ديلي بيست – (ترجمة بلدي نيوز)
إن سقوط مدينة حلب لمجموعة من الميليشيات الإيرانية بدعم من القوات الجوية والقوات الخاصة الروسية ليس فقط انتصارا مدويا لدمشق، ولكنه أيضاً نصر أكثر هدوء لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" والذي شن هجوماً مفاجئاً استعاد فيه المدينة التاريخية "تدمر".
فلا يوجد ما هو أكثر وضوحاً من الدعاية التي لطالما استخدمها التنظيم ضد "الكفار والمرتدين" وتبرير أعماله بأنه ينقذ العرب السنة من السلب والنهب والاغتصاب، والقنابل البرميلية من الروس، والعلويين، والشيعة.
لكن سقوط حلب يدعم واحدة من المزاعم والتي تحدث عنها المتحدث السابق باسم التنظيم "أبو محمد العدناني"، قبل فترة وجيزة من وفاته، ففي مايو، أي قبل أشهر من قتله بغارة جوية امريكية، أصدر العدناني ما يمكن أن يكون بياناً ختامياً لدحض انتقادات السنة المشتركة لاستيلاء التنظيم على مجموعة من البلدات والمدن السنية وأن ذلك جلب فقط الخراب إليها كالفلوجة والرمادي، فبالنسبة للعدناني كان الدمار في المدن السنية ليس خطأ التنظيم بل بسبب المؤسسات الجهادية المتنافسة، وطالب الأمة بالصمود ومواجهة الصعوبات الجمة والذي من شأنه أن يعيد الكرامة السنية.
وبفضل بشار الأسد، فلاديمير بوتين، وآية الله علي خامنئي، بالإضافة إلى باراك أوباما –فإن العدناني يلعب دور نبي حتى بعد وفاته، وبدلاً من الموت في القتال في حلب فإن الجيش الحر بالإضافة إلى الإسلاميين أو الجماعات الجهادية مثل جبهة فتح الشام، يفاوضون على شروط الاستسلام من خلال سلسلة من الهدن ووقف إطلاق نار مذلة وإجلاء والتي هي في الواقع عمليات نقل قسرية للسكان.
وهكذا تتفاقم الخسائر بسياق طائفي، ويصف مراسل دير شبيجل كريستوف رويتر سقوط حلب بـ "أول جهاد شيعي دولي في التاريخ الحديث" والذي تم بقيادة الحرس الثوري الايراني واعتمد إلى حد كبير على خليط من المقاتلين من أفغانستان وباكستان ولبنان والعراق.
وهذا هو بالضبط ما قاله أبو مصعب الزرقاوي، المؤسس الأردني لتنظيم الدولة والذي وصف الشيعة بالعقبة والثعبان السام والعقرب والعدو وأن التشيع هو الخطر الأكبر الذي يهدد حياتنا والتحدي الحقيقي الذي يتعين على السنة مواجهته.
في سوريا، كانت أطروحة الزرقاوي أكثر أهمية، كون البلاد بأغلبيتها سنية وتخضع لاحتلال من قبل أقلية، ومع السوء الذي يصاحب انهيار رمزية الثورة السورية فالأسوأ هو النصر الشوفيني والذي يلعب دوراً مهماً في استراتيجية الزرقاوي، فمثلاً الحركة الإسلامية حزب الله النجباء، واحدة من الميليشيات العراقية التي اتهمتها الأمم المتحدة بقتل 85 مدني، بينهم نساء وأطفال، بثت أغنية على قناة عراقية تابعة لها، تقول فيها: "حلب شيعية "، وفي خطبته يوم الجمعة في طهران، أعلن آية الله محمد امامي كاشاني "تحرير" المدينة من "الكفار"! مستخدماً نفس لغة التحريض الطائفي الذي يستخدمه تنظيم الدولة، وفي هذه الحالة كان رجل الدين يعلن أن 150.000 من السنة والمحاصرين منذ أشهر في حلب والذين هجروا قسرياً عن مدينتهم هم ملحدون!
