بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
تشهد المعارك الدائرة في أرياف (حلب الجنوبي وحماة الشمالي الشرقي, وإدلب الشرقي) سلسلة تطورات بين الأطراف المتحاربين,على ضفتي الجبهة المشتعلة, تدعمها حملة جوية روسية غير مسبوقة, تمهد أمام مجاميع من الغزاة الإيرانيين ومحاليفهم من شبيحة الأسد ومرتزقة لبنانيين وعراقيين, وتوظف تنظيم "الدولة" في حيز جغرافي ضيق لشرعنة عدوانها, لتتتسع معها الأرض المسيطر عليها, وتضيق أحيانا مقابل ضراوة المقاومة التي تبديها فصائل المعارضة والثورة السورية, وتتزايد مخاطر التهديدات بعد التقدم على محور ريف إدلب الجنوبي الشرقي. وبين هذا وذاك يشتعل ميدان المعركة ليلتهم قادة ومقاتلين وذخائر ثقيلة في منطقة صحراوية مكشوفة تمتد من أم حارتين في ريف حماة الشمالي وصولا إلى أطراف خناصر بريف حلب الجنوبي على شكل نصف قوس تتفرع عنه محاور رئيسية تتقدم حينا وتتراجع أحيانا, فيعيد كل طرف ترتيب نفسه استعدادا لمنازلة أخرى, يحتدم وطيسها كنتيجة طبيعية لمفرزات لقاءات آستانة لتكون هذه المعارك الحدث الأكبر على الساحة السورية. ولما تزل في تمدد مستمر على خريطة الميدان المتبدلة بين وقت وآخر.
توطئة
تناقش هذا الورقة المعركة الدائرة في أرياف (حلب الجنوبي وحماة الشمالي الشرقي وإدلب الشرقي), بين فصائل الثورة والمعارضة السورية المسلحة من جهة, وبين قوات نظام الأسد والميليشيات الطائفية من جهة أخرى في إطار المعارك المحتدمة في سورية .
ونوطئ لهذه الورقة باستعراض تحليلي موجز لأهمية هذه المنطقة في بعدها العسكري المتصل بنتائج المعركة وأهدافها .
ثم تتناول الورقة بالتحليل جوانب هذه المعركة, خططا وتفاعلات ونتائجا, كما تقف على آفاقها المحتملة اعتمادا على توجه عجلة المعارك ومحركاتها السياسية.
مقدمة
منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري, دخلت المنطقة المذكورة الموصوفة بمنطقة شرق سكة حديد الحجاز خط المواجهة المسلحة, ولا تزال المعارك على جميع المحاور في تمدد مستمر على خريطة المنطقة التي تبلغ مساحتها ما يقارب 3000 كم مربع.
أمام اشتعال المعارك وازدياد لهيبها طرأت تغيرات على نمط القتال وخططه وإمكانياته ومواقف الأطراف في التحالفات والتكتلات, وباتت مثار جدل حول تعثر فصائل الثورة المسلحة بعد تراجعها وانحيازها عن بعض مواقعها في ريف إدلب الجنوبي الشرقي, وما يشكل تقدم الغزاة من قوة دفع لعجلة الحرب وتأثيرا مهما في الجبهات الأخرى يجني ثمارها الروس في بسطهم السيطرة على منطقة جغرافية واسعة نصت عليها بنود آستانة لوضعها تحت نفوذهم وصولا لهدفهم الرئيسي المتمثل في قضم ما تبقى من مناطق محررة قبيل انعقاد مؤتمر سوتشي الذي دعت له موسكو لتسوية القضية السورية على غرار استعادة الشيشان التي حاولت الخروج عن ربقة احتلالهم, وفي التفاصيل:
الأهمية الاستراتيجية لمنطقة شرق سكة حديد الحجاز:
يمكن وصف هذه المنطقة بأنها الجزء الأكثر حساسية وتأثيرا في قلب سورية باعتبارها بوابة الولوج إلى إدلب عبر ثلاثة محاور "سنجار, وأبو الظهور, وتل الضمان". تقطنها أغلبية قبلية من "الموالي والحديديين واللهيب والأبي شعبان والسكن وطي", وغيرها من قبائل موالية للثورة, تعتبر خزانا بشريا ضخما يمد فصائل الثورة المسلحة بالمقاتلين .
