بلدي نيوز – (نور مارتيني)
مرة أخرى تقع روسيا في الفخ، وتخيب حساباتها، وهو ما يتبدّى من خلال التطورات الأخيرة، فالملف السوري الذي كان يفترض أن ينجز كلياً لصالحها، خلال فترة شغور كرسي الأمين العام للأمم المتحدة، والسبات الانتخابي الأمريكي، يذهب باتجاه غير الذي رسمته له.
فبعد التقارب الروسي- التركي الذي جرى مؤخراً، وأسفر عن عودة العلاقات بين الدولتين الجارتين إلى حيث ينبغي أن تكون، خيل لروسيا أنها باتت اللاعب الأقوى، وربما الوحيد في المنطقة، سيما وأن أمريكا (التي تنافسها على تركيا) باتت خارج الحسابات حالياً.
غير أن روسيا – فيما يبدو- لم تقرأ الخارطة السياسية جيداً، ففي حالة التنافس بين فرنسا وألمانيا على زعامة الاتحاد الأوروبي خلفاً لبريطانيا التي أصبحت خارجه، يبدو الملف السوري فرصة سانحة لمن يريد أن يتصدى لهذه لمهمة. وهو ما تجلى بشكل واضح في تصاعد نبرة تصريحات "هولاند" حيال ممارسات "روسيا" تحديداً الحملة الشعواء التي تشنها على "حلب" منذ أكثر من شهر، والتي تجلّت في جلستي مجلس الأمن الأخيرتين، واللتين صعّد خلالهما مندوبو فرنسا وبريطانيا وأمريكا من خطابهم الموجه للمندوب الروسي الذي يرأس الدورة الحالية لمجلس الأمن، وتوجيههم اتهامات صريحة للروس بالاشتراك مع النظام في جرائم "قد ترقى لكونها جرائم ضد الإنسانية".
فيما تأتي التطورات الميدانية على الأرض، ابتداء من "درع الفرات" والمصالحات في "درعا" وليس انتهاء بمعركة الموصل، لتنهي مرحلة "ترسيم الخرائط" في المنطقة، بعد أن أنجز القدر الأكبر من الخطة، من خلال المصالحات ونقل المقاتلين وأسرهم إلى إدلب، وممارسات "قسد" العنصرية، من خلال تهجير المكون العربي.
غير أن حلب، والتي سبق وأن حوصرت وكانت موضوع هدنة إنسانية بعد أن فكّ الحصار عنها، تعود مرة أخرى للواجهة في مسرح الهدن، فبعد ضغوطات فرنسية رهيبة جرى تمديد الهدنة الإنسانية، خاصة بعد أن تلاعبت روسيا بهذا الملف سابقاً في مجلس الأمن وراوغت عليه بمشروعها الروسي، فكانت النتيجة "فيتو لفيتو" ومزيداً من الوقت لاستكمال تدمير حلب.
حلب اليوم تقلب الموازين مجدداً، بعد رفض أهلها الاستجابة لتهديدات "دي مستورا" والروس، والخروج باتجاه إدلب، ما يعني فشلاً ذريعاً لبنود الاتفاق الروسي- الأمريكي الذي يقوم على فكرة منح حلب على طبق من ذهب للنظام، وبالتالي تجهز على الحلم الروسي الأخير بحسم الأمور عسكرياً، من جهة أخرى تحرّكت اليوم جبهة دمشق، التي واجهت هجوماً لثوار الغوطة الشرقية، ومع حديث روسيا عن وصول أكبر سفينة نووية إلى المتوسط، يقابلها إعلان مجلس حقوق الإنسان عن بدء تحقيقات مستقلة بشأن الهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية خلال الهدنة التي أقرّت في الشهر الماضي، وقبلها تهديد صريح من الرئيس الفرنسي في قمة "النورماندي" التي انعقدت قبل يومين بفرض مزيد من العقوبات على روسيا، انتقاماً لـ "حلب الشهيدة".
حول مستقبل المنطقة ككل، يؤكد الصحفي السوري "مصطفى السيد" أن "سوريا التي نعرفها تتقاسمها الاحتلالات الآن في إطار الصراع الدولي الغربي الروسي، والصراع آت في الإقليم". مؤكّداً أن "الروس يحققون نقاطاً إضافية الآن في سوريا، على حساب المعسكر الغربي الذي خطط أن تكون سوريا مستنقع الدم الذي ستغرق فيه روسيا."
ويرى "السيد" أن "مستقبل المنطقة رهن بأقدام المقاتلين الذين سيرسمون في النهاية خطوط الحدود القادمة".. لافتاً إلى حقيقة مفادها أنه "حتى اللحظة تبدو مصالح السوريين بعيدة جداً عن موائد التفاوض التي غيبوا عنها في فيينا ولوزان".
ويرجع الصحفي السوري "السيد" أسباب هذا الإقصاء المتعمد للسوريين إلى أن "نظام الأسد والمعارضة السياسية لا يملكون الحد الأدنى من البراعة السياسية، وهم الآن رهائن خياراتهم التي أوصلت البلاد إلى الحريق الكلي، وكان السوري مادة الاحتراق، واشتعلت الأرض السورية نتيجة أن القيادتين على طرفي خندق الصراع كانتا مأجورتين ومربوطتين خارج مصالح السوريين".
ويرى السيد أن "معظم القوى السياسية السورية اليوم تجيد إشعال النار في دارها، ولا يوجد قوة واحدة تتعامل مع شعبها وأرضها باحترام وتقدير"، فضلاً عن أن "معظم القوى السياسية السورية اليوم لم تتخذ قرارها بإطفاء الحريق في الوطن، ومعظمهم يعمل كمرتزق. وحتى يختار ما تبقى من الأحياء في سوريا ممثليهم ستبقى القوى السياسية المأجورة ترتزق من الصراع."
يبدو أن التصعيد الأخير دولياً وميدانياً هو مقدّمة الانتقال إلى النقطة "ب" والتي تنص على تقدم بري، تبدت ملامحه من خلال تبلور ملامح منطقتين عازلتين جنوب سوريا وشمالها، وتدخل الجيش الحر في الشمال ضمن "درع الفرات"، وما الحديث عن محاسبة روسيا إلا لإقصائها عن المعركة، أما تركيا اليوم فهي ربما الرابح الوحيد كونها عضو في الناتو من جهة، وحليفاً لروسيا، التي تسعى لإحياء أمجاد "حلف وارسو" في المتوسط.