The Washington Post – ترجمة بلدي نيوز
فيما ندخل عام 2016، يتواصل تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، وتزداد مع ذلك معارضة الأوروبيون لهم، لماذا؟ هناك مجموعة متنوعة من النظريات منها: الاختلافات الدينية، الخوف من الإرهاب، القلق من التحول الديمغرافي، والغضب من تدخل بروكسل في السياسة المحلية، وأكثر من ذلك.
فمثلاً في سلوفاكيا، تم استقبال عدد قليل من اللاجئين، حيث تقوم الحكومة باختيارهم وتحديد أماكن استقرارهم بحذر شديد، ومع ذلك اندلعت مؤخراً موجات غضب ورفض في البلاد لقدوم اللاجئين، مما يشير إلى أن أياً من تلك النظريات كانت كافية.
وبالنسبة للخلفية السياسية في سلوفاكيا، فقد أجمع السياسيون تقريباً على عدم الترحيب باللاجئين، وذلك لأن البلاد سوف تنتخب حكومة جديدة في أيار، ويأمل المسؤولون استخدام هذا الموضوع لكسب الأصوات الشعبية، حتى أن الحزب الحاكم الديمقراطي الاجتماعي استغل المشاعر المعادية للمهاجرين عن طريق وضع لوحات إعلانية قبل الانتخابات تحت شعار "نحن نحمي سلوفاكيا".
ويعتبر رئيس الوزراء السلوفاكي "روبرت فيكو" براغماتياً في القضايا الصعبة، فاستراتيجيته المعتادة تقوم على التوجه لناخبيه، وفي ذات الوقت يقدم تنازلات مختلفة لشركائه الأوروبيين في بروكسل وراء الأبواب المغلقة.
وهذه هي الطريقة التي تعامل فيها مع قرار الاتحاد الأوروبي حين طلب من الدول الأعضاء قبول بعض الحصص من اللاجئين، فحث فيكو البرلمان السلوفاكي لتمرير سلسلة من القرارات ضد ذلك، وأعلن في ذات الوقت على أن سلوفاكيا ستضم طوعاً عدة عائلات مسيحية، وبهذه الطريقة كان قادراً على القول أنه تم منع اللاجئين المسلمين من دخول البلاد_ استرضاء لناخبيه وفي ذات الوقت منع أيضاً انتقادات بروكسل لعدم قبول أي لاجئ.
وفي تشرين الثاني، أعلنت الحكومة السلوفاكية عن خطتها لاستضافة 25 عائلة مسيحية آشورية، فقط 149 شخصاً، وإيواءهم في مجموعة من القرى في غرب سلوفاكيا، ووفقاً للخطة الرسمية، فإن الأسر تنحدر من منطقة الموصل في العراق، ووعدت الحكومة بإجراء تدقيق أمني عليهم بحيث لا يشكلوا أي مخاطر امنية، وبعد قبولهم كلاجئين سيتم نقلهم إلى القرى القريبة من "نيترا"، وهي مركز إقليمي في غرب سلوفاكيا.
ومن خلال برنامج متكامل من قبل المنظمات غير الحكومية (المحلية) والجمعيات الخيرية والناشطين لفترة تمتد من ثمانية أشهر إلى سنتين، سيتم تعليم اللاجئين اللغة والثقافة وستساهم الكنيسة الكاثوليكية في هذه الخطة، حيث أعلن أسقف "نيترا" مع وزير الداخلية "روبرت كاليناك" عن ذلك في مؤتمر صحفي.
ولكن مع كل تلك الإجراءات رفض السكان المحليون في منطقة "نيترا" السماح لطالبي اللجوء بالقدوم للمنطقة، وحتى أن الحزب الحاكم رفض أن يكون له أي دور في هذا المخطط، كما رفض رئيس بلدية القرية التي نشأ فيها رئيس الوزراء ذلك علناً، ونشأت لجان عريضة في غضون أيام للتحريض ضد الخطة.