وبالقرب منها يمر الطريق الدولي الرابط بين حلب ودمشق, وفي قلبها يقع مطار أبي الظهور أشهر مطار للطائرات النفاثة, وعلى أطرافها تقع قواعد الميليشيات الإيرانية في كل من ريفي حماة الشمالي وحلب الجنوبي, ويتبع ذلك قيمة استراتيجيه وجيواستراتيجية للمنطقة من خلال تنوع تضاريسها بين الهضبية والسهلية الواسعة التي يخترقها نهر قويق, مما أعطاها ميزة اقتصادية لها أهميتها الكبيرة في ظروف السلم والحرب .
لذلك كان من أولويات المعركة التي أعلنتها الميليشيات الإيرانية ومحاليفها محاولة الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري كهدف مرحلي.
وتكمن أهمية المنطقة في كونها أهم نقطة وصل وفصل جغرافي بين جنوب وشمال سورية وهو ما يضعها في خريطة من يسعى لتحقيق نصر عسكري.
عسكريا: تكتسب هذه المنطقة أهمية استراتيجية كبيرة إذ يقطعها من الشمال إلى الجنوب طريقان رئيسان, طريق إثريا - خناصر الذي تحتله الميليشيات الشيعية, وسكة حديد الحجاز المعطلة منذ العام 2011م والواصلة بين مدينتي حلب وحماة التي تمر في قلب المناطق المحررة من ريف حلب الجنوبي ولغاية ريف حماة الشمالي, بالإضافة إلى طرق فرعية تربط المنطقة بالمناطق الأخرى. ويعتبر التحكم بهذه الطرق تهديدا للتماسك والتأثير على أفكار القادة والمقاتلين, ويربك حساباتهم ويحد من خياراتهم, وحجم التأثير يتوقف على طبيعة التحكم بها وطرق توظيفها.
هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين ما ركز عليه نظام الأسد والميليشيات الشيعية الإيرانية, إحكام القبضة على طريق خناصر- إثريا, والسعي لإخضاع كامل المنطقة موضوع الورقة بوصفها مساحة جغرافية شاسعة, ونقطة انطلاق باتجاه منطقة مطار أبو الظهور الاستراتيجية
في ظل هذه المعطيات, يمكن تفسير الهجمة الشرسة التي يشنها الطيران الروسي المساند لقوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية.
الوضع الميداني
تكشف المعارك الجارية قبل شهرين ونيف في أرياف (حماة الشمالي والشرقي وإدلب الجنوبي الشرقي وحلب الجنوبي) عن مخاطر كبيرة تواجه المناطق المحررة في حال عدم اتخاذ فصائل المعارضة المسلحة بمختلف تياراتها خطوات جادة نحو تنسيق عسكري عالي المستوى على الأرض, وتقديم خطط تكتيكية تستطيع بموجبها إيقاف الاندفاع العدواني على محاور الجبهات الممتدة من أطراف أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي مرورا بالرهجان في ريف حماة الشرقي وصولا إلى الرشادية بالقرب من خناصر في ريف حلب الجنوبي. ولا بد من رصد سير المعارك وتفاعلاتها المهمة من خلال معرفة أطراف القتال .
أولاً : فصائل المعارضة المسلحة
هيئة تحرير الشام: تدخل هذه المعركة بزج قوة عسكرية كبيرة أهمها جيش النخبة الذي يقاتل على كافة المحاور, وجيش أسامة على جبهة منطقة خناصر في جبل الحص, وقطاع البادية في منطقة الريهجان والسعن, وغيرهما من مناطق.
الجيش الحر: التحق بالمعركة منذ بدايتها بعدة فصائل من أهمها "جيش النصر والعزة وجيش إدلب", ويرأسهم عدد من القادة من بينهم ضباط أبرزهم "المقدم جميل الصالح قائد لواء جيش العزة, والرائد محمد منصور قائد جيش النصر". وتدعمهم مجموعات من الجيش الحر ذات مهام قتالية ولوجستية وأخرى تمتلك صواريخ الـ "تاو".
