ما دور غرفة الـ"موك" في انهيار الجبهة الجنوبية في سوريا؟ - It's Over 9000!

ما دور غرفة الـ"موك" في انهيار الجبهة الجنوبية في سوريا؟

أتلانتيك كانسل – (ترجمة بلدي نيوز)
تعاني الجبهات الجنوبية في سوريا من حالة من الجمود؛ فحلم المعارضة الجنوبية بالإطاحة بنظام الأسد بات صعب التحقيق، حيث تتقاتل الفصائل في درعا ودمشق فيما بينها، كيف حدث هذا في حين كانت هنالك آمال كبيرة جداً في انتصار الفصائل في الجنوب، وخاصة بعد أن توحّدت تحت مظلة مجموعة الجبهة الجنوبية؟
إن مركز العمليات العسكرية (الموك)، والذي يدعم الجبهة الجنوبية، لعب دوراً مهمّاً في هذا الانهيار، إذ أن مراكز عمليات الـ"موك" تعمل تحت إشراف العديد من القوى الإقليمية والدولية الناشطة في سوريا، ويقع مقرها الرئيسي في عمان، كما أن هنالك مركز للعمليات الشقيقة في تركيا، والمعروفة باسم "موم".
لقد تأسّست غرف الموك في النصف الثاني من 2013، ولكنها بدأت في طور النشوء في عام 2014، وكانت معظم البلدان التي أصبحت الآن طرفاً في غرف الـ"موك"، تقدّم سابقاً المساعدات للمعارضة في جنوب سوريا بشكل مستقلّ، وتعمل من الدول المجاورة، و منذ الربع الأخير من عام 2011 كانت معظم فصائل المعارضة في جنوب سوريا تعمل تحت إطار شبه منظّم، من خلال مجالس عسكرية حرة في المدن والمحافظات.
وفي 14 من فبراير من عام 2014 تمّ إنشاء الجبهة الجنوبية، ووضع فصائل المعارضة تحت اسم وهيكل تنظيميّ جديد، و كانت أكثر تنظيماً وسيطرةً من غيرها في سوريا، و معظم الفصائل في الجبهة الجنوبية تتبع للجيش السوري الحر -أو ما تبقى منه، في حين تختلف التقديرات لأعداد مقاتلي الجبهة الجنوبية، فمن المرجح أنها كانت تحتوي على حوالي 30،000 مقاتل، وذلك وفقاً لمصادر محلية، بينما نمى دور غرف الـ"موك" ونفوذها منذ تأسيس الجبهة الجنوبية.
وتحولت فصائل معارضة الجبهة الجنوبية من محاربة النظام، إلى الاقتتال والمعارك فيما بينها للقضاء على بعضها البعض، وجاء هذا التحول بعد تدخّل روسيا بشكل مباشر في الحرب السورية، إذ نقلت أنباء قول سيرغي لافروف لوزير الخارجية الأردنية، ناصر جودة في أكتوبر من عام 2015، "لقد اتفقت روسيا والجيش الأردني على تنسيق العمليات العسكرية في سوريا من خلال آليات عمل تقع في عمان"، كما أكّد جودة هذا قائلاً "إن هنالك قنوات عميقة للتنسيق ما بين الأردن وروسيا بشأن سوريا".
وبعد هذه الاجتماعات والبيانات الودّية، نُفِّذَت سلسلة من العمليات الإرهابية في الأردن، والتي كان آخرها هجوم على نقطة تفتيش حدودية قرب مخيم الرقبان بالقرب من الحدود السورية، و بدأت الأردن بإغلاق حدودها مع سوريا لمنع الجرحى من دخول الأردن، والحدّ من حجم المساعدات الإنسانية المحلية المرسلة إلى سوريا، وتقييد الواردات المتواصلة للأسلحة والذخائر على معبر تل شهاب الحدودي وحده، وفي الوقت نفسه، بدأت بعض الفصائل العسكرية في درعا بحماية الحدود السورية-الأردنية والهجوم على القادة والفصائل التي لا تتصرّف وفقاً للاتفاق مع روسيا.
إن غرف الـ"موك"، وعلى وجه الخصوص في الأردن، تنسق في خطوة من السياسة الواقعية، إذ ان الأردن تعمل مع روسيا، أحد الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، وحتى في الوقت الذي تقع فيه إدارة غرف الموك في عمان، تخشى الأردن من احتمالية سقوط نظام الأسد، وعدم ضمان الولايات المتحدة بأن القوى المعادية للأردن لن تزحف باتجاه العاصمة، أو على الأقل حماية الأردن من هذه القوى المعادية.
لقد كانت هنالك تقارير حديثة في وسائل الإعلام بأن غرف الموك فرضت خطاً أحمر على بعض المدن مثل الشيخ مسكين، ومنعت المعارضة من التقدم وأعاقت من نجاحها، كما أشارت بعض الأنباء عن خطوط حمراء أخرى شائعة ما بين المقاتلين في الجنوب لأكثر من سنة، وباختصار فإن الأردن قام باحتواء الأزمة على أعتابه بطريقته الخاصة، لكنه وبقيامه بذلك فقد أنهى مصير فصائل الجنوب السوري.