وأخيرا، وتحت الضغط، أعلن "فيكو" أن الحكومة لن تأوي اللاجئين في القرى المحددة سلفاً، وبهذه يكون مصير بعض العائلات الآشورية في سلوفاكيا غير واضح، فيما ينتظرون في مخيم اللجوء في "هوميني"، وفيما قبل عدد قليل من اللاجئين المسيحيين طوعاً، لا يزالون غير مرحب بهم من قبل السكان المحليين.
إذاً لماذا يرفض اللاجئون؟
1. الدين: معظم اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا من المسلمين، وكثير من المراقبين يلومون المعارضة الأوروبية على تغذية ظاهرة "الإسلاموفوبيا" والتمييز الديني، أو الحواجز الثقافية، ولكن طالبي اللجوء هؤلاء كانوا مسيحيين، وأعضاء في المجتمع المسيحي القديم الذي كان يتحدث الآرامية، والتي وصفت بأنها "لغة المسيح نفسه".
2. المخاوف الأمنية. غالباً ما يصور اللاجئون المتدفقون إلى أوروبا كمسببين للمخاطر الأمنية، وخاصة في ضوء هجمات باريس، ولكن هؤلاء اللاجئون قد تم التدقيق عليهم واختارتهم الحكومة السلوفاكية بكل عناية وحذر، ولأنهم مسيحيين، فمن غير المرجح أن يحضروا معهم "الإرهاب الإسلامي"، إذاً فالخطر الأمني المزعوم كان ينبغي أن يكون بالحد الأدنى، كما كرر وزير الداخلية السلوفاكي ذلك.
3. التركيبة السكانية والتكامل، فقد بلغ إجمالي عدد اللاجئين الذين وصلوا حديثاً في أوروبا المليون نسمة، وبالتأكيد من حق المواطن الأوروبي أن يكون قلقاً بشأن استيعاب البلاد للكثير من الأجانب والذي سينجم عنه تغييرات اجتماعية وثقافية، ولكن في سلوفاكيا، كل قرية من نحو ألف شخص قد استضافت لاجئاً واحداً أو أسرتين، أي حوالي 10 إلى 12 شخصاً، وذلك يشكل 1% فقط في من عدد السكان، ولا يكاد يشكل تهديداً للثقافة المحلية.
4. اللاجئون غير مرحب بهم لأنهم مفروضون: فقد خصص الاتحاد الأوروبي حصصاً إلزامية لوضع اللاجئين عارضته بشدة بعض الحكومات الأوروبية، بما فيها سلوفاكيا، ولكنها مع ذلك رتبت لهذا التوطين طواعيةً، وتعهدت الحكومة بتقديم الدعم المالي للمشروع، والمساعدة في دمج طالبي اللجوء بالثقافة الاجتماعية، وقدم المتطوعون الوحدات السكنية فيما قامت المنظمات غير الحكومية بالإشراف على العملية برمتها.
النظرية البديلة: لا نريد لاجئين في فناءنا الخلفي
إذاً لماذا يعارض هذا العدد الكبير من الأوروبيين اللاجئين؟ فدراسة الحالة السلوفاكية يلغي النظريات الأربعة السابقة، ولذلك لا بد أن يكون هناك قضايا مختلفة، أكثر عمقاً وراء مخاوفهم.
ولذلك دعونا نستمع إلى ما قاله أحد السكان المحليين في بلدة "نيترا" بوضوح عن الموضوع: "نحن لا نريد أن تتغير حياتنا اليومية بوجود عنصر جديد، ويحتمل أن يكون تطفلي، وبغض النظر عن مدى سهولة الإجراء علينا، نحن ما زلنا لا نريد أي لاجئ في الفناء الخلفي لدينا، فهذا لا يبشر بالخير بالنسبة لمستقبل إدماج اللاجئين في أوروبا الوسطى، وربما في أوروبا بشكل عام".
هذه الآراء تقدم درساً هاماً لصناع القرار، فلتسهيل إدماج اللاجئين لا يكفي الرد على مخاوف البلاد بشكل عام، بل على المسؤولين التفكير بكيفية شعور السكان المحليين حول القادمين الجدد.