الحزب الإسلامي التركستاني: تشكيل قتالي, مستقل القيادة, ينسق بينه وبين الفصائل الأخرى أثناء خوض المعارك المشتركة, يتألف من مجموعة مقاتلين يكتسبون قدرات قتالية عالية المستوى.
ثانياً: الميليشيات الشيعية الإيرانية وميليشيات الشبيحة
الميليشيات الإيرانية: مجموعة من المقاتلين الطائفيين زجت بهم إيران في الحرب السورية لمواجهة الشعب السوري الثائر مقابل مبالغ مالية، يطلق على تشكيلاتها أسماء إيديولوجية مثل (حزب الله اللبناني, وكتائب أبي الفضل العباس العراقي ولواء فاطميون الأفغاني) إضافة إلى مجاميع الحرس الثوري الإيراني، وتمتلك إيران قاعدة عسكرية بالقرب من جبل عزان بريف حلب الجنوبي. واستولت على طريق خناصر- إثريا ولقي عدد من قادتهم وعناصرهم حتفهم في المعارك الجارية مع فصائل المعارضة.
قوات نظام الأسد وميليشيات الشبيحة: تتكون من بقايا الجيش وتمتلك عدة قواعد عسكرية في محافظة حماة أهمها مطار حماة العسكري, واللواء 87 الواقع على طريق الحمرا بالقرب من قرية معرشحور الموالية وقرية كفراع بريف حماة الشرقي, تسانده ميليشيا الشبيحة وهي جماعة مسلحة شكلها أمن نظام الأسد لقمع المتظاهرين من أصحاب السوابق الجنائية التي أفرج عنهم في بداية الثورة, يتخذون من قرى قمحانة وبلدة صوران وأبو دالي مركزا لهم في ريف حماة الشمالي, وإدلب الجنوبي الشرقي, ومن أبرز قادتهم "أحمد مبارك الدرويش" عضو مجلس الشعب السابق الذي خسر منطقة نفوذه قبل شهرين.
بقايا تنظيم "الدولة" في ريف حماة الشرقي: بعد هزيمتهم في منطقة عقيربات تجمعوا في منطقة وادي العذيب, ثم نفذوا تحت أعين الميليشيات الشيعية وقوات الأسد إلى المناطق المحررة وسيطروا على عدة قرى في الزاوية الشمالية الغربية من ناحية السعن.
معركة تنفيذ بنود آستانة
تجري هذه المعركة ترجمة حرفية لبنود اتفاق آستانة، يجسدها قصف روسي جوي مكثف يتجاوز عدد طلعاته اليومية 90 غارة, بلغت بمجملها أكثر من 1500 طلعة جوية, ضمن استراتيجية الأرض المحروقة حيث تستهدف كل المنطقة الواقعة شرق سكة حديد الحجاز باعتبارها - كما تنص بنود آستانة- منطقة نفوذ روسي منزوعة السلاح, توكل مهمة حمايتها للعشائر المحلية من خلال نزع السلاح الثقيل وحصره بالبنادق الخفيفة، بحسب ما ذكره ضباط وقادة فصائل شاركوا في اتفاق آستانة كالعميد أحمد بري رئيس الوفد, والرائد ياسر عبد الرحيم رئيس غرفة عمليات حلب سابقا. وسط تسريبات تفيد بأن الروس يعتزمون فتح طريق من حلب عبر بلدة أبو الظهور وصولا إلى مدينة حماة, مما أسفر عن حركة نزوح كبيرة تجاوزت بأرقامها 300 ألف من المدنيين يسكنون أكثر من 200 قرية بسبب القصف الجوي المتعاظم وما يتبعها من شائعات إعلامية عن تقدم الميليشيات الإيرانية في المنطقة. ومع ذلك لم تحقق الحملة هدفها عدا عن تبادل السيطرة على عدة قرى مثل الرشادية وحجارة وعبيسان في ريف حلب الجنوبي, ومريجب الجملان في ريف حماة الشمالي, عدا عن تقدم الميليشيات في جيب صغير من ريف إدلب الشرقي توقفت على محور قريتي الشطيب والمشيرفة المحاذيتين لقرية أبو دالي المحررة حديثا. لتتحول المعركة إلى حرب استنزاف مفتوحة تتزامن مع استحقاقات روسية تعمل على حسم المعركة السورية بشكل عاجل قبيل انطلاق مؤتمر سوتشي الذي تعمل من خلاله على تصفية الثورة سياسيا.
