملية اسم "عسكرة النظام السوري".

يقول بونسي: "لا أعتقد أن ظهور المؤسسات الجديدة هي أكبر عقبة للوحدة الوطنية ولكن بروز الميليشيات بشكل عام هو انهيار للمؤسسات القديمة للدولة، حتى في مناطق النظام، فبصمة الدولة السورية قد تقلصت بشكل كبير، وتوسع دور الميليشيات الموالية للنظام السوري بشكل مستمر".

وفي الوقت نفسه، في مناطق المعارضة، يوجد حكم على مستوى محلي أكثر بدائية، فيتم تسيير أمور البلدات من قبل مجالس محلية مرتجلة، تتلقى الدعم من قبل الجهات المانحة، بل إنها مرتبطة بخيط رفيع بأي هياكل إقليمية أو وطنية، كما أن المحاكم الإسلامية المتنافسة هي السلطة القانونية العليا، ولكن فقط إلى الحد الذي تساندهم به الفصائل المسلحة المحلية، وسمح الانفتاح السياسي في الثورة لمئات وجهات النظر المتنافسة على الرأي العام -بدءاً من الليبرالية إلى الإسلام المتطرف الحرفي-.

وقد نزح ملايين السوريين بسبب النزاع، إلى المكان الأكثر أماناً، وغالباً إلى الفصيل الذي يدعي أنه بطلهم، فرحل الكثير من العرب السنة إلى مناطق المعارضة، وهي بمعظمها من السنة تقريباً، وانتقلت الأقليات الدينية إلى مناطق النظام، فيما اتجه الأكراد إلى الشمال الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي، يطلق جوشوا لانديس، أستاذ في جامعة أوكلاهوما والخبير في الشؤون السورية، على هذه العملية اسم "الفرز العظيم" حسب الهويات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة.

لكن مسؤولي النظام يرفضون الفيدرالية والتقسيم الرسمي، وقال بشار الجعفري، مبعوث سوريا لدى الامم المتحدة في محادثات جنيف في شهر شباط،: "أخرجوا فكرة فصل الأراضي السورية من عقلكم، فوحدة تراب سورية غير قابلة للتفاوض".

ويوافق على ذلك آرون لوند، محرر في "سورية في أزمة"، حيث يقول: "سورية لن تقسم، أي بالمعنى القانوني، لأن لا أحد يريد ذلك، لا داخل سورية ولا خارجها وبالتأكيد ولا جيرانها أيضاَ".

ويقول الناشط مصعب الحمادي: "حتى لو كان هناك إرادة سياسية، فإن الدوامة الديموغرافية في سورية تجعل من المستحيل عملياً تقسيم البلاد، فسورية بلد صغير تتداخل فيه الأعراق والطوائف وليس من الممكن تقسيمه جغرافياً على أساس عرقي أو طائفي".

ولكن حتى مع استحالة التقسيم الرسمي من الناحية السياسية، يبدو أن استمرار الحرب من أجل البقاء على قيد الحياة، قد سمح بظهور دويلات محددة وفقاً للشروط العرقية والطائفية الأكثر تطرفاً.

وقد يكون نتيجة ذلك بلد لا يمكن أن يتحد، ولكن في نفس الوقت من المستحيل أن يتمزق، فقد تم تقسيم سورية بين مشاريع سياسية متناحرة لا يمكن التوفيق بينها، وفي نفس الوقت لا يمكنها البقاء على قيد الحياة من تلقاء نفسها.

وما زال السوريون  في نواح كثيرة -شعب واحد- حتى لو فر مئات الآلاف ليصبحوا لاجئين خارج البلاد التي مزقتها الحرب، أما متى ستكون الهوية السورية قادرة على أن تعود لتؤكد وجودها وسط هذا الركام.... فهذا الذي لا يعرفه أحد.

مقالات ذات صلة

رأس النظام يعين فيصل المقداد نائبا له

تركيا تنفي تحديد موعد ومكان لقاء أردوغان وبشار

السجن لشخص هرّب فسيفساء من سوريا إلى الولايات المتحدة

رأس النظام يعزل دفعة أخرى من القضاة

الخارجية الأمريكية تعلق على حضور بشار الأسد للقمة العربية

الملك الأردني يشتكي من ممنوعات النظام في القمة العربية