ريل كلير وورلد
في يوم 21 من شهر آب لعام 2013، ارتكب النظام السوري بقيادة الأسد جريمة قتل راح ضحيتها أكثر من 1400 من السوريين الأبرياء في ضاحية دمشق -الغوطة، بما في ذلك عدة مئات من الأطفال في هجوم بغاز الأعصاب، ما الذي كان ليحدث لو أن الولايات المتحدة قامت حينها بالتعامل بحزم مع حكومة الأسد عقب هجوم الأسلحة الكيميائية ذاك؟ من المؤكد أن ذلك كان يمكن أن يكون لحظة حاسمة لكل مشارك رئيسي في سوريا -الأسد، روسيا، تركيا، والولايات المتحدة، إن هذا الهجوم المميت وتداعياته أثّر عميقاً في العلاقات ما بين الولايات المتحدة وتركيا ومصير المدينة السورية المحاصرة -حلب.
وبالعودة خلفاً لعام واحد، حتى شهر أغسطس/آب من عام 2012، واستدعاء تصريح الرئيس باراك أوباما الذي قال فيه: "لقد كنّا واضحين جداً مع نظام الأسد، ومع اللّاعبين الآخرين على الأرض، إن الخطّ الأحمر بالنسبة لنا هو أن نبدأ برؤية مجموعة من الأسلحة الكيميائية يتمّ نقلها أو يجري استخدامها، فمن شأن ذلك أن يغيّر من حساباتي، كما أن من شأن ذلك أن يغيّر من معادلتي".
لقد كانت الطائرات الحربية للنظام السوري وعلى الرغم من ذلك تحلق لمرة أخرى في السماء، عقب ثلاثة أسابيع من هجوم غاز الأعصاب الكيميائي، والذي كان يواجه معارضة في الكونجرس بشأن القيام بغارة جوية ضد نظام الأسد، مع بعض التردد بين حلفاء الولايات المتّحدة، إن الولايات المتحدة رحبت باقتراح روسي للتفاوض على تدمير الترسانة الكيميائية السورية، بينما نجا النظام السوري ، وكانت روسيا حينها قد استولت على الزخم الدبلوماسي بشأن القضية السورية.
من الصعب مخالفة قرار الرئيس أوباما، والذي كان قد ورث حربين مضنيتين في كل من أفغانستان والعراق واللذين كان يحاول الانتهاء منهما، كما كانت هنالك الحملة العسكرية الثالثة في ليبيا والتي انتهت في أكتوبر من عام 2011 مع اعتقال وقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، إلا أنها كان يشوبها على ما يبدو عدم الاستقرار اللاحق لما بعد الحرب، حيث قتل في عام 2012 في بنغازي السفير كريس ستيفنز، منذ عام 2006 تقوم واشنطن وشركائها بالتفاوض على التوصل لاتفاق بشأن الأسلحة النووية مع إيران، حيث كان الرئيس يرغب بشدة لتلك العملية أن تستمرّ بسلام.
حتى على الرغم من أن إسرائيل وبعضاً من أعضاء الكونغرس بدوا بأنهم يفضلون شنّ حرب جديدة مع إيران، حيث أن ذلك من شأنه أن يكون خوضاً في ثلاثة حروب، والذي كان أمراً كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في غضون عقد واحد.
حيث أن الحربين السابقتان وحدهما كلّفتا الأمريكيين أكثر من 6 تريليونات $، ما يقرب من ثلث الناتج القومي الإجمالي السنوي للبلاد، حيث كانت الولايات المتّحدة في خضم أسوأ أزمة اقتصادية تعصف في البلاد منذ 80 عاماً، بينما كانت تواجه فترة طويلة من التحسّن البطيء، وأخيراً، ولربما الأهم فقد كان معظم الأميركيين ليسوا في مزاج لدخول أي حرب أخرى، إذ ومن خلال القيام بحساب صارم للإيجابيات والسلبيات، فإن الجواب بدا واضحاً، يجب علينا الابتعاد عن ذلك.
ومع ذلك، فقد كان يمكن لأوباما أن يكون قد حطّ من قدرة سلاح جو النظام السوري من خلال استهداف محدّد بدقّة، بما في ذلك من خلال ضرب مدرّجاته، وذلك دون خسارة كبيرة في الأرواح أو أضرار جانبية، لربّما كان الرئيس الأمريكي قد أظهر بأنه قد فهم جيداً الدور الفريد والمعنوي للولايات المتحدة في الشؤون الدولية، ولما استطاع الأسد حينها الاستمرار بحملته الجوية المكثّفة، وكذلك بالنسبة لروسيا والتي عند اتخاذها لأي قرار بشأن خياراتها، فهي قد تواجه تحرّكاً أمريكيّاً استباقياً، حيث يمكن لصنّاع السياسة الأمريكيّة حينها القيام بتوجيه دعوة لروسيا للانضمام إلى واشنطن في سعيها لإنهاء الحرب، وبالتالي الحفاظ على مركز القوة الكافي لتحويل الضربة السورية إلى جهد دولي للتوصل إلى تسوية حقيقية.
