The National - (ترجمة بلدي نيوز)
أتذكر عندما سمعت بأن بغداد سقطت بأيدي قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في عام 2003، أني كنت حينها في طريق عودتي إلى جامعتي في دمشق من زيارة إلى مسقط رأسي في البوكمال شرق سوريا، لقد سمعت بذلك الخبر العصيب في أثناء توقفنا في تدمر لقضاء استراحة لمدة نصف ساعة، وبالنسبة لبقية الرحلة، فقد سيطر عليها الكآبة والحزن والعذاب ما بين المسافرين.
بالنسبة للكثيرين، تحولت هذه المشاعر من الغضب الشديد والإحباط في وقت لاحق إلى أفعال، في المرة اللاحقة التي عدت بها الى المنزل للقيام بزيارة أخرى، قال لي سائق سيارة أجرة بأن المتطوعين كانوا يتدفقون من سوريا الى العراق بأعداد كبيرة، في حين أن السلطات السورية لم تقم بإيقافهم متيحةً لهم الطريق، كما أضاف عندما لاحظ عدم تصديقي للأمر، بأنه سيقوم بأخذي إلى الجانب الآخر من الحدود في أي لحظة شئت.
حينها لم تعن لي تلك الرواية أي معنى حقيقي، فبعد كل شيء، لقد كان النظام السوري علمانياً، ولن يتسامح مع أي شكل من أشكال نشاط كهذا، وبكل تأكيد ذلك النشاط المعبّر عنه بقيمة "جهادية"، لقد سألت أقاربي في المنزل حول ما أخبرني به السائق، حيث أكدوا لي بأن شخصين من مدينتي كانوا قد سافروا فعلاً للانضمام والقتال بصفوف المقاومة العراقية، إذ عرفت حينها البوكمال باسم بوابة الجهاديين المتدفقين من كل أنحاء المنطقة الى العراق عبر سوريا.
رشاد القطان، محلل المخاطر الأمنية والزميل مع مركز الدراسات السورية في جامعة سانت اندروز، كان شاهداً على هذا النشاط من حيّه الذي يسكن فيه، حيث قال بأن المتطوعين كانوا يتوجهون إلى البوكمال مسافرين من دمشق، كما أشار السيد قطان "لقد كان منزل عائلتي يقع بالقرب من السفارة الامريكية في دمشق، وعقب بضعة أشهر من الغزو، بدأت أرى المزيد من الحافلات الخضراء الكبيرة المستخدمة للنقل العام، لقد كانت متوقفة خارج السفارة العراقية، والتي تقع مقابل السفارة الامريكية، لقد استمر ذلك الأمر لبعض الوقت، قبل أن يتغير موقع الحافلات إلى محطة "السومرية"، الواقعة على مشارف العاصمة، على ما يبدو بعدما شكا الأميركيون من أن ذلك كان يحدث تحت مرأى من أنظارهم، بشكل حرفي".
في أيلول من عام 2009، ذكر رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بأن "معظم الإرهابيين جاءوا من سوريا"، حينها أجاب بشار الأسد على تلك الاتهامات بأنها "غير أخلاقية"، وبعد أقل من عامين من التصعيد بين دمشق وبغداد، أصدر الأسد عفواً رئاسياً عن الجهاديين المسجونين في سجونه، وذلك عقب أشهر قليلة من اندلاع الانتفاضة السورية، ما الذي حدث بين عامي 2009 و 2011؟ فهل توقف نظام الأسد عن رؤية الجهاديين كأداة مفيدة؟
وتستحضرني هنا القصة اللاحقة للنقاش الذي أعقب صدور تقرير التحقيق في حرب العراق في المملكة المتحدة، تلك المناقشات التي أغفلت إلى حد كبير اللعبة الدنيئة التي قام بلعبها نظام الأسد، ويبدو بأن العالم قد تعلم الدروس الخاطئة من حرب العراق، تلك الدروس التي برزت العديد منها على مدى السنوات اللاحقة، عقب صدور التقرير يُرى الجميع بكونهم مذنبون من تكرار نفس الأخطاء التي أدت إلى معاناة لا يمكن تصورها في العراق اليوم.
على سبيل المثال، فإن أولئك الذين صوتوا لصالح الحرب على العراق في البرلمان البريطاني يمكن القول بأنهم ليسوا بأسوأ من أولئك الذين أدلوا بأصواتهم في نفس المكان ضد قرار القيام بغارات جوية عقابية ضد نظام الأسد، بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين لعدة مرات.
فمن الناحية المثالية، فإن الغرب ليس لديه شأن في التدخل المباشر في الشرق الأوسط، ولكن الحقيقة الواقعية هي أن القوات الغربية راسخة في المنطقة، وبالتالي لديها القدرة على لعب دور قيادي كبير، وهذا ما يسمى بالنفوذ، إن أولئك الذين لا يرغبون باستخدام نفوذهم، باسم مكافحة الإمبريالية، متواطئون بشكل كامل، إنهم يقومون بإعادة أخطائهم التاريخية ذاتها.
لقد أراد نظام الأسد للعراق بأن تتحول إلى جحيم، وساعد في تحقيق ذلك، بينما حصل على المكافئة التي أرادها لاحقاً، بأن أياً من القوى الخارجية ستقوم بالتفكير ملياً قبل أن تتدخل في سوريا، وبأنها فازت في الحرب على العراق، بمساعدة أولئك الجهاديين الذين ساعدهم النظام بنفسه.
وعندما قام النظام ذاته بإطلاق سراح المتطرفين من سجونه في عام 2011، أراد تنفيذ الخدعة ذاتها، في تحويل الثورة السلمية الشعبية إلى حرب أهلية، وإرهاب، لقد تجنبت قوات النظام الجهاديين في حين استهدفت البقية، وقام النظام بإبرام صفقات مع الجهاديين، متجاهلاً البقية، بل تمت المتاجرة مع الجهاديين في نفس الوقت الذي يقوم به بضرب البقية بشتى وأعتى أنواع البطش.
لقد نجحت هذه السياسة، فالولايات المتحدة اليوم تسعى للحصول على صيغة للتعاون ضد هؤلاء المتطرفين مع الروس في سوريا، إذاً لقد اكتملت الحلقة كاملاً، الولايات المتحدة والتي فشلت في القيادة بشكل فعال في العراق، بشكل جزئي بسبب الأسد وحلفائه، لمرة أخرى تسعى للتعاون غير المباشر مع نظام الأسد.
وبالنسبة للعراقيين والسوريين، فإن الكثير من النقاش حول تقرير التحقيق في حرب العراق يهمل النقطة الأساسية، فلقد علت المزيد من الأصوات الصارخة بعد صدور تقرير التحقيق، خائضة في معركة مختلفة عن تلك التي يعيشها العراقيون، وبعيدة عن النقطة الأساسية الذين يرونها، سواء أكان اليساريون أو مناهضو الإمبريالية، فإنهم يقاتلون الآن في حرب العراق عبر سوريا، إنهم لا يريدون النظر للاختلاف الكبير ما بين غزو دولة كالعراق ، واستخدام القوة لوضع حد لاستمرار المجزرة الدموية في سورية، لقد أراد منهم الأسد التفكير ملياً قبل التدخل، ولكنهم لا يريدون حتى التفكير في ذلك، إذ أنهم يعارضون بشكل أعمى استخدام أي نوع من النفوذ لإيقاف حمام الدم السوري .