توظيف تنظيم "الدولة" لشرعنة العدوان في مناطق "خفض التصعيد"
باغت تنظيم "الدولة" - المنهزم من منطقة عقيربات- بهجوم عنيف المنطقة المحررة في ريف حماة الشرقي بالتزامن مع هجوم الميليشيات الشيعية وقوات نظام الأسد على ذات المنطقة, ليستولي التنظيم خلال يومين على منطقة واسعة تمتد من الشاكوزية شرقا ولغاية قرية المسلوخية غربا قبل أن تطرده "هيئة تحرير الشام" بهجوم معاكس وتقتل منه أكثر من 150 مقاتلا, وتأسر 25, لتنحسر سيطرته على جيب صغير جنوب شرق الريهجان إلى الشمال الشرقي من بلدة السعن، وفجأة ظهر التنظيم وجدد نشاطه العسكري عبر تغيير محوره انطلاقا من شمالي السعن باتجاه ريف الحمرا الشمالي أي المناطق المحررة ليستولي على كامل المساحة الفاصلة بين ريف السعن الشمالي الغربي بدءا من عنيق باجرة وطليحان امتدادا إلى الشمال الغربي حيث طوال دباغين وسروج ومويلح ابن هديب، وصولا إلى أبو عجوة وعنيز وأبو حية, وتفيد مصادر محلية من أبناء تلك المنطقة أن طريق إمداد التنظيم بالمقاتلين والمؤن لم يتوقف عبر وادي العذيب بعد أن أخلى نظام الأسد حواجزه على الطريق بين إثريا- السعن, وهذا ما يفسر سرعة تحرك التنظيم في المنطقة وإفساح الميليشيات الشيعية وتلك التابعة للأسد المجال لتضخيم حجم قوة التنظيم في ريف حماة الشرقي, من خلال إيقاف الاشتباكات معه قبل ثلاثة أشهر, تزامنا مع توقف الطلعات الجوية الروسية ضده أيضا, مما يعطي نتيجة واحدة هي توظيف التنظيم في ذاك الحيز الجغرافي والحفاظ على اسم داعش في منطقة تخفيض التصعيد لشرعنة تدخل الميليشيات الإيرانية والقصف الجوي الروسي بهدف تطبيق بنود آستانة التي تنص على محاربة الإرهاب.
خطط المواجهة وتكتيك المعركة
تجري معارك الأرياف المحررة وفق خطط تفرضها الأحداث العسكرية على كل طرف, ولا يمكن فصلها عما يجري في سائر محاور القتال الممتدة على جبهة طولها حوالي 70كم بمعنى أن الصورة هنا وهناك تصعيد عسكري للميليشيات الشيعية, واستماتة لكسب مزيد من الأرض يقابله من فصائل المعارضة تصعيد واستماتة للتشبث بالأرض واستردادها, وفي جانب التكتيك المتبع في المعارك, فالملاحظ أن فصائل المعارضة تحولت بعد تراجعها عن بعض المواقع من وضعية الدفاع إلى الهجوم والعمل على تطويره مما مهد عمليا لإيقاف الهجوم في ريف حلب الجنوبي إذ تمكن جيش أسامة التابع لهيئة تحرير الشام من تحويل تقدم الميليشيات الشيعية لحالة استنزاف ضمن محور يمتد من قرية الرشادية, حجارة بالقرب من خناصر وحتى جبل عبيسان المحاذي لطريق إثريا- خناصر من جهة الغرب, وأما على محور الريهجان- الشاكوزية في ريف حماة الشرقي, يبدي الحزب الإسلامي التركستاني بالتعاون مع الهيئة دفاعا مستميتا على هذا المحور رغم الغارات الجوية التي تتجاوز في