بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
اعتبرت صحيفة محلية موالية، أن أكثر من ثلث الأجر في سورية «تبخر» منذ بداية 2023 فقط.
وتعتقد صحيفة "قاسيون" الموالية، أنه ورغم حقيقة أن الحد الأدنى للأجور في سوريا شهد «ارتفاعات» دورية، وخاصة بعد انفجار الأزمة (حسب وصفها) في عام 2011، إلا أن هذه الزيادة الشكلية للأجور لم تنعكس ارتفاعا للقيمة الحقيقية للأجور التي يتلقاها العمال السوريون مقابل قوة عملهم، بل على العكس من ذلك، فإن هذه القيمة الحقيقية آخذة بالانخفاض بشكلٍ مستمر.
وقالت صحيفة "قاسيون" في تقريرها؛ "إن هزالة منظومة الأجور السورية لا تحتاج إلى كثيرٍ من الإثبات والبراهين اليوم. حيث لم يعد جهاز الدولة في البلاد يمنح أجورا فعلية قادرة على تغطية الحاجات الضرورية للإنسان. لهذا، يقع العمال والموظفون السوريون في القطاع العام (البالغ عددهم 1,752,301، من أصل 3,102,679 عامل في سورية، وفق بيانات المكتب المركزي للإحصاء المنشورة في عام 2023) فريسة الهوّة الآخذة بالاتساع يوميا بين الحد الأدنى الهزيل للأجور (92,970 ليرة سورية) وضرورات البقاء على قيد الحياة بالحد الأدنى.
وأضافت الصحيفة أنه وبالنظر للأجر بالليرة السورية، نجد أن الحد الأدنى الرسمي للأجور قد ارتفع - نظريا- من 13,670 ليرة سورية في عام 2015 إلى 16,750 ليرة في عام 2019، ليعود ويرتفع مرة جديدة إلى 92,970 ليرة يتقاضاها العامل حتى الآن في منتصف 2023، وهو ما يعني نظريا أن الحد الأدنى للأجور في البلاد «تضاعف» بحوالي 6 مرات منذ عام 2019.
وتابعت الصحيفة؛ هذا الارتفاع الشكلي ينهار بمجرد القيام بتقويم الأجر بالدولار في السوق السوداء (بوصفه المعيار الفعلي الذي تتحدد تبعا له أسعار جميع السلع في السوق تقريبا). وبناءً على هذا المعيار، نجد أن الحد الأدنى للأجور انخفض بشكل فعلي من 94.2 دولار في عام 2015، إلى 38 دولار في عام 2019، وفي بداية العام الجاري هبط إلى حدود 15.8 دولار. وخلال ستة أشهر فقط، أي حتى منتصف 2023، انخفض مجدداً ليتأرجح عند حدود 9.8 دولار.
واعتبرت أن هذا يعني انخفاضا حقيقيا في قيمة الأجر بالدولار قد تم، وذلك بنسبة تزيد على 37.9% خلال ستة شهور فقط. وهي نسبة تقارب ما خسره الأجر السوري المقوم بالدولار بين عامي 2021 وبداية 2023 (أي ما استغرق سابقا عامين لنخسره، خسرناه الآن في 6 شهور فقط، وهو ما يؤشر إلى تسارع التراجع في قيمة الأجر).
ومن جهة أخرى قدمت الصحيفة، مقاربة أخرى، للتراجع في القيمة الحقيقية لأجور العمال في سورية هو "معيار الذهب"، كونه واحد من السلع الأكثر استقرارا والأقل تقلبا من حيث القيمة.
وقالت الصحيفة؛ "في العام 2015، كانت 13,670 ليرة سورية (اﻷجر الشهري) تستطيع شراء ما يقارب 2.6 غرام ذهب من عيار 21، لكن بعد أربعة أعوام فقط، أصبح الحد الأدنى للأجور البالغ 16,750 ليرة غير قادر على شراء سوى 1.01 غرام ذهب، ليواصل هذا الحد انهياره إلى أن أصبح بالكاد قادرا على شراء 0.2 غرام ذهب في عام 2023. لكن هذا الانهيار تسارع خلال الشهور الـ6 الأولى من هذا العام، بحيث انخفض عدد غرامات الذهب التي يستطيع الأجر شراؤها ليصل إلى 0.18 غرام. ما يعني وفقا للتقرير، أن قيمة الأجر الفعلية وفقا لهذا المعيار قد انخفضت بما يزيد على 33.3% خلال ستة أشهر فقط.
وعادت الصحيفة للتذكير بمعيار آخر، يشير إلى مقدار التراجع الذي طال قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد وهو "قياس هذا الحد بنسبة ما يغطيه من تكاليف المعيشة الضرورية للأسرة" التي تشمل تكاليف الغذاء بالإضافة إلى تكاليف الحاجات الضرورية الأخرى من نقل واتصالات وتعليم وغيرها.
وكانت الصحيفة قدمت دراسة في اﻷيام القليلة الماضية، خلصت فيه إلى أن وسطي تكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من 5 أفراد (علما أن معدّل الإعالة في سورية يصل إلى ما يقارب واحد إلى سبعة، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة). ارتفع من 68,160 ليرة سورية في 2015 إلى قرابة 332,000 ليرة في 2019، لتتصاعد على نحو كارثي إلى حوالي 4,012,178 ليرة سورية وفقا لحسابات بداية عام 2023، ثم إلى 6,560,178 ليرة سورية في منتصف العام الحالي.
وتابعت الصحيفة أما من حيث ما يغطيه الحد الأدنى للأجور من هذه التكاليف، ففي عام 2015، كان الحد الأدنى للأجور في البلاد قادرا على أن يغطي حوالي 20% من وسطي تكاليف المعيشة. لتهبط هذه النسبة إلى 5% في 2019، ثم إلى حدود 2.3% في بداية 2022، وصولا إلى 1.4% في منتصف العام، أي أن نسبة التغطية انخفضت بحدود 39.13% خلال ستة شهور فقط.
بالمحصلة؛ يدور الكثير من الجدل مؤخرا حول ملف الرواتب واﻷجور، والذي يراه مراقبون ملفا يزيد عمره عن 4 عقود، أكدت عجز النظام عن تأمين معيشة كريمة للمواطن السوري، وسط اتهاماتٍ بالفساد وتقصد إذلال الناس.
وأضافت الصحيفة في دراستها؛ "بما أن معيار الدولار أثبت أن التراجع في القيمة الحقيقية للحد الأدنى لأجور العمال السوريين خلال ستة أشهر (من كانون الثاني حتى بداية تموز) قد فاق 37.9%، ومعيار الذهب أثبت أن نسبة التراجع لا تقل عن 33.33%، ومعيار تكاليف المعيشة كشف عن تراجع يصل إلى 39.13%، يمكننا القول إن الحد الأدنى للأجور تراجع من حيث قيمته الفعلية بنسبة 36.78% وسطياً خلال ستة شهور فقط".
وخلصت الصحيفة في دراستها للقول؛ "هذا يعيدنا مجددا إلى أنه مهما بلغت ارتفاعات الحد الأدنى للأجور فإنها لن تعني شيئا إن لم تكن متسقة مع رفع القدرة الشرائية والقيمة الحقيقية لهذا الأجر، إذ يمكن أن يرتفع هذا الحد ويتضاعف مرات عدة شكليا لكنه يتراجع فعليا تاركا الملايين من السوريين نهبا للفقر والجوع وانعدام الأمن الغذائي".