War on the rocks – (ترجمة بلدي نيوز)
إن معظم نقّاد مقترح البيت الابيض للاتفاق التعاوني ما بين الولايات المتحدة وروسيا ضد الإرهابيين في سوريا، والذي سرّب مؤخراً، ركزوا على ما يمكن أن يحصل بالخطأ، فقد تخالف روسيا ببساطة شروط أي اتفاق يتم التوصل إليه وبالتالي تقوض المهمة، وتحرج الولايات المتحدة مما سيضر بشركائها المحليين، أما بالنسبة إلي فإني أكثر اضطراباً الآن من ما يمكن أن يحدث إذا ما مضى الاتفاق كما هو مخطط له، حيث ومن المرجح أن يقوم فريق التنفيذ المشترك بإضعاف أو القضاء حتى على أحد العناصر القوية من المقاومة ضد النظام، وذلك دون التعويض عن القدرة الكبيرة المفقودة، مما سيؤدي بذلك لإمالة الميزان العسكري لصالح النظام، في حين ما لم تتمكن الولايات المتحدة من منع ذلك، فإن ذلك الاتفاق من شأنه أن يجعل من أي تسوية تفاوضية دائمة في سوريا أكثر صعوبة مما هو عليه الآن بالفعل، الأمر الذي سيمهد الطريق لحرب أهلية مفتوحة ولمزيد من التطرف.
إن شروط الاتفاق المقترح لا يؤيّد بأغلبية ساحقة روسيا، على الأقل ليس على الورق، إذ أنه يضع قيوداً على عملياتها العسكرية في سوريا وذلك مقابل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العملي المباشر المحتمل ضد جبهة النصرة، في حين سيتوجب على روسيا الامتناع أيضاً عن استهداف تلك المناطق التي يفترض بأن المعارضة المعتدلة تسيطر عليها، بالإضافة إلى أن على روسيا إجبار النظام على وقف غاراته الجوية في معظم أنحاء سوريا، ولكن الحقيقة هي أن روسيا قد تجد شروط هذا الاتفاق مرهقة للغاية، بينما يمكنها الاستمرار بعد كل هذا بحربها الجامحة على جبهة النصرة وقوات المعارضة بشكل أوسع وذلك حتى دون تعاون الولايات المتحدة.
إن قامت روسيا بالفعل بقبول الاقتراح الأمريكي، فإنها تستطيع في وقت لاحق عرقلته من خلال الخداع، إذ أنها تستطيع ببساطة أن تنتهك بنود الاتفاق، خاصة تلك المتعلقة بتحديد الأهداف وقواعد الاشتباك، حيث أن الوثيقة بحد ذاتها لا تذكر فرض أي عقوبات على تلك الانتهاكات، ولا يبدو بأن هنالك شيء ما سيلزم روسيا بتلك البنود، وقد تفشل روسيا أيضاً (أو تفشل في محاولة) منع طائرات النظام من التحليق وقصف المناطق "الآمنة"، تماما كما فشلت في وقف انتهاكات النظام السوري في وقت سابق لـ"وقف الأعمال العدائية"، والتي انهارت بعد أسابيع قليلة، وبالطبع هنالك القليل جداً من النوايا الطيبة ما بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا على أي حال، وهذا يعني بإن تبادل المعلومات الاستخباراتية هو مشكلة بحد ذاتها.
مع ذلك ومن الناحية النظرية فإن الاتفاق يمكن أن يكشف بالضبط عما هو مخطط له: روسيا والولايات المتحدة سيقومان بشكل مشترك بإضعاف النصرة باعتبارها تهديداً استراتيجياً خطيراً للنظام السوري والذي من شأنه أن يحد من هجماته العسكرية على أهداف ومناطق أخرى، حيث ستتوقف طائرات نظام الأسد عن قصفها لمعظم أنحاء سوريا، ومن شأن ذلك أن ينقذ الأبرياء من القصف الجوي المستمر للنظام، إن الهدف نبيل في حد ذاته، ولكن ومن الناحية الاستراتيجية لا ينبغي الحكم على الاتفاق إلا وفقاً لمدى خدمته لأهداف السياسة الأمريكية الرئيسية في سوريا والتي تكمن في: محاربة التطرف والتمكن من التوصل إلى تسوية سياسية للحرب في البلاد عن طريق التفاوض، ولكن وفي حين أن إضعاف جبهة النصرة سيجلب بعض الارتياح المؤقت، ولكنه سيدمر التوازن العسكري الحالي، منهياً على أي فرصة للتوصل إلى تسوية سياسية، كما أن ذلك من الممكن أن ينعكس ليفرض على المزيد من السوريين الذين يقاتلون النظام ليتوجهوا للتطرف، والذين سيفكون ارتباطهم من جبهة النصرة، ولكن وبعد ذلك سيجدون أنفسهم في استعداد أقل لمقاومة عنف النظام، ومن ثم صعوبة التفاوض على سلام دائم في البلاد.
وكما ينطبق على أي سياسة للولايات المتحدة في سوريا، لا يمكن للاتفاق أن ينجح سوى بالقدر الذي سيمثله السياق الرئيسي للحرب في البلاد: إن كلاً من جبهة النصرة ومعاناة المدنيين واللذان يسعى الاتفاق لتخفيفهما، هما من منتجات هذه الحرب العصيبة، منذ تدخلت روسيا ضد المعارضة في أكتوبر من عام 2015، فإن التوازن العسكري يميل بكفّته بشكل متزايد نحو النظام، والذي حقق ويستمر في تحقيق تقدم مهم ضد الثوار، إن محافظة إدلب الاستراتيجية (حيث جبهة النصرة، هي الأقوى) هي معقل القوات المعارضة المتبقية الأكثر أهمية، ونقطة انطلاق العمليات الكبرى للمعارضة، هناك حيث تقاتل النصرة إلى جانب كتائب إسلامية ووطنية أخرى، ولكن وعلى الأرجح فإن النصرة هي القوة القتالية الأكثر قدرة في هذا التحالف.