اليوم الواحد نحو مئة غارة, والمحور الثالث أبو دالي- الشطيب في ريف ادلب الشرقي الذي تشغله الهيئة وفصائل الجيش الحر فقد شهد تراجعا واضحا في الآونة الأخيرة بعد سيطرة الميليشيات المهاجمة على عدة قرى في ريف إدلب الجنوبي كالبليل وأم خزيم وأم تريكية والظافرية والشطيب، وهي محاذية لقرية أبو دالي الهدف الرئيسي المرحلي في أجندة المهاجمين على هذا المحور. وتحاول تقطيع مناطق سيطرة فصائل الثورة إلى جزر يسهل الإطباق عليها وحصارها بعدما تقدمت من عدة محاور تزامنا مع اندفاعة تنظيم "الدولة" في شمال غرب ناحية الحمرا واستطاعوا فعليا حصر منطقة صغيرة تابعة لهيئة تحرير الشام وعزلها في منطقة الحمرا مما أتاح للميليشيات التقدم نحو قرى دوما وربدة والحزم وعرفة وقصرعلي والشطيب، وبذلك تمكنت الميليشيات الشيعية من إبعاد فصائل الثورة عن قرى الطليسية والزغبة ذات الأغلبية العلوية, وفي حال اتصال ميليشيات الشيعة ببعضها, والتي تحاول التقدم من أقصى ريف حلب الجنوبي الشرقي وحماة الشرقي وإدلب الجنوبي سيتم حصار مناطق فصائل الثورة شرق سكة حديد الحجاز. ولكن من المتعذر على الميليشيات التقدم مرحليا إلى أبعد من المناطق التي استولت عليها مؤخرا كونها دارت في حيز جغرافي ذي طبيعة تضاريسية منبسطة ومكشوفة في محوري ريف حلب الجنوبي وحماة الشرقي, مما سهل عمل الطيران الروسي وذاك التابع لنظام الأسد في تأمين الغطاء الجوي للميليشيات المهاجمة. ومع اقترابها من قرى سيف البادية باتت جاهزية فصائل المعارضة واضحة من خلال تبادل السيطرة على قرى صغيرة كمريجب الجملان في ريف حماة الشرقي والرشادية وحجارة في ريف حلب الجنوبي وكلتا القريتين تبعدان 40 كم عن مطار أبو الظهور العسكري الهدف الاستراتيجي للروس.
تفاعلات معركة شرق سكة حديد الحجاز ونتائجها
سبق هذه المعركة وخلالها اقتتال فصائلي بين "هيئة تحرير الشام" وفصائل من الجيش الحر وحركة أحرار الشام، أدت إلى تشظي الفصائل وانهيار عدد منها, كان آخرها الصراع الدامي بين الهيئة والزنكي, مما انعكس سلبا على ميادين القتال بعد أن تمكنت الميليشيات الشيعية قبل شهرين من قضم بعض المناطق في الأرياف المشار إليها, محققة نتائج يمكن رصدها من خلال المبادرة والمبادأة, في الهجوم باتجاه ريف ادلب وتحديدا مطار أبو الظهور العسكري اعتمادا على سلاح الطيران الروسي، مما وسع من دوائر المعركة يمينا وشمالا ودخول ريف إدلب الجنوبي الشرقي ضمن تطبيق الاستراتيجية الروسية, وفقا لبنود آستانة التي تنص على وضع منطقة شرق سكة حديد الحجاز تحت نفوذها بموافقة فصائل المعارضة الموقعة على هذا البند رغم انكارها وتقديم وثيقة أخرى تفيد أن المنطقة المذكورة بحسب آستانة تكون خالية من المظاهر المسلحة ويحكمها مجلس محلي قبلي.
