بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
مقدمة:
تشهد اتفاقات خفض التصعيد التي بدأت عمليا في الجنوب السوري, وتواصلت في غوطة دمشق شاملة في مرحلة لاحقة كافة المناطق السورية وفي كل الاتجاهات, تطورات محمومة بين أطراف المواجهة تجسدها منعطفات سياسية باتت ملامحها تتضح شيئا فشيئا بعد تعاظم الخلاف على المكان والاتجاه بين ايران وواشنطن ومعها روسيا عرابة مناطق تخفيف التوتر لتشابك بينهما قواعد الصراع.
وبين هذا وذاك, تتباعد الفجوات بين المحتلين لتقاسم النفوذ والمصالح إثر اتفاقات ضمنية بين القوى الكبرى والإقليمية على إبعاد إيران من المشهد السوري بعد تنفيذ مهامها القذرة إيذانا لموت المشروع الفارسي, وتفرد موسكو وواشنطن بتفاهمات ثنائية, قد تطول أو تقصر أو تصحو على قرع طبول حرب جديدة وبأساليب مغايرة.
تقدم هذه الورقة وصفًا موجزًا لاتفاق خفض التصعيد إثر التفاهم الروسي الأميركي على تطبيقه في سورية وصولا إلى تسوية سياسية شاملة, ونبين في هذه الورقة تفاصيل اتفاق الجنوب وما جاء فيه وتداعياته على المسرح اللبناني المتمثل بمعركة عرسال بعد توريط إيران الجيش اللبناني في الدم السوري, واحتلالها جرود عرسال عبر ميليشيا حزب الله اللبناني, وتفصل الورقة اتفاق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية من خلال التركيز على القاهرة مكانا لتوقيع الاتفاق بدلا من آستانة لإقصاء أي دور لإيران, كما تنوه الورقة على بيان أحمد الجربا رئيس تيار الغد السوري وعراب الاتفاق, وتركز على أهم بند من بنود الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية بما يتعلق بإيران وميليشياتها الطائفية, وتسلط الضوء على ما يدور في البادية السورية من صراع بين الولايات المتحدة وإيران, وتستعرض مجددا الاستراتيجية الايرانية في سورية على ضوء الأحداث الجارية, وأخيرا تحاول الورقة تصوير المشهد وفقا للتطورات السياسية المحمومة, واستنتاج المعطيات في شكلها المتوقع.
- اتفاق الجنوب السوري, وانسحاب الميليشيات الإيرانية:
مثلت اتفاقية المنطقة الآمنة في الجنوب السوري التي تشمل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء, والتي وقعها الرئيسان الأميركي دونالد ترامب, والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ واستكملت تفاصيلها في العاصمة الأردنية عمان, مرحلة جديدة من الصراع على سورية بما لا يتوافق مع أهداف الأطراف المتحاربة سواء المعارضة السورية, أو نظام الأسد ومعه روسيا وايران.
بعد تعرج مسارات الملف السوري من جنيف إلى آستانة إثر جولات متعددة متعثرة جاء التفاهم الثنائي في هامبورغ الذي يقتصر على الترتيبات الأمنية والعسكرية, ويتماثل مع آستانة موسكو في الأهداف, ويختلف معه في التمثيل, فإيران خارج اتفاق هامبورغ الذي استكمل في العاصمة الأردنية عمان, وهذا هو محتوى الاتفاق والنقطة الأساسية في التوافق الروسي الأميركي في الجنوب السوري, الهادف إلى إبعاد إيران عن جغرافية الجنوب كمرحلة أولى وتحجيمها كمرحلة ثانية, ومن ثم التوصل إلى حلول سلمية أو عسكرية لطردها من سورية أولا ومن العراق ثانيا بتوافق دولي إقليمي وهذا ما صرح به ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن حيث جاء فيه: "على إيران سحب قواتها وميليشياتها من سورية, وأن بلاده لم تغير موقفها من نظام الأسد، كما أنها حريصة على التعاون مع روسيا من أجل استقرار سوريا, شريطة أن تغادرها القوات الإيرانية، وكتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة".
يأتي موقف الجانب الأميركي في هذه الظروف كاستراتيجية ارتسمت ملامحها منذ وصول إدارة ترامب منعا لتمدد النفوذ الإيراني في منطقة الجنوب السوري الحيوية, لذلك جاء الاتفاق بعيدا عن آستانة الذي تشارك فيه إيران كطرف في صياغة المستقبل السوري, فأبعدها ووضعها في دائرة الطرف المستهدف في التفاهمات الروسية الأميركية في سورية.
