Independent- (ترجمة بلدي نيوز)
غريبة، عجيبة، لم يسبق لها مثيل، نادراً ما تستطيع تسمية الأمم المتحدة بتلك الأسماء الثلاثة، لكنني شعرت حقاً بكذبة نسيان عندما قرأت عن أحدث تحذيرات منظمة الصحة العالمية للسوريين: يجب التوقف عن التدخين، ليس السجائر فقط ولكن حتى النرجيلة، والشيشة، والتي يدخنها أجيال من العرب!
ولكن الآن، وفي شهر يونيو، وليس في الأول من نيسان، يتم نصح الشعب السوري اليائس والمسكين، من قبل وكالة الصحة العالمية بأنهم حقا يجب أن يهتموا بشكل أفضل برئتيهم !! أليس لدى الأمم المتحدة أي حس بالعار؟ أنا لا ألقي باللوم على اليزابيث هوف، ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا، لهذا التقرير المنافي للعقل، فلقد كان هنالك وقت سابقاً، وسيكون مرة أخرى في المستقبل المسالم لصدور مثل هذه التحذيرات الجادة، ولكن وفي هذا الوقت تعرب الأمم المتحدة عن رغبتها بإنقاذ الشعب السوري من سرطان الرئة، أولئك الذين تسقط عليهم البراميل المتفجرة، والصواريخ الروسية والسيارات المفخخة.
خلال الحرب العالمية الثانية، أنشئت الأمم المتحدة، خلفاً لعصبة الأمم والتي تم بناؤها ما بعد الحرب العالمية الأولى لإنهاء كل هذه الصراعات العالمية، واستمرت في الوجود، عاجزة ومتجاهلة في جنيف، ولكنها على الأقل لم تقم يوماً بإعطاء النصائح لشعب غارق في الحرب، للقيادة بشكل أكثر انتباهاً، أو للتأكد من أن أطفالهم لا يقومون بأكل الكثير من الحلوى التي قد تزيد من أوزانهم أو للتوقف عن التدخين.
لأنه وإذا كنت حقاً تخشى من مخاطر إصابة الآخرين بسرطان الرئة، بذلك الكم من الاهتمام الإنساني الكبير، ألا يجب بالتأكيد أن يدخل شعور الإنسانية حيز التنفيذ عندما تتم نزع أحشاء الرجال والنساء والأطفال؟
لكن لا، فقد هرول حمار الأمم المتحدة العاجز بتقاريره تلك الغير ملاءمة بتاتاً بوقتها، والميؤوس منها، محذراً بأن التبغ والنرجيلة تقوم بتهديد حياة المدخنين السوريين والمحيطين بهم، "على الرغم من الحرب الدامية التي تعصف البلاد لأكثر من خمس سنوات".
أستطيع أن أرى المشكلة الحقيقية في الحرب، فأثناء فرارهم من الضربات الجوية والمقابر الجماعية، والتطهير العرقي، فإن على السوريين مقاومة إغراء التبغ الذي قد يساعدهم في تهدئة أعصابهم، قد يكون منزلك الآن مشتعلاً بلهب النيران، وعائلتك مستعبدة، بينما يقوم جلادوك بالتجهز لقلع أظافرك، ولكن وقبل كل شيء يتوجب عليك تجاهل حزمة لفائف التبغ الموجودة في جيبك وذلك للحفاظ على صحتك!!
إن أكثر الداعمين لتقرير منظمة الصحة العالمية هذا، سيكون بالتأكيد فتيان تنظيم "داعش"، والذين يشنّون الحملة الأكثر عنفاً في مكافحة التدخين في تاريخ العالم، إذ ان القبض على أي مدني بلفافة تبغ في فمه، أو حتى بعلبة تبغ في جيبه، في الأراضي التي تقع تحت سيطرتهم، عليه أن يقوم مباشرة بدفع غرامة لا تقل عن $ 20 (14 £)، وعلى الأرجح، 20 جلدة بأسلاك الفولاذ أو بحزام مصنوع من إطارات السيارات.
بطبيعة الحال، فإن توقيت تقرير منظمة الصحة العالمية مناف للعقل، مضحك، وسخيف، إذ أن الأمم المتحدة ما زالت عاجزة عن توفير المساعدات الغذائية لآلاف من السوريين المحاصرين في القرى والمدن من قبل القوات الحكومية، بل لا تستطيع حتى فتح أي ممرات إنسانية لإنقاذ الأبرياء والمرضى.
لقد فشلت مفاوضات السوريين فشلاً ذريعاً لتهيئة "وقف إطلاق نار دائم"، وإيجاد حل للسلام، ولكن ما الذي من المفترض أن يعنيه للسوريين تقرير الأمم المتحدة هذا عن مضار التدخين الآن؟ بينما هم يخوضون في وسط حمام الدم، إن تنظيم "داعش" والأمم المتحدة الآن، على نفس المسار في هذه الرؤية المتزامنة إزاء التدخين في هذا الوقت، إن هنالك خطأ فادح.
بسعيهم اليائس للبقاء على قيد الحياة في خضمّ تلك الحرب الرهيبة التي تعصف بهم، يجب أن يكون هنالك العديد من السوريين الذين ينظرون إلى تقرير الأمم المتحدة هذا عن التدخين- هذا ان كانوا قد سمعوا به من الأساس- بكونه إهانة لحياتهم.
إن حقيقة أن هذا لم يخطر حتى ببال الأمم المتحدة نفسها، هو مقياس يدل على اختلالها العميق.