لكن التطورات الميدانية, وتوغل الميليشيات في ريف إدلب الجنوبي واستقدامها أعدادا كبيرة من التعزيزات عدا عن سطوة سلاح الطيران الروسي تشي بنقل المعركة إلى حاضنة الثورة ومركز ثقلها في مدينة إدلب, لذلك يستميت نظام الأسد والميليشيات المساندة له للتمدد في هذه المنطقة توسيعا لدوائر نفوذ روسيا وبالتالي إبعاد الفصائل المسلحة عن مناطق نفوذ الأسد, من هنا فإن فصائل المعارضة المسلحة تشن هجوما بشكل يومي على قواعد نظام الأسد العسكرية والميليشيات سواء على جبهة ريف حلب الجنوبي, أو محور أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي, أو جبهة الشاكوزية في ريف حماة الشرقي, وتعمل على التشبث بالأرض التي حررتها وتأمينها وتحصينها, خاصة أن عددا من الاعتبارات المهمة تدفع الطرف الآخر للقتال باستماتة في محاولة التمدد. غير أن اتساع مساحة الميدان المشتعل من أبو دالي مرورا بالشاكوزية وصولا إلى الرشادية في ريف حلب الجنوبي, يضخم حجم الحاجات، من جنود إلى خطوط إمداد وشبكة اتصالات ونفقات لتأمين أكبر ضد ضربات الطيران الروسي وذاك التابع للأسد، فاتساع المساحات الجغرافية في ظل حرب طويلة يدخل في رهانات مبهمة تدخل في حسابات الخطط العسكرية للتركيز على الميدان الجغرافي المهدد الفعلي لمنطقة شرق سكة حديد الحجاز مع الضغط للتقدم عبر عدة محاور بهدف الوصول إلى مطار أبي الظهور العسكري .
وفي العودة إلى تفاعلات المعركة في جانبها الفصائلي, فثمة حراك لمراجعة توحيد القوى العسكرية المعارضة لرد الهجمة الشرسة لكن الأنباء تفيد أن أغلب الفصائل التي قاتلتها "هيئة تحرير الشام", كصقور الشام وحركة أحرار الشام, أو تلك الخارجة حديثا من تحالف الهيئة مثل جيش الأحرار وحركة الزنكي، رفضت القتال في المعركة الجارية في حين اشترطت حركة أحرار الشام الإسلامية لأجل عودتها استرجاع الأسلحة التي استولت عليها الهيئة في الصدام الدامي الذي جرى بينهما في صيف العام الجاري، في حين لم يصدر أي بيان من الهيئة للرد على ما يقال في أوساط العامة ليبقى الاتحاد الفصائلي في حيز الأمنيات الشعبية في ظل تعاظم المخاطر التي تهدد حياة 4 ملايين سوري في محافظة إدلب ينتظرون مصيرا مجهولا بعد أن تم تجميعهم في هذه المناطق بالتدريج عبر مراحل من مختلف المناطق السورية.
والمعركة في تفاعلاتها السياسية تقع تحت تأثير حسابات ومصالح إقليمية ودولية متضاربة, فتركيا أحد الأطراف الضامنة لاتفاق آستانة أدارت ظهرها عما يفعله شركاؤها الروس والإيرانيون من قتل وتهجير واستطالات في المناطق المحررة, بعد أن لجأت أنقرة إلى ترتيب أولوياتها بالحفاظ على أمنها القومي وحصار كانتون عفرين وفككت "هيئة تحرير الشام" على طريقتها, وانشغلت بمصالحها الخاصة بصرف النظر عن الكوارث التي ستلحق بملايين المشردين في محافظة تنتظر مصيرا مأساويا في حال عزوف الفصائل المسلحة عن التفاهم البيني, وعدم امتلاكها الإرادة السياسية التي عليها التخلص من ارتهانها الخارجي وحساباتها الضيقة, فإن توصلت إلى تفاهمات ناجزة ستتحرك عجلة النصر, ويتوقف العدوان, وإن ظلت على حالها, فإن معارك أكثر دموية في انتظار المدينة وريفها.
في الوقت الذي يسعى فيه اللاعب الدولي لتثبيت نظام الأسد في موقف قوة داخلية يجري استثماره في خدمة مصالح المحتلين المتضاربة التي تحرك وتراقب ما يجري في الميدان المشتعل, لذلك تعمل تلك الدول على وقف واستئناف المعارك الجارية إلى أن تتوافق مختلف القوى على شكل الصيغة السياسية للنظام الجديد في سورية التي يجري الإعداد لها في سوتشي الروسية ويتم توقيعه بروتوكوليا في جنيف.
فهل تعي فصائل الثورة المسلحة ما يحاك لها في دهاليز السياسة الدولية؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذا.