(بيروت – رويترز) – ترجمة بلدي نيوز
على الطريق الترابي بمنطقة (غازي)، في منتصف الطريق بين دمشق والبحر المتوسط، تعيش غرام الشوقي، واحدة من ثلاث أرامل سوريات مع 11 طفلاً، محشورين في مكان ضيق، دون نوافذ كان يستخدم من قبل كمحل تجاري .
اللاجئون السوريون الفارون إلى لبنان من "الحرب الأهلية" المجاورة مثل عائلة غرام وشقيقتها الأرملة وزوجة أخيها، يفوق عددهم الآن عدد السكان المحليين في منطقة غازي بنسبة أربعة لواحد.
فـ "الحرب الأهلية" في سورية والتي استمرت لأكثر من 4 أعوام، قد خلقت أزمة لاجئين دولية، ولكن لم يحمل أي بلد وطأة لجوؤهم أكثر من لبنان الصغير، حيث خُمس الفارين من سورية يعيشون الآن في لبنان، من أصل 4.5 مليون هرب من الحرب، وهو وضع مشابه لما حصل في الولايات المتحدة، حيث تبلغ نسبة اللاجئين المكسيك فيها_ 64 مليون شخص.
تقول غرام: "في سورية كان لدينا أَسرّةً حقيقية"، مُشيرة إلى المفارش الرقيقة التي ينام عليها أطفالها الأربع، "ومطبخ يحتوي على كل ما يتمناه المرء، أما الآن فسأكون محظوظة إن استطعت إيجاد غاز لأطبخ".
النساء الثلاث اللواتي فررن من سورية قبل عامين، يدفعن شهرياً مبلغ 250 دولار كإيجار عن منزلهم المؤقت، وهو مبلغ غال لمدينةٍ مثل (غازي) ولكن لا يمكن مقارنته بالتكاليف المرتفعة في العاصمة اللبنانية بيروت .
إن تدفق أكثر من 1.1 مليون لاجئ إلى لبنان يضع ضغوطاً على أي بلد، فتأثير ذلك على لبنان كان كبيراً، حيث لم تستطع السلطات حل موضوع القمامة المتراكمة في الشوارع لشهور، وارتفعت الإيجارات بسبب زيادة الطلب على المساكن من أولئك الفارين من سورية، واستنزف الغلاء كل ادخارات اللاجئين، وهدد ما يقرب من 1 مليون شخص في لبنان يعيشون تحت خط الفقر حتى قبل الأزمة.
وما يجعل الأمور أكثر سوءاً، هو أن ذلك وجه ضربةً للاقتصاد اللبناني، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية عام 2011، ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، انخفضت السياحة في لبنان بنسبة 23٪ وهبطت الصادرات إلى سورية بنسبة 7.5٪ .
فلبنان يستضيف حالياً عدداً هائلاً من اللاجئين، وغالباً في المناطق الفقيرة، حيث الخدمات العامة السيئة التي لم تستطع الحكومة معالجتها مع زيادة عدد السكان .
يقول فرانك بيترسون، ممثل منظمة أوكسفام الخيرية في لبنان: "في بداية الحرب حافظ لبنان على سياسته الترحيبية التقليدية مع سورية، ولكن على مدى العام الماضي أوقفنا ذلك بشكل متقطع مع استمرار الصراع السوري، فلبنان حائر بين مساعدة اللاجئين وفي الوقت نفسه يريد منعهم من الاستيطان الدائم هنا" .
وتحقيقا لهذه الغاية، فإن الحكومة اللبنانية لا تسمح بتوظيف اللاجئين السوريين، مما يجعلهم أهدافاً سهلة للاستغلال من قبل أولئك الذين يوظفونهم بشكل غير قانوني، ونتيجة لذلك، انخفضت أجور العمال اللبنانيين.
يقول علي أبو جورة، وهو مواطن لبناني يملك ميني دكاناً يقع قبالة المحل الذي تقطنه عائلة الشوقي، بأن :"استعداد اللاجئين السوريين للعمل بأجر منخفض في السوق السوداء جعله يضطر لتغيير عمله أكثر من مرة" .
ويضيف علي : "كنت أعمل في البناء، ولكن تحتم علي تغيير العمل بسبب انخفاض الأجر، الأمر الذي حصل مع الكثير من العمال اللبنانيين، حيث اسُتغني عنهم واسُتبدلوا باللاجئين ذوي الأجور المنخفضة، الآن لدي متجر، ولكن الفوائد من وجود زبائن سوريين كثر لا يعوض عن الزيادة في أسعار المنازل".
اللاجئون السوريون الذين لا يستطيعون العثور على عمل يعتمدون على المساعدات الإنسانية، لكن الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي أعربا عن عجزهم عن مساعدة أكبر هجرة قسرية منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال خالد أبو النور، ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهو فرع لمنظمة التحرير الفلسطينية، يعيش في مخيم شاتيلا في بيروت: "مع عدم وجود فرص العمل والمساعدات القليلة، فلا عجب أن يلجأ الناس هنا إلى المستحيل للهجرة لأوروبا".
وقد طلب لبنان من باقي الدول العربية والمجتمع الدولي استقبال بعض اللاجئين، إلا أن الاتحاد الأوروبي عبر عن خشيته من أن يطلق ذلك العنان لسيل جديد من اللاجئين.
وقد وافقت الولايات المتحدة هذا العام على استقبال ما يقرب من 1200 سوري، بعد قبول أقل من 250 لاجئ سوري سنوياً منذ بدء "الحرب الأهلية"، وفقا لوزارة الخارجية، كما تعهد الرئيس أوباما بقبول ما لا يقل عن 10000 لاجئ في السنة المالية القادمة.
وكالعديد من اللاجئين السوريين الآخرين، تحلم غرام الشوقي بأن تعود لوطنها، ومنزلها في الغوطة الشرقية، بدلاً من الهجرة لأوروبا، وتستمتع من حين لآخر بكتابة رقم هاتف منزلها في الغوطة للزوار، قائلة: "ستكون ضيفي في بيتي في الغوطة".