اتفاق الجنوب, وتفاعلات معركة عرسال:
بعد اتفاق الجنوب بين واشنطن وموسكو, جاءت الأوامر الروسية لإيران بسحب ميليشياتها الشيعية كحزب الله اللبناني وباقي الميليشيات العراقية والأفغانية من الجنوب السوري, فانصاعت ايران للأوامر الروسية الواضحة, وتلقفتها بالدبلوماسية المخاتلة التي يفهمها الإيرانيون كمقايضة جغرافية تمنحهم حرية أوسع في لبنان وتحديدا في منطقة جرود عرسال, وأطلقوا عبر ذراعهم حزب الله اللبناني معركة في هذه المنطقة الحيوية للاستيلاء على مساحة واسعة منها للتنافس مع إسرائيل. بعد تمددهم وسيطرتهم على مفاصل نظام الأسد السياسي، الذي بات في قبضتهم كما هو حال الدولة اللبنانية الفاشلة.
فاعلت إيران معركة الحدود المتداخلة بتعبئة الحشد الشيعي والأحزاب والتيارات الموالية لها طائفيا وعنصريا, عبر إطلاق معركة لاستهداف اللاجئين السوريين في منطقة عرسال, البلدة السنية في المحيط الشيعي بمشاركة بقايا الجيش اللبناني وميليشيا حزب الله اللبناني فقامت ايران بتوزيع المهام والمخططات, فكلفت الجيش اللبناني بمهمة قذرة تمثلت بمداهمة مخيمات اللاجئين وقتل العديد منهم تحت التعذيب في رسالة ابتزازية صارخة وضاغطة على المجتمع الدولي لدفع المزيد من الأموال دعما للاقتصاد اللبناني الذي يذهب ريعه الأكبر لأركان النظام اللبناني الفاسد ولميليشيا الحزب الايراني الذي يتحمل المسؤولية الأساسية بطرد مئات الآلاف من السوريين وإجبارهم على النزوح إلى لبنان وغيرها, وسط تهليل وتصفيق السلطات السياسية اللبنانية عما يرتكبه الحزب من جرائم في سورية.
تندرج معركة جرود عرسال في إطار استراتيجية إيرانية تستهدف استكمال تطويق الحدود اللبنانية مع سوريا، بشريط شيعي مسلح. وتركز الهجوم من خلال عدة محاور, كان المحور الأول من نصيب الجيش اللبناني الذي استهدف مخيمات اللاجئين, والثاني شنته ميليشيا حزب الله ولفيف من الميليشيات الأفغانية والحرس الثوري الإيراني ضد معاقل الجيش الحر وهيئة تحرير الشام في تلك المنطقة والمحور الثالث تمثل بمساندة قوات نظام الأسد جوا وبرا, من داخل الأراضي السورية, وحقق الهجوم تقدما ملحوظا بعد مقتل وأسر العشرات من حزب الله فاضطرت إيران وحلفاءها لوقف الحرب والدخول في مفاوضات كان بنتيجتها التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإبعاد هيئة تحرير الشام الى محافظة ادلب.
وبهذا تمكنت ايران من إقحام الجيش اللبناني وولوغه بالدم السوري تأسيسا لعلاقات عدائية مستقبلية بين الشعبين السوري واللبناني, كما حاولت إدراج تلك الحرب تحت دعاية رخيصة, وبعناوين سوقية فاضحة توجهت بها للشارع اللبناني أن حزب الله تمكن من طرد "الإرهابيين" من جرود عرسال اللبنانية مع ملاحظة أن ميدان المعركة يقع بغالبيته في الأرض السورية.
-اتفاق الغوطة الشرقية, واستبعاد إيران:
جاء اتفاق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية بريف دمشق بعد إعلان عراب الاتفاق أحمد عوينان الجربا رئيس تيار الغد السوري, التوصل إلى هذا الاتفاق بين قوات نظام الأسد وجيش الإسلام بضمانة روسيا ورعاية مصرية.
ومع التوصل لاتفاق خفض التصعيد في الجنوب باتت الغوطة الشرقية عرضة لقصف مكثف من طيران نظام الأسد ومن الميليشيات الايرانية الشيعية المحاصرة للغوطة على الأرض, فطالبت فصائل الثورة المسلحة في الجنوب ضم منطقة الغوطة لنظام خفض التصعيد, وبعد جولات مكثفة للجربا المكلف من واشنطن وروسيا والأردن، توصلت الأطراف المعنية إلى انجاز اتفاق في القاهرة يستثني مناطق سيطرة لواء فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام في عين ترما, لكن "الفيلق" أعلن موافقته على اتفاق القاهرة مع تعهده بضبط عناصر هيئة التحرير, وينص الاتفاق على نشر 150 شرطيا شيشانيا من الشرطة العسكرية الروسية, ومهمتهم منع جميع العمليات الهجومية في الغوطة بما في ذلك الميليشيات الشيعية الايرانية, ولن يسمحوا لأي طرف بخرقه سواء كان تابعا للحرس الثوري الإيراني أو للنظام أو لفصائل المعارضة المسلحة.