كما تم دمج الاستفزاز لفظي مع الاستفزاز البصري، فتداولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعية صوراً لقاسم سليماني، مسؤول التجسس الإيراني وقائد فيلق القدس وهو فيلق تابع للحرس الثوري الإيراني، وهو يمشي بين أنقاض مدينة حلب في استعراض لا لبس فيه عن من كان المسؤول الحقيقي عن الحصار واستعادة حلب، فبشار الأسد هو مجرد صاحب السيادة الاسمية على سورية "ولذلك لن تراه موجوداً في مكان احتلته إيران"!
وفي الوقت نفسه، تمكن 50-200 من مقاتلي التنظيم من التفوق على الأسد وبوتين وخامنئي في تدمر! في الوقت الذي كان يجري فيه اقتحام حلب الشرقية، وكما ذكرت صحيفة الديلي بيست نقلاً عن مصادر مؤيدة للنظام السوري –فقد تم تسهيل عودة التنظيم في عودة سريعة من خلال الرشوة! فقد دفع مقاتلو التنظيم لقائد فاسد من قوات الدفاع الوطني، ووفقاً لخالد الحمصي، وهو مواطن من المدينة و يتابع عن التطورات عن كثب هناك، قامت القوات الروسية المنتشرة هناك بالانسحاب قبل أيام قليلة من بدء الهجوم وتم نقلها إلى حلب.
وفي خطبة الافتتاحية لأبو بكر البغدادي، والتي ألقاها في مسجد زنكي في الموصل في يوليو 2014، حذر المسلمون السنة بالضبط من هذه الحالة، حيث قال: هناك مؤامرة عالمية هائلة من قبل الولايات المتحدة وروسيا، المدعومة من إيران والشيعة، ولا يوجد سوى حارس واحد صحيح أو حامي لهذا المجتمع السني المحاصر وهي الخلافة الإسلامية!
الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القوات الامريكية في التحالف لمكافحة التنظيم، سخر علناً من الحكومة الروسية الأسبوع الماضي قائلاً في إشارة لتدمر: "لقد خسروها واعتقد ان الأمر عائد لهم في استعادتها"، وأن التنظيم قد استولى على أسلحة ومعدات وأسلحة ثقيلة وربما بعض معدات الدفاع الجوي"، وأضاف "إن لم يستطع الروس إتلاف هذه المعدات قبل انسحابهم فنحن نستطيع فعل ذلك".
وبالنسبة للكثير من السنة تبدو الولايات المتحدة كمن تغطي وتنظف فوضى الأسد بينما تترك حلب لمصيرها القاتم، وهذا رأي الامين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، والذي يدرك جيداً أعمال العنف الطائفية التي سبقت ومن المؤكد أن تتبع مصيبة حلب، فقد شبه المدينة بكربلاء، موقع أكبر المآسي الإسلام الشيعي، واتهم الطفيلي الأسد وروسيا وإيران بـ "ذبح الآلاف من المسلمين"، مع التواطؤ الأمريكي.
حيث قال: "كيف نفسر الدمار وانتشار الحريق والقنابل التي تسقط على حلب وقتل كل هؤلاء في المدينة بينما في صحراء تدمر، هاجم المسلحون الجيش السوري وسيطروا على المدينة في أقل من يوم واحد".
وتساءل خلال خطبة الجمعة الأسبوع الماضي: "كيف نفسر هذا؟ "نحن نسمح لتنظيم الدولة الإسلامية بالازدهار ونهاجم المعارضة الحقيقية حتى لا يبقى أحد غير النظام السوري... ولكن الأسد وتنظيم الدولة قد ذبحا أمة محمد... فكيف نطلب من الناس الاختيار ما بين الاثنين؟".
لقد كانت مناورة الزرقاوي بالتعامل بوحشية مع السنة وإضعاف معنوياتهم تهدف لدفعهم إلى التحالف الضروري في حربه المقدسة، ومع ما حدث في حلب الأسبوع الماضي فإن شبح هذه الشخص ما يزال لديه سبب للابتسام.