ان الاتفاق الذي يعتمد على كسر جبهة النصرة كقوة قتال تقليدية، سيبقي على أثرين هامين، أولاً: وبالتزامن مع نتائج الاتفاق المقترحة، دون وجود النصرة، فإن المعارضة ستفقد السيطرة على مدينة إدلب وذلك سيؤدي لفقدانها لموقعها الاستراتيجي في الشمال السوري، وبالتالي فإن قوات المعارضة لن تشكل تهديداً استراتيجيا للنظام، في حين أن القضاء على هذا الأمر سيجعل من التفاوض على تسوية سياسية مع المعارضة أمراً دون مغزى بالنسبة للنظام، في الواقع فإن النظام سيكون حينها في وضع جيد لسحق جماعات المعارضة المتبقية أيضاً، بما في ذلك المقاتلين المدعومين من قبل الولايات المتحدة نفسها، حيث أن الاتفاق المقترح من شأنه إن نجح أن يمنع حصول أي تسوية سياسية عن طريق التفاوض من خلال قضائه على الكثير من قدرة النصرة على ردع النظام، دون استبدالها أو التعويض عن تلك القوة المفقودة لدى المعارضة، وبالتالي فإن هذا من شأنه إما إطالة أمد الحرب أو تسهيل تقدم النظام، مما سيسفر عن مقتل وتطرف المزيد من السوريين.
ثانياً: إن السوريين المناهضين للنظام سيرون في الاتفاق المقترح حرباً روسية-أمريكية مشتركة على المعارضة، حيث وعلى عكس "تنظيم الدولة"، قامت جبهة النصرة بالتأسيس على قبول كبير من السوريين المحليين، بما في ذلك جماعات المعارضة الرئيسية، وباعتبار النصرة قد فصلت نفسها عن تنظيم القاعدة لتقوم بالمزيد من الترابط مع مجموعات المعارضة السورية الأخرى، فسيكون من الصعب على نحو متزايد استهداف جبهة النصرة دون إلحاق الأذى بالمدنيين وغيرهم من مقاتلي المعارضة، وحتى لو قامت الولايات المتحدة وروسيا بذلك بنجاح نسبي، فإن السوريين المعارضين للأسد يعلمون بأن النتائج النهائية لاتفاق ستتجلى بإضعاف المعارضة، بينما النظام سيبقى دون مساس، وإعطاء الدور الروسي شرعية أكثر في سوريا كما هو متوقع، وهذا سيزيد من التطرف على حد سواء من قوات المعارضة والمدنيين في تلك المناطق المستهدفة، خاصة أن الاتفاق يسمح لمدفعية وصواريخ النظام بضرب أراضي المعارضة حيث ستقوم الولايات المتحدة وروسيا أيضاً باستهدافهم.
إن أولئك الذين يريدون محاربة المتطرفين وإنهاء الحرب السورية يجب عليهم التحقق من أن أي خطة لمكافحة النصرة لا ينبغي لها أن تعزز من قوة النظام، والذي لا تزال قواته المحرك الرئيسي لظهور التطرف والعقبة الحقيقية أمام التوصل إلى تسوية تفاوضية، إن الجهد العسكري المبذول ضد تنظيم النصرة، سيحسّن إلى حد كبير من موقف الأسد العسكري، وبالتالي فكرة الاقتراح الحالي من المرجح لها جداً أن تقوم بالمزيد من التخريب الأوسع نطاقاً للولايات المتحدة.
ينبغي على تلك الجهود الرامية لمكافحة جبهة النصرة و الإرهاب وتحقيق المصالح الاستراتيجية في سوريا، أن تقترن بضغط عسكري مباشر وبالوكالة على النظام، لمنع استفادته من ضعف المعارضة في مرحلة ما بعد النصرة، ويمكن أن تشمل تلك الخطوات على زيادة الدعم العسكري النوعي للقوات المعارضة، والتزام الولايات المتحدة بمعاقبة أي نظام يقوم باستهداف المدنيين، وهنالك المزيد من الوسائل الأخرى، ولكن الهدف هو جعل الخيار العسكري غير مستساغ بالنسبة للنظام، لا ينبغي أن يكون استهداف النصرة يقع على حساب إدانة سوريا وإدخالها في حرب لا نهاية لها ولمزيد من الإرهاب، إذا لم يترافق الاتفاق مع إجراءات أمريكية قوية لحماية قوات المعارضة، فربما سيقود ذلك الاتفاق إلى تدمير المعارضة السورية، مستبعداً أي تسوية عن طريق التفاوض، ومستبدلاً مجموعة من المتطرفين بأخرى.
-فيصل عيتاني الزميل في مركز رفيق الحريري لدراسات المجلس الأطلسي في منطقة الشرق الأوسط، يركز في المقام الأول على الصراع السوري وتأثيره الإقليمي، كما قام مراراً باطلاع حكومة الولايات المتحدة وحلفائها بشأن الصراع الدائر في سوريا وآثاره على مصالحهم.