وأصدر تيار الغد السوري بيانا فصل فيه اتفاق خفض التصعيد في الغوطة الشرقية جاء فيه:
"بالتنسيق مع حكومة جمهورية مصر العربية الشقيقة ووزارة الدفاع الروسية، وفي إطار المساعي من أجل حقن دماء السوريين وتحسين أوضاعهم الإنسانية، عمل أحمد الجربا رئيس تيار الغد السوري على إنجاز وساطة من أجل تحقيق وقف إطلاق نار كامل في منطقة الغوطة الشرقية بين النظام والمعارضة. وتم التوقيع على الاتفاقية في القاهرة بتاريخ 20 يوليو (تموز) 2017، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاثة أيام بحضور أطراف المعارضة السورية المسلحة المعتدلة في الغوطة الشرقية ومسؤولين من كل من الحكومتين المصرية والروسية. ونص الاتفاق على ما يلي:
- توقف كامل للقتال وإطلاق النار من جميع الأطراف.
- عدم دخول أي قوات عسكرية تابعة للنظام السوري أو قوات حليفة له إلى الغوطة الشرقية.
- فتح معبر «مخيم الوافدين» من أجل عبور المساعدات الإنسانية، والبضائع التجارية، وتنقل المواطنين بشكل عادي.
- تقوم الشرطة العسكرية الروسية بالتمركز في نقاط مراقبة على مداخل الغوطة الشرقية الرئيسية من أجل مراقبة الالتزام بوقف إطلاق النار.
فيما أصدرت فصائل الثورة في الغوطة الشرقية بيانا مفصلا تظهر من خلاله رغبتها في اتفاق ناجز تلتزم بمقتضى بنوده ويمكن لنا التركيز على أحد بنوده الذي ينص على "انسحاب تدريجي للميليشيات الايرانية, على أن تلتزم روسيا مع الطرف الآخر بجدول زمني محدد لإخراج الميليشيات الأجنبية كافة من سوريا التي تحمل شعارات طائفية تخالف الهوية الوطنية السورية، ومحاسبة من ارتكب الجرائم منهم وألا يكون لهم أي دور في حفظ أمن البلاد ومستقبلها".
وبحسب فصائل الثورة في الغوطة فقد تم اختيار القاهرة مكانا لتوقيع الاتفاق، من أجل الابتعاد عن أستانة بسبب وجود الدور الإيراني هناك، وقد قبل الروس بهذا كما حصل في اتفاق الجنوب.
تفاعلات معركة البادية ومصير الممر الإيراني:
أظهرت المعارك الجارية في البادية السورية تصاعد الاندفاعة الإيرانية الشيعية بهدف السيطرة التامة على البادية السورية ذات البعد الاستراتيجي, رغم مواصلة فصائل الجيش السوري الحر صد للعدوان الايراني غير المسبوق بتنسيق عالي المستوى بين تكتل جيش أسود الشرقية وتجمع الشهيد أحمد العبدو و شهداء القريتين, التي أنهكت الميليشيات الشيعية, رغم انكشافها الجوي أمام الطيران الحربي الروسي وذاك التابع لنظام الأسد.
ولا تزال طهران مستمرة في مخططاتها لاستكمال رسم القوس الفارسي, ضمانا لاستمرار شريان تدفق الإمدادات لميليشياتها اللبنانية والعراقية والأفغانية الخاضعة عسكريًا وعقائديًا لها, وللتوغل باتجاه محافظة دير الزور من بوابة مدينة السخنة لقطع الطريق أمام فصائل الجيش الحر المدعومة من التحالف الدولي بالسيطرة على محافظة دير الزور, ومعبر القائم العراقي -البوكمال السوري بالتعاون بين الميليشيات الشيعية العاملة في الأراضي السورية, وميليشيا الحشد الشيعي من الجانب العراقي, مما يجعل إيران تبدي اندفاعا كبيرا للسيطرة على الحدود السورية مع العراق.