إن تأثيرات قرارات غرف الـ"موك" لا تقتصر فقط على الجبهة في درعا، بل تمتدّ إلى مناطق في الضواحي المحيطة بدمشق، فقد كانت روسيا قد ركّزت بشكل رئيسي على المناطق الشمالية والوسطى من البلاد منذ أغسطس الماضي، وعندما علمت أجهزة مخابراتها بالخطة التي تعدّها المملكة العربية السعودية والأردن (من خلال غرف الموك) لشنّ هجوم مفاجئ من خلال درعا والقنيطرة لإسقاط دمشق، بصحبة حشد ضخم من جيش الإسلام، مقادة من قبل رجل السعودية "زهران علوش"، والذي كان من الممكن له أن يكون الموطئ الأول للسعودية في سوريا، وأراد أن يتّخذ من الغوطة الشرقية مقراً أساسياً له، تحققت الاستخبارات الروسية من تلك المعلومات على الأرض، من خلال حزب الله، الذي لاحظ تحرّكات غير عادية حول جوبر وضاحية الأسد في ريف دمشق، وسرعان ما غيّرت الطائرات الروسية طرقها المعتادة من الشمال إلى الجنوب، وشنت غارات جوية مكثفة على عدة مواقع في جوبر والغوطة الشرقية، كما ضربت مدينتي مرج السلطان ودير العصافير بشكل خاص، وكذلك غيرها من القرى التي تشكّل خطوط إمداد للمعارضة، مُدمِّرةً مواقع مهمة للقادة، في حين قُتِلَ عدد كبير من مقاتلي المعارضة، وبالتالي تمّ إحباط هجوم للمعارضة قبل بدايته.
لقد أدّى انهيار الفصائل الجنوبية المعارضة إلى الاقتتال الداخلي بين الفصائل، وبعد عدة شهور قُتِلَ زهران علوش في غارة جوية روسية، واندلع القتال بين اثنين من أقوى الفصائل في الغوطة الشرقية: جيش الإسلام، وهو فصيل إسلاميّ سلفيّ، وفيلق الرحمن والذي يعتمد في المقام الأول على غرف الموك للحصول على الدعم، وفي الوقت نفسه اجتاح جيش النظام السوري المدعوم من لواء الفاطميون "أفغاني"، منطقة المرج في الغوطة الشرقية (خزان المواد الغذائية الأساسي لحوالي 350،000 من المدنيين في الغوطة الشرقية)، مشرّداً أكثر من 1500 أسرة إلى مناطق أخرى في وسط الغوطة.
ووفقاً لمصادر محلية، تضمّ صفوف جيش الإسلام ما يقارب من 15،000 مقاتل، وذخيرة كافية بالإضافة إلى 65 دبابة، ونظام صواريخ أوسا، ومدافع مضادة للطائرات، لكن وفي الآونة الأخيرة ركّز جيش الإسلام بشكل أكبر على محاربة جماعات المعارضة الأخرى، و بدأ جولة جديدة من المفاوضات مع النظام حول توقيت وقف اطلاق النار في المناطق التي يسيطر عليها في درعا والمناطق المحيطة بها، كما قام جيش الاسلام باستضافة العديد من الشخصيات الهامة في المنطقة، فضلاً عن وفد المفاوضات الروسي في دوما في 5 أبريل من عام 2015، حيث أصدر مكتب الأمن القومي للحكومة السورية البيان (رقم 1167/8) لمتابعة مفاوضات المصالحة بين ممثّلين عن الدولة وبلدة دوما وذلك بحضور روسيّ، ولتجنّب الرأي العام في الغوطة الشرقية من التحول ضدّه، بدأ جيش الإسلام معارك قليلة وطفيفة في محيط بلدة دوما والمناطق الريفية المحيطة بها، وكذلك المناطق التي كان قد فقدها سابقاً.
وطوال العام الماضي، عمل فيلق الرحمن على ترسيخ جبهته بالقرب من دمشق، بتوجيه نفسه نحو الداخل، وإحكام السيطرة على أي منطقة تقع تحت سيطرته العسكرية، ووفقاً لقائد الفيلق، فقد شُكِّلَ هيكل أمني ضخم، يتألف من نحو 2800 جندي أمن و 10.000 مقاتل، وذلك بعد أن انضم إلى فيلق الرحمن مقاتلون من أجناد الشام.
إن أحداث العام الماضي في الغوطة الشرقية، والتي انتهت بتهجير سكان داريا، المدينة الأيقونة الشهيرة بصمودها في الثورة السورية، والحديث عن الوضع المماثل في معضّمية الشام، ذاع صداه بشكل كبير بين أوساط سكّان الغوطة الشرقيّة، والذين قاموا بصبّ الكثير من غضبهم على الفصائل المقاتلة والتي لم تقم بفعل أي شيء لمساعدتهم.
بعض المقاتلين الذين لا ينتمون إلى أيّ من هذه الفصائل تمكنوا من الوقوف صفّاً واحداً وتشكيل ألوية جديدة، لإحياء الثورة في الجنوب، والحصول على مزيد من الاستقلال عن غرف الـ"موك"، وكان هدفهم الأساسي يتجلّى باستعادة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتمكين النازحين من العودة إلى ديارهم، إن أولئك المقاتلين بلغ عددهم فقط حوالي 2500 مقاتل، وقد تواصلوا مع المجالس المحلية في الغوطة الشرقية لتكون بمثابة قاعدة آمنة بالنسبة إليهم، ولتوفّر لهم الغطاء السياسي والاجتماعي المطلوب.
في 30 آب/أغسطس من عام 2016، أصدر مجلس عربين في بيان له بأنه وافق على إعادة هيكلة الفصيل الثوري -سرايا الشام- وخلق فصيل جديد تحت رعاية المجلس المحلي في عربين، كما ذكر البيان بأنّ المجلس لن يقوَض أي أعباء مالية متعلّقة بالفصيل، كما أنه لن يسمح له بالتدخل في شؤون المدنيين، وأنه يطلب منه الدفاع عن الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان وفقاً للقانون وفي حدود المعقول، واعتمدت أربعة مجالس أخرى نفس الفكرة أيضاً وفي نفس الوقت تقريباً، ولكن دورها كان يقتصر على التنسيق الإداري، إذ انها لم تقم بإصدار تصريحات تعبّر عن قرارهم أو تعميمه في وسائل الإعلام.