وما أعقب الأحداث في الواقع كان تاريخاً موثّقاً جيداً، برؤية التوقف المؤقت الاستراتيجي لواشنطن، حيث انتقلت روسيا خلال سبعة أشهر من أغسطس/آب لعام 2013 إلى مارس/آذار من عام 2014 لاحتلال شبه جزيرة القرم وثم شرق أوكرانيا، ومن ثمّ دخلت روسيا الحرب السورية عسكرياً في سبتمبر 2015 لتعكس مسار الصراع، وذلك عقب شهرين من إسقاط الطائرة الروسية المقاتلة من قبل الدفاعات التركية، حيث عجّلت الحرب الكلامية ما بين موسكو وأنقرة من الخسارة الاقتصادية الكبيرة لتركيا، و بدأت روسيا الآن عملية إعادة علاقتها مع تركيا، مع استراتيجية ممكنة من منحها معروفاً اقتصادياً في مقابل الحصول على وجهات نظر أكثر اتساقاً بشأن سوريا، وبشأن دور الناتو في النطاق الشرقي للتحالف.
لقد أصيبت تركيا بخيبة أمل عميقة وبالإحباط الشديد بسبب القرار الأميركي لما حدث في أغسطس من عام 2013، كما كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد دعا حتّى للتدخل الكامل - على غرار عملية كوسوفو - لتخليص سوريا من الأسد، وبالنسبة لتركيا ما حدث في أغسطس 2013، كان بداية النهاية للأهداف المعلنة في سوريا:
-بحلول نهاية عام 2013، كان تدفّق اللّاجئين من سوريا إلى تركيا يقترب من مليون شخص، حيث قام بعضهم بالفعل بالهرب إلى أوروبا، واليوم هنالك أكثر من 2.7 مليون لاجئ سوري في تركيا، أي ما يعادل بنسبته أكثر من 10 ملايين لاجئ في الولايات المتحدة.
-لم تأتِ مساعي أنقرة الحثيثة لفرض منطقة حظر جوي تفرضها الولايات المتحدة بأي شيء.
-في عام 2014، برزت شائعات عن تحركات واسعة لمقاتلي تنظيم الدولة المسافرين إلى سوريا، والتي بدأت بالاستيلاء على المدن السورية في أواخر عام 2013، حيث استولت على الرقة في يناير 2014.
-اثنان من الجهود المضنية من قبل الولايات المتحدة لتدريب مقاتلي المعارضة المعتدلين انهارت في حرج كامل.
-تحوّلت واشنطن نحو الأكراد في عام 2014، والذين أصبحوا بسرعة أفضل حليف لأمريكا في البلاد، مما أثار غضب تركيا.
-استنتاج الولايات المتحدة، بأن الأتراك كانوا راسخين في أهدافهم البعيدة المنال، فقامت بتعميق محادثاتها مع موسكو، مما يعني إمكانية بقاء الأسد في أي نظام ما بعد الحرب.
كما أن مشهد تأنّي الولايات المتحدة في إدانة محاولة انقلاب 15 يوليو في تركيا، إلى جانب الأخطاء الأمريكية البلاغية التي أكّدت لأنقرة بأن واشنطن كانت أكثر قلقاً حول الجنرالات الأتراك من الديمقراطية التركية، ساعد في تأكيد الشكوك التركية حول اهتمام الولايات المتحدة العام بمعضلات أنقرة، ولذلك للضغط في وقت واحد على أمريكا بطلب تسليم تركيا لرجل الدين المقيم في الولايات المتحدة الأمريكيّة، فتح الله غولن، وكذلك لتعويض الخسائر الاقتصادية الحادة، تمسّك السيد أردوغان بفرصة ظهوره في سان بطرسبرغ الروسية في التاسع من أغسطس.
ولا حاجة للقول، بأن موسكو ستكون مهتمة في ما ستقدمه تركيا في مقابل حصولها على الامتيازات من قبلها، حيث أن التحرّك في سوريا سيتماشى مع أهداف الحرب الروسية، وسيحتل مكاناً بارزاً في المناقشات التي ستحظى بها تركيا وروسيا، كما بدأت إيران الآن بضغط "صداقتها" الدبلوماسية الخاصة مع تركيا.
فهل كان يمكن أن تكون العواقب مختلفة لو أن الولايات المتحدة قد قامت باتخاذ خطوات عسكرية في أغسطس عام 2013؟ هل من الممكن للقرار المتّخذ منذ ثلاث سنوات مضت أن يؤدي لتضخيم الإضرار المصالح الأمريكية اليوم؟ هل كان من الممكن حينها للولايات المتحدة وتركيا أن تجدا أرضية مشتركة أكثر توافقاً؟ إن القيادة هي ليست فقط حول تقرير ما هو الأفضل بالنسبة لك على وجه التحديد، ولكنّها أيضاً حول تصوّر النتيجة واستخدام جميع الوسائل المتاحة للدفع في هذا الاتجاه مع كلّ من الأصدقاء والخصوم، إن الأحداث على مدى السنوات الثلاث الماضية، لربما تقدّم لنا حكاية تحذيرية بشأن عواقب إتّباعنا لعبارة "لن تكون هنالك من عواقب عندما لا يتم فعل أي شيء"، وبأن تلك العبارة لا تنطبق مطلقاً على الشؤون الدولية.
-جورج روبرت بيرسون: سفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والباحث حاليا في معهد دراسات الشرق الأوسط.