تزامن التمدد الإيراني مع ظهور موقف أميركي جديد متجسد بقوات أميركية وبريطانية علناً إلى جانب فصيل مغاوير الثورة خلال تقدمها باتجاه معبر التنف إذ قام التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بقصف رتل عسكري لهذه القوات المتقدمة، في رسالة واضحة الدلالات، بأن التحالف لن يسمح للمليشيات الإيرانية بالوصول إلى المعبر, والسيطرة على منطقة الحدود, وتعاظمت لغة التصعيد ضد إيران في لقاء الرياض وما استولد عنه من حلف جديد, عبر عنه الرئيس دونالد ترامب في إظهاره عداء علنيا للسياسة الإيرانية التي تحاول جس نبض جدية واشنطن فزجت بقواتها باتجاه عدة محاور, وجعلت محور التنف رأس الحربة غير آبهة بقصف رتل ميليشياتها ما دام القتلى مرتزقة وعملاء, وشددت واشنطن عبر مناشير ألقتها من طائراتها بعدم تجاوز حاجز ظاظا الذي يبعد مسافة 55 كم من معبر التنف, فتوقفت ايران عن مواجهة الولايات المتحدة في التنف ومحيطه بعد تحذيرات واشنطن المتتالية من المساس بمصالحها في هذه المنطقة الحيوية, واستدارت باتجاه دير الزور شمالا والسيطرة على المرتفعات الجبلية المطلة على طريق دمشق-بغداد جنوبا والتي تعتبر أهم معاقل جيش أسود الشرقية.
يبدو مسرح المواجهة بين إيران والجيش الحر في البادية السورية التي تشكل لكلا الطرفين أهمية استراتيجية, تتوقف نتائجها على مدى تفعيل إدارة ترامب لآلية مواجهة طهران في هذه المنطقة التي ستكون مفصلية في إطار الصراع على سورية.
على خلفية احتدام الصراع في البادية السورية التي باتت ساحة مواجهة استراتيجية في ظل الشعارات التي يرفعها الحشد الشيعي في العراق واستعداده للقتال داخل الحدود السورية, وما يقابله من اصرار أميركي بتحجيم وإبعاد إيران من هذه المنطقة التي تعمل واشنطن على تحويلها إلى منطقة أمنة تمتد من الجولان فدرعا والسويداء وصولا لدير الزور والتحكم بكامل المنافذ الحدودية.
بناء على هذا أرسلت واشنطن إلى طهران تهديدا بضرب مواقع داخل ايران إن تعرضت للجنود الأميركيين في العراق أو سورية وحمل الرسالة ضباط روس يشاركون في جلسات التنسيق العسكري داخل سورية.
لذلك لا تتوافق التفاهمات الروسية الأميركية في سورية مع الاستراتيجية الإيرانية, خاصة مع الدعوة الأميركية إلى إقامة مناطق آمنة انطلاقا من الجنوب السوري وتعميمها على كل المناطق السورية وفي كل الاتجاهات, والتوصل إلى تسوية سياسية لن يكون الأسد المنصة السياسية لإيران، نصيب فيها وهو ما تدركه موسكو في ظل تصاعد اللهجة الأميركية التي ترى في إيران عدوا لمصالحها في المنطقة.
هذه التطورات ستقرر مستقبل التوازنات الاستراتيجية في المنطقة كلها، خصوصا إن اقترن قول واشنطن بالفعل بنسف الممر الشيعي العابر بالقرب من قواتها في البادية السورية.
- استراتيجية ايران, مطامع, وكوابح:
مع تجلِّي الكثير من شواهد النفوذ الإيراني سياسيًّا، واقتصاديًّا، وعسكريًّا، في مفاصل إقليم نفوذ الأسد يتضح سعيها إلى ترسيخ مكاسبها الخاصة بما يعزز دورها الإقليمي وتحقيق طموحها السياسي، والاقتصادي، والعسكري، في تنافسها العلني مع دول الخليج وتركيا وإسرائيل, وبناء على ذلك، فإن أبرز الأهداف الاستراتيجية، التي تسعى إيران في هذه المرحلة إلى تحقيقها في سورية ومن خلال نظام الأسد، يمكن إجمالها بالآتي:
1- محاولة تعزيز نفوذها الجيوسياسي المتنامي على شواطئ البحر المتوسط في لبنان وسورية, واستدارة قوسها جنوبا لتطويق دول الخليج العربي شاملا ذلك المشرق العربي برمته بما يحقق الآتي:
أ. تقوية موقفها العسكري والاقتصادي في المنطقة العربية الملتهبة، التي تشهد تنافسًا علنيا بين السعودية وتركيا اللذين يجتمعان في تحجيم الدور الإيراني في المنطقة.
