بلدي نيوز – (أحمد عبد الحق)
يكتنف الغموض تفاصيل مخرجات الاتفاق الروسي التركي في موسكو، والمتعلق بوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ ليلة الخميس/الجمعة الماضي، رغم الترجيحات والتوقعات بأن الاتفاق لن يستمر طويلا على غرار ما سبقه من اتفاقيات هشة لا تستند لأي قرار دولي ملزم أو رادع.
ومن المناطق التي شملها الاتفاق هي منطقة "جبل الزاوية" الاستراتيجية بريف إدلب الجنوبي، والتي لم يوضح الاتفاق مصير المنطقة بشكل واضح، وبقي محل تحليل وترجيح، تزامنا مع تصريحات روسية وأخرى من طرف النظام تتحدث عن اقتراب سيطرتها على كامل الطريق الدولي "M4" الواقع شمال منطقة جبل الزاوية.
وبعد إعلان الرئيسين الروسي والتركي خلال مؤتمر صحفي مشترك في موسكو يوم الخميس، التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار شمال غرب سوريا، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف "اتفقنا على وقف جميع الأعمال القتالية على خط التماس في محافظة إدلب، وعلى إنشاء ممر آمن على امتداد 6 كيلومترات على طول الطريق M4 في شمال سوريا"، معتبرا أن الاتفاق جاء للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وفي الطرف المقابل، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنه سيتم وقف إطلاق النار في إدلب على خط التماس الذي تم إنشاؤه وفقا لمناطق خفض التصعيد، في وقت لم يوضح تفاصيل ما تم الاتفاق عليه حول الطريق الدولي "حلب - اللاذقية"، وبقي مصير المنطقة غامضا، في وقت تتوارد أنباء عن تحشيدات عسكرية للنظام وإيران بريف إدلب الجنوبي.
وقبل اتفاق وقف النار، شهدت مناطق جبل الزاوية التي تتصل جنوبا بمنطقة جبل شحشبو بريف حماة وكفرنبل، معارك عنيفة على أكثر من محور، بعد تقدم النظام وحلفائه لمدينة كفرنبل والتوسع باتجاه كفرعويد عقدة الربط بين سهل الغاب وجبل الزاوية ومنطقة جبل شحشبو، والتي سيطر عليها قبل استعادتها من قبل فصائل المعارضة.
وكانت منطقة الجبل التي تضم قرابة 35 قرية وبلدة، مسرحا للصراع الروسي التركي، وتعرضت عدة مواقع عسكرية للقوات التركية والأرتال التي وصلت للمنطقة لوقف تمدد النظام وحلفائه للقصف والاستهداف المباشر في البارة ومجدليا وشنان وكنصفرة وبليون التي قتل فيها النظام 34 جنديا من القوات التركية.
وأنشأت القوات التركية نقاطا عسكرية عديدة لها في منطقة تل النبي أيوب، أعلى قمة بجبل الزاوية، والمطلة على سهل الغاب والروج شمال وغرب ومنطقة جبل الزاوية كاملة، في وقت ثبتت نقطة أخرى في منطقة عسكرية قديمة تعرف بالراداد في قرية بزابور بجبل الأربعين، ونقاط في بلدة البارة وكنصفرة وسرجة وإحسم.
وتأتي أهمية جبل الزاوية كونه منطقة جبلية مرتفعة تتمتع بموقع استراتيجي كبير، تمتد من ريف إدلب الجنوبي حتى منطقة أريحا شمالاً، وتطل قرى الجبل التي تبلغ تعدادها قرابة 35 قرية وبلدة على الطريق الدولي "حلب دمشق" ومعرة النعمان من الجهة الشرقية له، وعلى الطريق الدولي بين "حلب واللاذقية" وأريحا والذي يحكم الجبل من الجهة الشمالية، في حين يطل على سهل الغاب وجبال اللاذقية من الجهة الغربية.
ويعتبر الجبل مركز ثقل شعبي ثوري كبير، وكان منذ بدايات الحراك الشعبي ملاذ الثائرين الذين قاتلوا النظام لسنوات وأخرجوه من جبل الزاوية، قبل أن يكون منطلقا لعمليات التحرير في كامل مناطق ريف إدلب، علاوة عن الرمزية الثورية الكبيرة التي يتمتع بها "جبل الزاوية".
وشهدت قرى وبلدات جبل الزاوية خلال الحملات العسكرية الأخيرة عمليات قصف وتدمير ممنهج طالت قرى وبلدات الجبل جميعا، وأجبرت عشرات الآلاف من المدنيين على ترك منازلهم وقراهم والنزوح شمالا، في وقت لا يبدو أن وقف النار المعلن سيؤمن لهم العودة لتلك القرى والبلدات مجهولة المصير حتى اليوم.
وترغب روسيا ضمن مخططها العسكري شمال غرب سوريا، بالسيطرة على الطرق الدولية الرابطة بين حلب وكل من دمشق واللاذقية، وأتمت السيطرة على الطريق الأول من خان شيخون إلى معرة النعمان وسراقب وصولا لمدينة حلب، في حين تروج لنيتها السيطرة على الطريق الرابط مع اللاذقية من سراقب حتى جسر الشغور مرورا بأريحا وصولا لريف اللاذقية.
وفي حال تمكنت روسيا من السيطرة على الطريق الدولي "M4" فإن ذلك يعني سيطرتها على مدن استراتيجية إضافية هي أريحا وجسر الشغور، وتحكم الطوق على سهل الغاب وبالتالي تحصر المناطق المحررة من الطريق الدولي حتى الحدود التركية شمالا.
وكانت نقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام يوم الأحد، تصريحات للمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية "بثينة شعبان"، معبرة فيها عما أسمته "ارتياح القيادة السورية لنتائج الاتفاق الذي جرى توقيعه في موسكو واصفة إياه بالمكسب الكبير".
وقالت شعبان إنه في حال طُبق الاتفاق سيتم سيطرة النظام على أريحا وجسر الشغور، وسيفتح طريق حلب اللاذقية، مشيرة إلى أهمية الإنجاز الميداني الذي حققه جيش النظام، في مواجهة الجيش التركي الذي يعتبر ثاني جيش في الناتو، وفق قولها.
وكان لاقى الاتفاق الروسي التركي في إدلب، وإعلان وقف إطلاق النار، تقبلا في الأوساط الدولية، والتي عبرت عن تمنيها في أن يحقق الهدوء ويخفف من الأزمة الإنسانية هناك، في وقت كان جدد وزير الخارجية الهولندي، طلبه بإقامة حظر جوي بإدلب.