وقد عمل بعض النّشطاء في المنطقة مع القادة العسكريّين والمدنيّين في محاولة منهم لحشد أكبر عدد من المقاتلين تحت كيانات أكبر تتبع لمظلّة مدنيّة -مثل مجلس المحافظة، حيث لاقى عرضهم ذلك استقبالاً حسناً من قبل العديد من القادة، الذين وافقوا على ضمان الدعم الغذائي والرواتب، كحدّ أدنى.
إن هذه التغييرات هي على الأرجح قليلة جداً ومتأخرة، في حين أنّ الفصائل المسلحة الأقدم ليست راضيّة عن هذه التطورات، إذ حاول فيلق الرحمن احتجاز مفيد عبد الهادي، أحد الرجال الثلاثة المسؤولين عن إعادة تشكيل الفصائل الجديدة، الأمر الذي لاقى غضباً شعبياً كبيراً، وفي ذات الوقت فإن النظام يضيّق بخناقه وخطته لحصار الجنوب، محاولاً التفاوض من أجل استسلام تدريجي للمعارضة.
-يوسف صَدَقِي: الباحث المساعد في مركز بحوث الشرق، كان يعمل سابقاً في منظمات التنمية الدولية والسورية في سوريا وجنوب تركيا.

مقالات ذات صلة

نظام الأسد يدين دعم الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا بالصواريخ البالستية

تحسن واقع إنتاج أسطوانات الغاز ليصل الإنتاج اليومي بدمشق لأكثر من 20 ألف أسطوانة يومياً

بيدرسون يؤكد على ضرورة التهدئة الإقليمية مخافة امتداد التصعيد إلى سوريا

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

مطالبات بإعادة إحياء صناعة الأحذية في سوريا

سفير إيطاليا لدى النظام "أبدأ بحماس مهمتي في دمشق"