ب. حشد المتطرفين الشيعة من أبناء المنطقة وحقنهم بأحقاد تاريخية, لتقوية مركزها السياسي والعسكري في مواجهة السعودية، وتركيا.
ج. التركيز في عدوانها على الشعب السوري بعنوان مشاركتها في مكافحة الإرهاب، كغاية لكسب ود الولايات المتحدة وتبرئة نفسها من المجازر الشنيعة التي ارتكبتها في سورية بدوافع مذهبية.
2- تعمل على تقسيم سورية إلى أقاليم بعد فشلها في السيطرة على كامل الأرض السورية لتحقيق أهدافها الجيوبوليتيكية للإقليم السوري الواقع تحت نفوذ الأسد في إطار تنافسها المناطقي مع إسرائيل بعد تجلي مظاهر تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ بين الروس والأمريكان وذلك من خلال التالي:
أ- إعادة تموضعها العسكري في منطقة القلمون الغربي ذات الإطلالة الاستراتيجية على مرتفعات الجولان المحتل ونقطة الوصل بين البحر المتوسط والبادية السورية.
ب. تفعيل الممر البري أو ما يعرف بالمعبر الشيعي الحيوي عبر البادية السورية, ضمانا لاستمرار تدفق ميليشياتها وعتادها الحربي.
ج. التحكم بالمنطقة الوسطى من سورية بسيطرتها على الطرق الرئيسية والفرعية الواصلة بين المحافظات, وكذلك السيطرة على الجزء الأكبر من الداخل اللبناني.
د. إخضاع كامل للحكومتين اللبنانية والنظام الحاكم في دمشق لاستراتيجيتها عبر هيمنة ميليشياتها العسكرية.
-التداعيات المتوقعة للدور الايراني في سورية:
تعتقد ايران أن توغلها في الجغرافية السورية وتغولها في سفك الدم السوري, ستعزز نفوذها الدائم في سورية, وستحصل على مكاسب متعددة, ولكن أظهرت سياسة القوى الكبرى في مشروع تخفيف التوتر والتصعيد ألا مستقبل لإيران ليس في سورية فحسب بل في المنطقة العربية, فمن المعروف أن القوى العظمى لا تسمح لإيران بتجاوز مصالحها الحيوية, ولعل تجارب تاريخية كثيرة ماثلة في الأذهان, ويعتبر أقربها التدخل السوري في لبنان.
حتى الآن تتعرض إيران لقدر كبير من الهجوم السياسي الأميركي بناء على موقفها المغاير عن الاستراتيجية الأميركية في المنطقة مما جعلها عقبة أمام الحسم العسكري من جهة وعرقلة التسويات السلمية من جهة أخرى, كما أضفت على الحرب الدائرة في سورية طابعًا مذهبيًّا ارتكبت من خلاله جرائم شنيعة.
في الآفاق المنظورة لتداعيات الدور الايراني في الحرب الدائرة مؤشرات أميركية وحتى روسية على أن دورها بات يشكل خطرا على زعزعة التفاهمات الجارية من خلال مناطق تخفيض التصعيد في ظل استقواء إيران بأذرعها العسكرية الشيعية المرتبطة بها في كل من العراق وسورية ولبنان.
وفي إطار العلاقة المترنحة بين قطبي الصراع في سورية، ثمة من يرى أنه قد تدفع الأطماع الإيرانية المتعاظمة إلى تفسخ الحلف القائم بينها وبين روسيا, بعد أن وضعت واشنطن, موسكو في زاوية ضيقة لإثبات شراكتها لها في الملف السوري, ولا يستبعد هذا المصير في ظل توجه إدارة ترامب التي ترى في إيران عدوا يتربص بمصالحها في هذه المنطقة الحيوية من العالم, ولذلك لا بد من التوافق الروسي الأميركي على إخراج ايران وميليشياتها مع تفعيل الدور الدولي في ملاحقة مجرمي الحرب من الميليشيات الإيرانية جراء المجازر التي ارتكبوها في سورية, قد يبدو مستغربا هذا التصور, ولكنه أحد الخيارات المطروحة في استراتيجية واشنطن التي يمكن أن ترسخها بتفاهم مع روسيا بعد الاعتراف بمصالحها في مناطق نفوذ نظام الأسد.
وتدرك إيران أنها باتت في مأزق نتيجة التوافق الروسي الأميركي, لذلك فهي أمام خيارات متعددة, تتمحور حول مواجهة الولايات المتحدة, أو تختار الخيار الأنسب لها وهو التفكير مليا في كيفية الخروج من سورية في التوقيت الذي تقدره مناسبا لها.